تسخينات.. !
مع اقتراب استحقاقات 2026، بدأ بيت العدالة والتنمية يتململ من جديد، بعد ردح من الكمون السياسي والحزبي أملته السقطة المدوية في الاستحقاقات السابقة. وأصبحنا نلاحظ تحركا غير عادي لكوادر الحزب وهيئاته الموازية، في محاولة للتموقع، من جديد، داخل الساحة السياسية، والبحث عن شرعية شعبية محتملة من شعب، كان يؤمل فيه، لولايتين متتاليتين، انعتاقا ممكنا وسط خضم من الانتظارات العالقة، حتى قال فيه كلمته الفاصلة !.
لقد “فشل” هذا الحزب، أو أفشل كما يزعم مناضلوه، خلال ولايتين متتابعتين، في النهوض بواقع اجتماعي وسياسي وحقوقي مترد وهجين فضّل، خلاله، الانحياز إلى صناع مآسي الشعب عن الركون إلى حاضنة شعبية رفعته إلى سدة الحكم، لولايتين متتاليتين، بعد أن كانت ترى فيه المخلص.
واليوم، يخرج من جديد، مراهنا على نسيان الحاضنة الشعبية لما اقترفه تدبيره للشأن العام، خلال ولايتين حكوميتين، ومراهنا، كذلك، على زعيمه الذي كثف خرجاته، هذه الأيام، يقذف ذات اليمين وذات الشمال، محاولا استمالة تعاطف محتمل من شعب فاقد الثقة في السياسة والأحزاب، بعد أن ذاق السام والعلقم من كل الحكومات التي تعاقبت عليه إلى يوم الناس هذا. فظل يبحث عن الخلاص، فما وجد إلا السراب.
بناء الثقة أولا.. !
العدالة والتنمية هو حزب كسائر الأحزاب المغربية، من حقه السعي إلى الحكم، الذي هو غاية كل حزب؛ ولكن في حالة هذا الحزب، الذي راهنا عليه لعقد من الزمن واعتبرنا وروده على الحكم سيشكل الفارق وسيكون سابقة تستحق المتابعة والاهتمام، لن يكون في مصلحته التفكير بالمطلق في خوض غمار استحقاقات مقبلة من أجل الحكم، وإن حقق أغلبية؛ وهذا مستبعد جدا.
لأن موقعه الصحيح والملائم، إن رغب في حفظ تاريخه وماء وجهه، هو البقاء في المعارضة لولاية أو ولايتين مقبلتين، على الأقل، حتى يشتد عوده من جديد ويصدق في شعاراته مع المواطنين ويكسب حاضنة شعبية حقيقية، وليست طارئة، ترفعه إلى الحكم، وتقدره على تنزيل مشاريعه بالقوة الشعبية وليس بالممالأة السمجة أو الركون الأعمى أو التنازلات المذلة.
فالعدالة والتنمية في حاجة إلى مصالحة مع الشعب المغربي من خلال أعمال كبرى ومواقف مشرفة، تعيد الثقة وتكسب التأييد. وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات من العمل القاعدي والشعبي، من خلال الانخراط في خدمة المواطن المغربي من خارج سدة الحكم، والبرهان على صدق المواقف. وأية محاولة لاستباق قطف الثمار ستكون انتحارا متعمدا مع سبق الإصرار والترصد !.
إن أي تفكير في العودة إلى الحكم، على بعد فترة وجيزة من الهزة المدوية للحزب ومشروعه المجتمعي، مراغمة ومغامرة لا تحمد عقباهما؛ بل ستكون بغية خصوم الحزب وخصوم مشروعه المجتمعي، إذ ستكون فرصة جديدة لتمرير الأثافي الاقتصادية والمالية والاجتماعية المعلقة. بل ستكون مناسبة لتوطين التطبيع في كل مفاصل الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية حتى، بالقوة والفعل، وسيكون لهذا القادم القديم/الجديد اليد الطولى في تنزيل اتفاقيات أبراهام التي يعارضها بقوة. وسيشاهد المواطن المغربي كوادر من قيادات الحزب يصافحون المسؤولين الإسرائيليين في كل المجالات، “على عينك أبن عدي” !، آنئذ، سيتأكد من ما زالت على عينه غشاوة من الغاية الثاوية خلف الدفع به نحو الساحة، والتي بدأت مؤشراتها تظهر، لكل متابع نبيه، مع الخرجات التي يقوم بها الزعيم، وتلقى تسليسا وترويجا؛ بل تغاضيا لافتا عن تهجمات وسباب وتنابز بالألقاب، لو صدر ربعها عن سواه لتمت “جرجرته” في ردهات المحاكم.
وكأن ترتيبا سياسيا يتم إعداده، في الخفاء، لعودة هذا الحزب بقوة إلى الساحة الحكمية من جديد !.
فلن يجد صناع القرار السياسي أفضل من هذا الحزب الممانع لتمرير كل مرفوض شعبي، من نظام التقاعد إلى التطبيع؛ فلا يغرنكم خطاب بنكيران اليوم بالمهرجانات، وإن كان الفرق بينها وبين مهرجانات 2011 و2016، فرق ما بين السماء والأرض. فمهرجانات الأمس كانت مفتوحة على العموم، يحضرها كل الطيف المجتمعي والسياسي والشعبي. وقد كنا نحضرها، من خارج الحزب، بحماس ورغبة في نجاحها؛ لأننا كنا نعتقد بأن تقلد هذا الحزب للحكم بالمغرب سيغير الكثير، وسيحقق أحلاما ظلت مؤجلة لعقود. لكن خاب المسعى، وخاب الظن، بعد أن اكتشفنا أن هذا الحزب، كسواه من الأحزاب، فاقد لما يعطي. أما مهرجانات اليوم، فهي مهرجات خاصة جدا، لا يحضرها إلا مريدو “الشيخ” بنكيران وبعض المتعاطفين مع الحزب من خارج الحزب وهم قلة لا يعتد بها عدديا. والرهان الوحيد عند الزعيم وصحبه هو الترويج الإعلامي لها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يسر، أغلبها، مناضلي الحزب، خصوصا حينما تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات مع هذا الحزب، ومجالا مفتوحا لنقد تدبيره وفضح أجنداته وجلد أتباعه وزعيمه.
المرجعية التي لم تشكل الفارق.. !
نحن المغاربة، أمام حالة عادية، لحزب عاديّ، لا يختلف عن سواه، سوى أنه تبنى مرجعية إسلامية لم يستطع أن يحمي ظهرها، ولم يستطع أن يقدم النموذج الفريد عنها؛ التزاما وذودا. فحينما انتظر المواطنون المغاربة من هذا الحزب تدبيرا مختلفا للشأن العام وتنزيلا ملموسا وواقعيا للشعارات التي رفعها ضد الفساد والاستبداد، لم يجدوا إلا شكاوى من الزعيم يرفعها ضد التماسيح والعفاريت التي تعيق عمله وعمل فريقه الحكومي وتحول دون تنزيله لمشروعه المجتمعي “الإسلامي”(!!) . لكنه، في المقابل، لم يستطع، ولن يستطيع، أن يقدم النموذج الإسلامي، والذي كان سيسجله له التاريخ، لو صارح الشعب بالضغوط، وقدم استقالته واستقالة فريقه الحكومي بين يدي الملك، لتكون سابقة في تاريخ الحكومات، وتشكل الفارق، (وهو ما كان يلمح إليه مرارا كلما اشتد حوله طوق المسؤولية) فيكون قد أعاد شيئا من المواقف الشجاعة لأفذاذ الإسلام الأوائل، الذين مثلوا الإسلام، خلال تاريخنا الماجد؛ مجدا، وتضحية، واستشهادا، وزهدا في المناصب والمسؤوليات، حتى كسبوا حب الناس وولاءهم. لكن هذا الحزب “الإسلامي” فضّل أن يستمر في اللعبة إلى الأخير، حتى تورط في أثافي سياسية وحقوقية واقتصادية ودبلوماسية؛ بل تورط، لأول مرة، في تجاوز أحد الخطوط الحمراء عند التيار الإسلامي، حينما أشرف، رسميا، رئيس حكومته، سعد الدين العثماني، على مراسيم التطبيع مع إسرائيل في سابقة لم يعرفها التيار الإسلامي على المستوى العربي؛ فأصبحت سبة تتبع هذا الحزب ومناضليه ومشروعه السياسي والمجتمعي، رغم محاولاته المتكررة للتغطية عليها بتنظيم تظاهرات شعبية لمناهضة التطبيع، أو تقديم تصريحات عابرة للتبرير والتماس الأعذار السياسية “للأخ سعد الدين” !.
ختاما..
لقد كان لحزب العدالة والتنمية، قبل التجربة الحكمية، خطاب، وبعدها خطاب، واليوم يعود بخطاب أشد راديكالية وأكثر إثارة للجدل وتهييجا للرأي العام، بهدف لفت الانتباه وتحمية وطيس المنازلة الانتخابية على بُعد سنة من الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. لقد أكثر من الشعارات، وطوّق نفسه بالعديد من الالتزامات التي يظهر أنه سيعاني، إن وقع وتصدر المشهد ودخل التجربة من جديد، من تنزيلها؛ فالقرارات لا تمحوها الشعارات. والأيام بيننا، وسنرى إن “تورط” الحزب، مرة أخرى، في الحكم، هل سيكون لهذه الشعارات أثر؟، أم ستصير أضغاث أحلام كسابقاتها قبل استحقاقات 2011 و2016…؟!!.
دمتم على وطن.. !!.