فضيحة "ياسمين" .. عبودية جديدة وسقوط أخلاقي في زمن المؤثرين المزيّفين

فضيحة "ياسمين" .. عبودية جديدة وسقوط أخلاقي في زمن المؤثرين المزيّفين
فضيحة "ياسمين" .. عبودية جديدة وسقوط أخلاقي في زمن المؤثرين المزيّفين

لم تكن قصة البلوغر “ياسمين”، التي شغلت الرأي العام في مصر، سوى مرآة كاشفة لانهيار منظومة القيم في فضاء رقمي تحوّل إلى سوق نخاسة عصرية، يُباع فيه الجسد ويُسوَّق فيه الوهم تحت لافتة “المحتوى” و”الترند”.

فـ”ياسمين”، التي بنت شهرتها عبر مقاطع إيحائية تحمل كل مفردات الانحطاط، لم تكن أنثى كما ادّعت، بل رجلاً متنكرًا في صورة امرأة، يصطاد الغرائز ويجمع الأرباح.

سقوطها ليس حادثًا فرديًا، بل شهادة قاسية على واقع منصات تتيح لأي شخص أن يختلق هوية مزيفة، ويغرق الملايين في الوهم مقابل مشاهدات زائفة وإعلانات تافهة.

القضية أكبر من شخص تنكر أو ادّعى أنوثة، هي قضية تتجاوز مصر إلى المغرب والعالم العربي، حيث يلهث الجميع وراء “الترند” ولو كان الثمن ضرب الحياء العام. منصات تفتح شاشاتها أمام الابتذال وتغلقها أمام الإبداع. فكيف يقنع البعض أنفسهم بأن نشر محتوى خادش أو ألفاظ سوقية هو “حرية تعبير”، بينما هو في جوهره تجارة بالغرائز وإفساد متعمد للذوق العام؟ هنا تتحول حرية التعبير إلى حرية تدمير.

تحرك الأجهزة الأمنية المصرية لم يقتصر على “ياسمين”، بل شمل سلسلة من صناع الوهم على “تيك توك” ومنصات أخرى، ممن حوّلوا التواصل الاجتماعي إلى “ماخور رقمي” يدر الأموال على حساب القيم والأجيال الناشئة. لكن السؤال الأعمق: هل يكفي القبض على بعض الأسماء بينما البيئة نفسها تنتج عشرات النسخ كل يوم؟

“فضيحة ياسمين” لا تعني انكشاف شخص، بل انكشاف واقع: واقع يُربّي جيلًا كاملًا على أن طريق الشهرة ليس الاجتهاد ولا العلم ولا الفن، بل الصراخ والابتذال والفضائح. واقع يصدّر لأطفالنا قدوات كرتونية لا تعرف من الحياة إلا تقليد الحركات الرخيصة وجمع المتابعين بأي ثمن.

الأخطر أن هذه الصناعة تجد من يدافع عنها باسم “الحرية الفردية”، بينما هي في حقيقتها عبودية جديدة: عبودية للمنصات، لأرقام الإعجابات، ولرعاة يستثمرون في التفاهة. لا يمكن لمجتمع يريد بناء أجيال سوية أن يقبل بتحويل الفضاء العام إلى مكبّ للنفايات البصرية والسلوكية.

لقد آن الأوان أن ندرك أن معركة القيم لا تقل خطورة عن معركة الأمن والاقتصاد. فالمجتمع الذي يُستباح شبابه عبر الشاشات لن تحميه جدران ولا قوانين وحدها. المطلوب إصلاح جذري: تربية رقمية تبدأ من البيت والمدرسة، قوانين أكثر صرامة لملاحقة صناع الانحطاط، ومبادرات تعيد الاعتبار للجدية والإبداع.

“ياسمين” مجرد اسم سقط، لكن الظاهرة ما زالت مستشرية، والأقنعة قد تخدع لبعض الوقت، غير أن النتيجة دائمًا واحدة: سقوط مدوٍّ أمام الحقيقة التي لا ترحم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بوتين يزور مقبرة لجنود سوفيت في ألاسكا
التالى محافظ كفرالشيخ يتفقد سير انتخابات مجلس الشيوخ 2025 بمجمع مدارس هدى شعراوي