أن يُعلن رئيس جنوب إفريقيا السابق، جاكوب زوما، من قلب العاصمة الرباط، دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، بصفته زعيمًا لحزب معارض يشكّل القوة الثالثة في برلمان بلاده، فذلك لا يُعد مجرّد موقف ظرفي، ولا مجاملة دبلوماسية عابرة، بل مراجعة ضمنية لمسار طويل من الانحياز الإيديولوجي الذي أبعد جنوب إفريقيا عن منطق التوازن والواقعية في التعاطي مع مسألة الوحدة الترابية للمملكة.
اللافت في خطاب زوما أنه لم يستند إلى اعتبارات ظرفية أو مصالح آنية فحسب، بل حرص على استعادة الجذور السياسية والرمزية للعلاقات بين الرباط وبريتوريا، مستحضرًا دعم المغرب التاريخي لحركة التحرير في جنوب إفريقيا، وتحديدًا تدريب الزعيم نيلسون مانديلا في مدينة وجدة سنة 1962، فضلًا عن الدعم المالي والعسكري الذي قدمته المملكة آنذاك.
وقد صدر موقف حزبه uMkhonto weSizwe ضمن وثيقة سياسية شاملة تحمل عنوانًا بالغ الدلالة: “شراكة استراتيجية من أجل الوحدة الإفريقية والتمكين الاقتصادي والوحدة الترابية: المغرب”، وهي وثيقة تؤسّس لرؤية جديدة للعلاقات الإفريقية، قوامها احترام السيادة ووحدة الدول، وأفقها التعاون جنوب-جنوب، بعيدًا عن رواسب الاستقطاب الإيديولوجي الذي أثقل القرار الإفريقي لعقود.
الوثيقة، بلغة دقيقة لا تحتمل التأويل، تؤكد أن الصحراء كانت جزءًا لا يتجزأ من المغرب قبل الاستعمار الإسباني، وتعيد التشديد على بيعة القبائل الصحراوية للعرش المغربي، كما تثمّن المسيرة الخضراء بوصفها نموذجًا فريدًا للتحرير السلمي.
ومن هذا المنطلق، يُطرح مقترح الحكم الذاتي وفق وثيقة “حزب زوما” كحل واقعي ومتوازن، يكفل لسكان الأقاليم الجنوبية حكامة محلية فعالة في إطار سيادة المغرب ووحدته.
وتزداد دلالة هذا الموقف بالنظر إلى التحولات التي يشهدها المشهد السياسي في جنوب إفريقيا نفسها، فالدولة التي كانت لسنوات من أبرز الداعمين للأطروحة الانفصالية، باتت تشهد نقاشًا داخليًا متصاعدًا بشأن كلفة ذلك الانحياز العقيم.
ويبدو أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي لم يعد يحتكر الموقف، والنخب الجديدة في بريتوريا أصبحت أكثر استعدادًا لمراجعة الإرث الإيديولوجي، وإعادة ضبط بوصلتها الخارجية على أساس الواقعية والمصلحة الوطنية.
ما بين قمة أبيدجان سنة 2017، التي شهدت لقاء زوما بالملك محمد السادس، وزيارته إلى الرباط في يوليوز 2025 بصفته زعيمًا لحزب سياسي معارض، يمتدّ مسار من التراكمات السياسية الهادئة، يواكبه مجهود دؤوب للدبلوماسية الملكية.
والأرجح أن الرباط لا تراهن فقط على زوما، بل على تحولات سياسية ناضجة في جنوب إفريقيا، لا مكان فيها لدعم الكيانات الوهمية، وتربط بين السيادة الوطنية والوحدة الترابية للدول، وبين آفاق التعاون الاقتصادي والاندماج القاري.