لم يخلُ تعقيب رئيس الحكومة على أسئلة النواب البرلمانيين حول موضوع “إصلاح التعليم من مدرسة الريادة إلى جامعة التميز لبناء أجيال مغرب الغد”، موضوع الجلسة الشهرية للمساءلة التشريعية، من تفاعل “موجز” مع قضية “سمسرة الدبلومات” التي فجّرتها متابعة أستاذ لمادة القانون في جامعة ابن زهر بأكادير (“سمسار الدبلومات”) في حالة اعتقال.
وبينما أثار الموضوع ضمن تعقيبه أحد نواب “المجموعة النيابية للعدالة والتنمية”، جاء ردّ رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بعبارات مقتضبة، مكتفيا بالقول: “بالنسبة لقضية أستاذ التعليم العالي بمدينة أكادير، فهي أمام القضاء، ولا يمكنني التدخل في القضاء، ونحن نحترمُ القضاء واستقلاليته… والقضاء سيتخذ القرارات اللازمة”.
التعليم الأولي و”الهدر”
تفاعلاً مع مسائل أثارها النواب في تعقيباتهم على عرض رئيس الحكومة، قال الأخيرُ بشأن التعليم الأولي، محاولاً “تصحيح بعض المعلومات الواردة”، “وصلنا خلال الدخول المدرسي الحالي إلى حوالي 930 ألف طفل، بزيادة نسبتها 3,4 في المائة مقارنة مع الموسم الماضي، حيث بلغنا 83 في المائة كنسبة للتعليم برقم 33 ألف قسم”.
وفي ملف طالما كان شائكاً (المربّيات في التعليم الأولي) أعلن أخنوش أنه “تم فتح باب استفادتهنّ من خدمات مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، ودعم النقل وقروض السكن وغيرها.
وبشأن الملاعب الرياضية بالمؤسسات التعليمية، أبرز أن ثمّة “اتفاقية حاليا مع الجماعات الترابية لكي تُفتح في وجه شباب الأحياء خارج وقت الدراسة، واتفاقية أخرى لتكوين جمعيات تسير هذه الملاعب، مع توفير الوزارة الوصية للمتابعة والبنية التحتية”.
ولفت إلى أن “محاربة الهدر المدرسي”، من طرف حكومته، أسفرت عن “تقدّمنا في محاربة الهدر المدرسي بإعادة حوالي 10 في المائة من المنقطعين إلى صفوف الدراسة”، وفق إفادته.
“تقييم مدارس الريادة”
عاد “ربّان السفينة الحكومية” إلى الدفاع بإسهاب في تعقيبه على تقييم “مدارس الريادة”، قائلا: “جئنا بها لتجاوز المراكز المتأخرة التي كان يحتلها المغرب منذ سنوات قبل مجيء هذه الحكومة، ويستغل البعض التقارير بشأنها لانتقاد الوضعية الراهنة للتعليم”.
وكشف أخنوش أنه “سيتم في هذا الإطار التفاعل مع بعض التقارير التي تؤكد التشخيص الذي قمنا به من قبل، عبر تشكيل هيئة للحكامة سيترأسها وزير التعليم وستجتمع شهريا، وأخرى جهوية مع مختلف المتدخلين”.
وزاد شارحا: “قُمت بزيارة ميدانية لعدد من مدارس الريادة، واطّلعت على وضع التلاميذ والأساتذة وتحدثت مع المفتشين الذين يعيشون هذه التجربة، واستمعت لشهاداتهم المؤثرة بشأنها، حيث نقلوا ارتياح آباء وأولياء التلاميذ لكل ما جاءت به مدارس الريادة من إيجابيات”.
وفي ردّ مبطن على انتقادات “المعارضة”، أورد: “لَسْنا وحدنا من يقول إن مدارس الريادة نجحت؛ فهذا تؤكده كذلك مؤسسات مستقلة ومكاتب دراسات مستقلة قامت بتقييم هذا البرنامج وتقر بأن هذا الاختيار صائب وسينقذ مع الوقت المدرسة المغربية”، موردا: “الآباء يروْن الفائدة المحصَّلة من تعلم أبنائهم في مدارس الريادة، والأساتذة والمديرون والمفتشون مشكورين يقومون بعمل كبير”.
وبالنسبة للتعليم الإعدادي الثانوي، شرح أخنوش أن “البداية كانت بنسبة 10 في المائة من الأقسام تم إعدادها لمحاربة الهدر المدرسي، وفي آخر سنة 2027 ستكون مدارس الريادة وإعداديات الريادة موجودة”، مع “عمل جارٍ لتوفير فضاءات للفنون والمسرح بمدارس الريادة لفائدة التلاميذ، على أن يتم تقييم هذا البرنامج بعد عاميْن، وهو الذي سيعطي نتائجها”.
“اليوم كل أستاذ في مدارس الريادة لديه حاسوب محمول لضمان مواكبة المستجدات التعليمية، ولديه جميع الأمور البيداغوجية اللازمة للعمل”، يقول أخنوش أمام النواب، مفيدا بـ”استفادة هؤلاء الأساتذة من تكوينات دورية على طول السنة”.
ولم يتجاهل رئيس الحكومة ما أُثير من تعليقات على تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، مشددا على أن “الحكومة مقتنعة بدور المؤسسات الدستورية جميعها، ونحترم العمل الهام الذي تقوم به”، منبها إلى أن “التقرير نفسَه أشاد بتحقيق مؤسسات الريادة لمستوى أولي جد مُرضٍ مقارنة بالأهداف المحددة، حيث سجلت 100/79 كدرجة تطابق مع الأهداف”، مستحضرا أن “التقييم العام الذي خرج به ملخص التقرير هو أنه لأول مرة بمؤسسات الريادة في العالم القروي تقلصت الفروقات الكبيرة التي كانت موجودة مع المؤسسات بالمدن، وأصبح لديها تقريبا نفس مستوى الأداء العام مثل المؤسسات في المدن؛ إذن هو نموذج قادر على الحد من التفاوتات والفوارق الاجتماعية”.
كما عرّج على مقاربة “Tarl” و”التعليم الصريح”، وقال بشأنها: “تبيَّن أن الأساتذة نجحوا في تنفيذ المقاربتين التعليميتين Tarl والتعليم الصريح، بدرجات تتطابق مع الأهداف تجاوزت 80 في المائة، وهو مؤشر يُظهر بشكل واضح انخراط الأساتذة في هذه المنظومة والتجاوب الفعال معها بشكل جيد”.
وبالنسبة للتلميذ، الذي هو أهم حلقة في هذه المنظومة، استدلّ أخنوش في محاجَجته للنواب بفقرة من التقرير تقول: “كشف تحليل نتائج التلاميذ في اختبارات Aser أن الجهود المبذولة في إطار مقاربتي Tarl والتعليم الصريح قد ساهمت بشكل كبير في تحسين مستوى تعلم العديد من التلاميذ بين شهري شتنبر وماي”.
وعلّق بنبرة اعتزاز: “هذه شهادة كافية في حد ذاتها، حيث إن مقاربة مدارس الريادة ناجحة في تحسين مستوى التعلمات، وتبين بالملموس أن الأهداف المحددة مكنت من تحسين أداء التعليم بصفة عامة”.
“مؤشر متابعة التعلمات”
وفق المتحدث ذاته، فقد “تمّ وضع مؤشر مركب لمتابعة التعلمات، بالإضافة إلى إنشاء وتنشيط شبكة من المفتشين المكلفين بمتابعة وتأطير المدارس الابتدائية، واختيار وتكوين الميّسرين”.
وتفاعل أخنوش مع وضعية المغرب في مؤشرات التقييم الدولية لكفاءات التلاميذ، بقوله: “تكلّمتُم على TIMMS 2023… هنا أريد أن أجيب على بعض المغالطات، فهذا البحث يبيّن التراجع في مستوى التعلمات ما بين 2019 و2023، خاصة في المستويات الإعدادية”.
واسترسل: “هذه الوضعية لا يمكن إلا أن تؤكد التشخيص الذي قمنا به، قبل أن نباشر الإصلاح، الذي قلنا فيه إن السياسات التعليمية لم تكن في محلها”، في تلميح إلى “حكومتَي البيجيدي”.
وختم رئيس الحكومة بالتأكيد أن التعليم العالي يحظى بـ”اشتغال مهمّ” من وزير القطاع عز الدين المداوي، الذي “يشتغل في هذا الإطار على خلق جامعات جديدة، حيث سيتم تقسيم بعض الجامعات، خاصة من خلال فصل كلية الحقوق عن كلية الاقتصاد، ثم فصل كلية الآداب عن كلية العلوم الإنسانية”، خالصا إلى أنه “لا يعقل اليوم أن بلادنا تتوفر فقط على 12 جامعة، في الوقت الذي نجد دولا تتوفر على أزيد من 400 جامعة، لأن هذا الأمر ينعكس على جودة التكوين”.