في خطوات قد تُحدِث تحولًا غير مسبوق في مستقبل قطاع الطاقة السوري، أطلقت قطر سلسلة مبادرات نوعية لدعم دمشق، تمثّلت في تمويل أكبر صفقة كهرباء في تاريخ البلاد، وتحمُّل تكاليف توريد الغاز من أذربيجان وعبر الأردن، ما يُعدّ بداية جديدة للبلاد بعد سنوات طويلة من الحرب والانهيار الاقتصادي.
وتُشير التطورات الأخيرة إلى تصاعد الحضور القطري في مشروعات إعادة الإعمار بقطاع الطاقة، وسط سعي محموم من الحكومة السورية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء وتقليص الفجوة بين الإنتاج والطلب.
ويُبرز هذا الانخراط القطري معالم مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي، تمهّد لإعادة بناء البنية التحتية المتداعية، لا سيما بعد توقيع اتفاقات شراكة طويلة الأمد في مجالات توليد الكهرباء وإمدادات الغاز، برعاية مباشرة من الدوحة.
ووفقًا لتقديرات منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن هذه الخطوات تشكّل امتدادًا لتوجهات إستراتيجية تقودها قطر بالتنسيق مع شركاء دوليين وإقليميين، في مسعى حثيث لإعادة إحياء قطاع الطاقة السوري على أسس مستدامة.
أكبر صفقة كهرباء في تاريخ سوريا
أعلنت دمشق، أواخر مايو/أيار 2025، توقيع أكبر صفقة كهرباء في تاريخ سوريا مع مجموعة "أورباكون" القطرية (يو سي سي القابضة)، بقيمة استثمارية تبلغ نحو 7 مليارات دولار أميركي، في مسعى لتوليد 5 آلاف ميغاواط من الكهرباء.
وتهدف هذه الصفقة إلى إنعاش الشبكة الكهربائية المتهالكة، عبر إنشاء 4 محطات توربينات غازية بالدورة المركبة في دير الزور، ومحردة، وزيزون (ريف حماة)، وتريفاوي (ريف حمص)، بقدرة إجمالية تبلغ 4 آلاف ميغاواط، إلى جانب محطة طاقة شمسية بسعة 1000 ميغاواط في وديان الربيع جنوب البلاد.
وأكد وزير الطاقة السوري المهندس محمد البشير أن هذه الاتفاقية تُمثّل لحظة مفصلية في مسار إعادة تأهيل البنية التحتية للكهرباء، مشيرًا إلى أن استعمال تقنيات أميركية وأوروبية في المشروعات الجديدة سيسرّع من تحقيق الأهداف التنموية للدولة المحرّرة حديثًا.

مبادرة إحياء الكهرباء في سوريا
تُعدّ الصفقة نواة لمبادرة "إحياء الكهرباء في سوريا"، التي تضم شركات عالمية مثل "كاليون إنرجي"، و"جنكيز إنرجي"، و"باور إنترناشيونال"، وتستهدف تحفيز مشروعات الطاقة المتجددة والنظيفة في البلاد.
ومن جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة أورباكون، رامز الخياط، إن المشروع الجديد سيوفر أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة، و250 ألف فرصة غير مباشرة، ما يدعم سوق العمل السورية، ويفتح الباب أمام نهضة اقتصادية واسعة.
ووجّه الخياط الشكر للرئيس السوري أحمد الشرع، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، لدورهم في توفير الظروف السياسية اللازمة لإبرام الاتفاق.

صفقة غاز أذربيجان إلى سوريا
مع مطلع أغسطس/آب 2025، دخلت صفقة غاز أذربيجان إلى سوريا حيز التنفيذ، بعد سنوات من التعثر.
وتُمثّل هذه الصفقة إنجازًا بارزًا في خارطة إعادة الإعمار الطاقي، إذ بدأت أذربيجان توريد الغاز إلى سوريا عبر الأراضي التركية، ضمن اتفاق ثلاثي برعاية قطر وتركيا.
وأكد وزير الطاقة السوري أن قطر أدت دورًا رئيسًا في تمويل صفقة غاز أذربيجان إلى سوريا، فضلًا عن دعمها المسبق لواردات الغاز القطري إلى دمشق عبر الأردن.
وأوضح الوزير أن المرحلة الأولى من المشروع تتضمن ضخ 3.4 مليون متر مكعب من الغاز الأذربيجاني يوميًا، بما يتيح إنتاج 750 ميغاواط إضافية من الكهرباء، ما يزيد عدد ساعات التغذية اليومية بنحو 4 ساعات.
ويمثّل تدشين خط الغاز الإقليمي الذي يربط أذربيجان بسوريا مرورًا بتركيا خطوة إستراتيجية لتعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود عودة المهجّرين إلى مناطقهم، وتحريك عجلة الصناعة.
ووفقًا لتقديرات وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، فإن الخط قادر على نقل مليارَي متر مكعب سنويًا، وهو ما يكفي لتوليد كهرباء تكفي 5 ملايين أسرة.
كما تعمل تركيا حاليًا على تصدير الكهرباء إلى سوريا عبر 8 نقاط مختلفة، وتعتزم مضاعفة هذه الكميات تدريجيًا لدعم استقرار الشبكة الوطنية.

تصدير الغاز إلى سوريا عبر الأردن
لا تقتصر المساهمة القطرية على هاتين الصفقتين فحسب، بل تمتد إلى دعم مباشر لواردات الغاز الطبيعي، التي بدأت في مارس/آذار الماضي، من الأردن عبر خط الغاز العربي، ثم توقفت مؤقتًا بسبب تغييرات في عمليات التغويز.
وبدأت دمشق، في 13 مارس/آذار 2025، استيراد مليونَي متر مكعب يوميًا من الغاز القطري، عبر الأراضي الأردنية، في أول صفقة من نوعها منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وفي تصريحات خاصة حينها إلى منصة الطاقة، أكد المدير العام لمؤسسة النقل والتوزيع بوزارة الكهرباء السورية، المهندس خالد أبودي، أن عمليات التوريد ستُستأنف قريبًا.
وكشف أبو دي مفاوضات مستمرة لمضاعفة حجم الإمدادات إلى 4 ملايين متر مكعب يوميًا، مشيرًا إلى أن الاتفاق النهائي لم يُوقَّع بعد، في ظل استمرار النقاشات الفنية واللوجستية.
وتُموَّل الصفقة عبر صندوق قطر للتنمية، في إطار مساعٍ لدعم استقرار منظومة الكهرباء السورية، وفتح آفاق للتعاون الاقتصادي الإقليمي.
وكانت الحكومة الأردنية قد أجرت مشاورات مع نظيرتها السورية، لبحث إمكان إطلاق تعاون ثلاثي مع قطر ومصر، بهدف ضمان استمرار تدفُّق الغاز دون انقطاع.
ويعكس دخول قطر على خط إمدادات الغاز إلى سوريا بُعدًا جديدًا في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، في ظل ما يبدو أنه انفتاح متزايد من الدوحة تجاه دعم جهود إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية في "سوريا الجديدة".
وفي السياق نفسه، تشير بيانات وزارة الطاقة السورية إلى أن الاتفاق مع أذربيجان يتضمن إمدادات تصل إلى 1.2 مليار متر مكعب سنويًا في مرحلته الأولى، وهو ما يكفي لتوليد ما بين 1200 و1300 ميغاواط في محافظتَي حلب وحمص.
ويمثّل هذا الدعم الثلاثي –القطري، والتركي، والأذربيجاني– مرحلة جديدة في مسار التعافي السوري، وسط إشادة حكومية بالدور المحوري الذي تضطلع به قطر في إعادة تأهيل البنية التحتية للكهرباء والغاز.
ويأمل السوريون أن تثمر هذه الجهود تحسّنًا ملموسًا في التغذية الكهربائية والخدمات العامة، بما يعيد الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها بعد سنوات طويلة من الظلام والانقطاع.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- خبر بدء ضخ الغاز الأذربيجاني عبر تركيا إلى سوريا، من وكالة أذرتاج الأذربيجانية
- تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون، من "سانا"
- تصريحات وزير الطاقة السوري، من "سانا"