أخبار عاجلة
تطبيق Google Photos يجلب ميزة خرافية على أندرويد! -

الذكاء الاصطناعي.. كيف يمثل حلًا واعدًا لتلوث التربة (مقال)

الذكاء الاصطناعي.. كيف يمثل حلًا واعدًا لتلوث التربة (مقال)
الذكاء الاصطناعي.. كيف يمثل حلًا واعدًا لتلوث التربة (مقال)

يظهر دور تطبيقات الذكاء الاصطناعي بقوة في مجال معالجة تلوث التربة، إذ تُعدّ التربة حجر الأساس للحياة على سطح الأرض، فهي أكثر من مجرد وسط لزراعة النباتات؛ إنها نظام بيئي متكامل يوفر الغذاء والدواء وأساس الاستقرار البيئي للبشرية.

فالتربة تحتضن كائنات دقيقة لا تُحصى، وتعمل بصفتها مخزنًا طبيعيًا للمغذّيات والمياه، كما تسهم في تنظيم دورة الكربون والمناخ على المدى البعيد.

ومن دون تربة صحية، يستحيل ضمان الأمن الغذائي أو الحفاظ على التنوع الحيوي الذي يدعم حياة الإنسان والنظم البيئية الأخرى.

لكن هذا المورد الحيوي أصبح مهددًا اليوم بشكل غير مسبوق، فالتوسع العمراني السريع، والأنشطة الصناعية الثقيلة، والتخلص غير السليم من النفايات، كلّها أسهمت في تراكم مواد سامّة خطيرة في التربة.

كما أدى الاستعمال المفرط وغير المدروس للأسمدة الكيميائية والمبيدات الزراعية إلى إفقاد التربة خصوبتها الطبيعية ورفع مستويات الملوثات فيها إلى درجات تنذر بالخطر.

وباتت النتائج واضحة في صورة أراضٍ زراعية تفقد قدرتها الإنتاجية، ومصادر مياه جوفية ملوثة، ومخاطر صحية متزايدة تطال الإنسان والحيوان معًا.

أمام هذه التحديات المعقّدة، يبرز الذكاء الاصطناعي أداةً عصرية تحمل إمكانات واعدة.

فهو لا يقتصر على تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة فحسب، بل يقدّم أيضًا حلولًا مبتكرة لرصد التلوث بدقة، والتنبؤ بمساره على المدى البعيد، وتطوير استراتيجيات معالجة فعّالة تفوق في سرعتها وكفاءتها الأساليب التقليدية.

أهمية معالجة تلوث التربة

يمثّل التلوث البيئي للتربة مشكلة مركبة ذات أبعاد صحية واقتصادية واجتماعية.

على الصعيد الصحي، تعني التربة الملوثة مواد سامّة تتسرب إلى المياه الجوفية وتنتقل إلى الغذاء، مما يزيد احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وتلف الكبد والكلى.

ومن أبرز الملوثات المعادن الثقيلة كالزئبق والرصاص والكادميوم، التي تستطيع البقاء في التربة لعقود دون تحلُّل.

أمّا المبيدات الكيميائية، فإنها تتراكم في التربة والمياه، مسببةً آثارًا سلبية متراكمة في صحة الإنسان والحيوان.

اقتصاديًا، يؤدي تلوث التربة إلى تراجع إنتاج الأراضي الزراعية وزيادة تكلفة المحاصيل، ما يهدد الأمن الغذائي للدول ويزيد من اعتمادها على الاستيراد.

كما أن استصلاح الأراضي الملوثة باستعمال التقنيات الكلاسيكية يحتاج إلى استثمارات ضخمة ووقت طويل قد يمتد لسنوات، وهو ما يعوق التنمية الزراعية المستدامة.

كل هذه التحديات تُبرز الحاجة إلى حلول مبتكرة وسريعة، فالطرق التقليدية القائمة على الرصد اليدوي وجمع العينات الميدانية باتت بطيئة وعالية التكلفة.

بينما يقدّم الذكاء الاصطناعي تقنيات قادرة على التعامل مع كميات هائلة من البيانات، وتحليلها بسرعة فائقة لإنتاج مؤشرات دقيقة تساعد في اتخاذ القرارات.

الذكاء الاصطناعي

مراقبة التلوث بوساطة الذكاء الاصطناعي

أحد أهم أدوار الذكاء الاصطناعي يتمثل في قدرته على مراقبة التربة من خلال الجمع بين تقنيات الاستشعار عن بُعد، والنماذج التنبؤية، والأجهزة المتصلة بإنترنت الأشياء.

تعتمد أنظمة الرؤية الحاسوبية على صور الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة المزودة بآلات تصوير متعددة الأطياف، حيث تحلّل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل الصور لاكتشاف الفروق الدقيقة بين التربة السليمة والمتأثرة بالملوثات.

وتتيح هذه التحليلات رصد مساحات واسعة من الأراضي في وقت قصير وبدقة عالية.

أمّا النماذج التنبؤية المبنية على تقنيات التعلم الآلي، فهي تجمع بيانات تاريخية عن المناخ، وأنماط الزراعة، ومصادر التلوث الصناعي، لتتوقع مستويات التلوث المستقبلية.

هذا النوع من النماذج يساعد الحكومات والمنظمات على التخطيط الوقائي قبل تفاقم المشكلات.

ومن خلال التكامل مع تقنيات إنترنت الأشياء، تُثبَّت أجهزة استشعار صغيرة مباشرة في التربة لقياس الحموضة والرطوبة، وتركيز المعادن الثقيلة أو بقايا المبيدات.

وتحلل أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه البيانات لحظة بلحظة، ما يوفر مراقبة آنية واستجابة سريعة في حال اكتشاف مستويات خطيرة من التلوث.

آليات المعالجة الذكية للتربة الملوثة

لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الاكتشاف والرصد، بل يمتد إلى تحسين عمليات المعالجة نفسها.

في مجال المعالجة الحيوية، حيث تُستعمَل كائنات دقيقة أو نباتات لمعالجة الملوثات، يساعد الذكاء الاصطناعي على تحديد الأنواع الأكثر كفاءة للتعامل مع نوع خاص من الملوثات، واقتراح الظروف البيئية المثالية لنجاح العملية مثل درجة الحرارة والرطوبة.

كما يقدّر المدة اللازمة لإنجاز إزالة الملوثات بكفاءة عالية.

أمّا المعالجة الكيميائية، فيستطيع الذكاء الاصطناعي من خلال المحاكاة الحاسوبية افتراض سيناريوهات وتجارب افتراضية لتحديد المواد الأكثر فعالية للتخلص من ملوث بعينه، مع تقليل المخاطر البيئية والتكلفة المالية المصاحبة للتجارب المخبرية التقليدية.

وعلى المستوى الواسع لإدارة المشروعات البيئية، يمكن أن يحلل الذكاء الاصطناعي البيانات لتوزيع الموارد اللازمة للمعالجة مثل المياه أو المواد البيولوجية على المناطق الأكثر احتياجًا، مما يضمن الاستعمال الأمثل للموارد ويقلل من الهدر.

انترنت الأشياء
صورة تعبّر عن إنترنت الأشياء

الزراعة الذكية خط دفاع أول

لا يمكن تحقيق معالجة فعالة للتربة دون التفكير في الوقاية من التلوث الجديد، وهنا يأتي دور الزراعة الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

تتيح الزراعة الذكية للمزارعين استعمال الكميات المثالية من المياه والأسمدة بناءً على البيانات الحية التي توفرها أجهزة الاستشعار، وهو ما يقلل من تراكم المواد الكيميائية الضارة في التربة.

كما تساعد النماذج الذكية في التنبؤ باحتمال إصابة المحاصيل بالآفات أو الأمراض، ما يسمح باستبدال الحلول البيولوجية أو الوقائية الطبيعية بالمبيدات الكيميائية.

وإلى جانب ذلك، تساعد الأنظمة الذكية في اختيار المحاصيل الأكثر ملاءمة لحالة التربة.

فعلى سبيل المثال، التربة المتأثرة بالأملاح تتطلب زراعة نباتات مقاومة قادرة على استعادة التوازن الكيميائي تدريجيًا.

بهذه الطريقة يتحقق توازن مزدوج: حماية البيئة الزراعية وتعزيز الإنتاج.

التنبؤ بمسار الملوثات

من التطبيقات البارزة للذكاء الاصطناعي قدرته على بناء نماذج جغرافية ورياضية تحاكي حركة الملوثات داخل التربة ووسائل انتقالها نحو المياه الجوفية.

تعتمد هذه النماذج على بيانات دقيقة تشمل الطقس، وشدة الرياح، وتدفقات المياه، وطبيعة التضاريس.

هذه النماذج توفر للسلطات البيئية إمكانات استباقية، إذ تتيح معرفة أيّ المناطق ستكون عرضة للتلوث مستقبلًا، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة قبل حدوث الكارثة.

إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير أنظمة إنذار مبكر ترسل إشعارات عند وصول التلوث إلى مستويات خطيرة، ما يضمن حماية السكان الذين يعتمدون على المياه الجوفية مصدرًا للشرب.

دور البيانات الضخمة في تعزيز فعالية المعالجة

أحد أبرز ما يميز الذكاء الاصطناعي هو قدرته على التكامل بين مصادر البيانات المتعددة، سواء كانت نتائج مخبرية، أو صورًا جوية، أو بيانات مأخوذة من الحساسات والأقمار الصناعية، وهذا الدمج يوفر صورة شاملة ودقيقة لمستويات التلوث.

كما تساعد الخوارزميات في استخراج أنماط معقّدة يصعب اكتشافها عبر الطرق التقليدية.

على سبيل المثال، قد تكشف البيانات وجود علاقة بين موسم معين وزيادة نوع محدد من الملوثات، وهو ما يدعم اتخاذ قرارات مرنة وتخطيط استراتيجيات موسمية لمعالجة التربة بشكل أكثر فاعلية.

تحديات تواجه تبني التقنية

رغم النجاح المتزايد، ما يزال الطريق أمام الاستعمال الواسع للذكاء الاصطناعي محفوفًا بعدّة تحديات.

يأتي في مقدّمتها نقص البيانات عالية الجودة في كثير من الدول النامية، حيث لا تتوافر قواعد بيانات كافية أو محدّثة، وهو ما ينعكس سلبًا على دقة النماذج التحليلية.

وتُعدّ التكلفة الأولية العالية أيضًا عائقًا ملحوظًا، إذ يتطلب تطبيق التقنيات الحديثة شراء أجهزة استشعار وطائرات مسيّرة وبنى تحتية رقمية متقدمة.

كما أن نجاح هذه النظم لا يغني عن العنصر البشري، إذ يحتاج الأمر إلى خبراء بيئيين وزراعيين قادرين على تفسير نتائج النماذج وضبطها بما يتلاءم مع الواقع.

وهناك أيضًا اعتبارات أخلاقية، إذ قد تُطرَح بعض الحلول التقنية معالجات قصيرة المدى دون مراعاة التأثير البيئي طويل الأجل.

هذه الجوانب تجعل من الضروري وجود ضوابط ومعايير تحكم الاستعمال.

كيفية مواجهة التحديات

رغم التحديات المرتبطة بتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في معالجة تلوث التربة، فإن مواجهتها ممكنة عبر إستراتيجيات متكاملة.

فمشكلة نقص البيانات يمكن التغلب عليها من خلال بناء قواعد بيانات وطنية ودولية مفتوحة تُجمَع فيها المعلومات البيئية والزراعية جمعًا دوريًا ومنتظمًا.

أمّا ارتفاع التكلفة الأولية، فيمكن معالجته عبر تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتقديم حوافز مالية للمزارعين والشركات الصغيرة للاستثمار في البنية التحتية الرقمية.

وفيما يتعلق بالحاجة إلى الخبرات البشرية، فإن الحل يكمن في تطوير برامج تدريبية ومناهج جامعية متخصصة تجمع بين علوم البيئة والذكاء الاصطناعي لتأهيل كوادر قادرة على إدارة هذه التقنيات بكفاءة.

كما يتطلب الأمر وضع أطر قانونية وأخلاقية واضحة لضمان أن تكون الحلول المقترحة صديقة للبيئة وذات أثر طويل الأمد.

بهذه الإجراءات يمكن تحويل التحديات إلى فرص تعزز فاعلية الذكاء الاصطناعي في حماية التربة وتحقيق الزراعة المستدامة.

أشخاص يمارسون الزراعة الرعوية في أفريقيا
أشخاص يمارسون الزراعة الرعوية في أفريقيا - الصورة من nashulai

نظرة إلى المستقبل

المستقبل القريب يحمل آفاقًا واسعة لاستعمال الذكاء الاصطناعي، هناك تجارب قائمة لدمج الذكاء الاصطناعي مع علوم الهندسة الحيوية من أجل تطوير كائنات دقيقة أكثر قدرة على معالجة الملوثات بكفاءة عالية.

كما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوضيحي التي تشرح أسباب القرارات ستزيد من شفافية التعامل مع هذه التقنية وتعزز الثقة بها.

إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير منصات رقمية تشاركية تجمع المزارعين والباحثين والحكومات لتبادل البيانات والتوصيات مباشرةً، ما يخلق شبكة عالمية للرصد والمعالجة السريعة.

ولا شك أن الروبوتات الزراعية الذكية التي تنفّذ عمليات الرش أو الزراعة وفق توصيات النماذج الحاسوبية ستؤدي دورًا متزايدًا في المستقبل.

يمثّل الذكاء الاصطناعي ثورة حقيقية في جهود البشرية لحماية التربة ومكافحة تلوثها، وبفضله بات من الممكن رصد الملوثات بدقة غير مسبوقة، والتنبؤ بمستقبلها، ومعالجتها بطرق بيئية واقتصادية متوازنة، مع ضمان الوقاية ورفع كفاءة الزراعة.

ومع ذلك، فإن نجاح هذه الحلول يتوقف على مدى استعداد الدول للاستثمار في التقنيات، وتوفير البنية التحتية والخبرات البشرية القادرة على تشغيلها.

إنّ تبنّي الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة ملحّة لصون الأمن الغذائي والبيئي العالمي.

وإذا ما استُثمِر في الاتجاه الصحيح، فإنه سيصبح إحدى الركائز الأساسية لضمان مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

* الدكتورة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق نمو مراكز البيانات يستنزف الكهرباء والماء ويدفع البشر إلى التنافس على الموارد (تقرير)
التالى إنتاج الغاز في الشرق الأوسط يترقب انتعاشة.. 5 دول عربية قد تغير المشهد