حين يتحدث رئيس حكومة أسبق، وأمين عام لحزب سياسي، عن مستقبل الفتيات المغربيات بعبارات من قبيل: “ما غادي تنفعكم لا قرايا لا والو، سيروا تزوجوا”، فإن السؤال لا يكون فقط عن مضمون ما قيل، بل عن السياق العقلي والثقافي الذي أفرز هذا النوع من الخطاب، وعن المجتمع الذي يمكن أن يتقبله، أو على الأقل يتسامح معه.
الأمر لا يتعلق بزلة لسان، بل بموقف معلن يُختزل فيه دور الفتاة في الزواج، ويُسفَّه فيه التعليم، وتُحاصر فيه اختيارات المرأة ضمن وصاية ذكورية شاملة، تصدر عن شخص تحمّل يومًا مسؤولية رئاسة الحكومة.
الصدمة ليست فقط في مضمون الخطاب، بل في جرأته. بنكيران لم يتحدث من مقهى، أو من صالونه الأثير في “فيلا الليمون”، بل من منصة حزبية، وبصفته كأمين عام، يخاطب جمهورًا متأثرًا بنفوذه الرمزي، ويطرح على الفتيات المغربيات معادلة مخزية: إما الزواج، أو العيش وحيدات “بحال بلارج”.
بهذا المنطق، لا يكون مجرد وصيّ على الفتاة المغربية، بل مروّجًا علنيًا للهدر المدرسي وتزويج القاصرات.
أن يُربط التعليم بعدم الجدوى إذا تأخر الزواج، فذلك تقويض مباشر لعقود من السياسات الوطنية الرامية إلى إنقاذ المدرسة العمومية من أعطابها، ومواجهة نزيف الهدر المدرسي، خصوصًا في صفوف الفتيات.
وبدل المساهمة في رفع وعي الأسر، يقدّم خطابًا يعيد إصلاح التعليم إلى نقطة الصفر.
خطاب رئيس الحكومة الأسبق ليس فقط شاذًا ورجعيًا، بل يُمثّل أحد أخطر تجليات العنف الرمزي الممنهج.
إنه امتداد لتصريحات شعبوية رسّخت صورة زعيم يتمادى في احتقار ذكاء المغاربة وجهود المغربيات، ويُنكر صراحة حقهن في التمكين والمساواة.
المرأة ليست عالة، والمجتمع الذي يربط كرامتها برجل قد يأتي أو لا يأتي، هو مجتمع يدفع بنصفه إلى الهامش.
والأخطر أن يصدر هذا الخطاب من رئيس حكومة أسبق يُفترض أن يكون حاميًا للحقوق، لا منتهكًا لها.
الفتيات لسن “بلارج”، ولسن أرقامًا زائدة في معادلة الزواج، هنّ مواطنات لهن الحق الكامل في التعليم، والعمل، والاختيار.
وإذا كان بنكيران يزعم أن العلم لا ينفع الفتيات، فليتأمل فيما أنجزته المغربيات في الطب، والقضاء، والثقافة، والرياضة، والفنون.
وإذا كان يخشى أن يفوتهن “التران” كما يعتقد، فليترك لهن على الأقل فرصة ركوب قطار المعرفة.
إننا لا نحتاج إلى مزيد من الوعّاظ الحزبيين الذين يُحوّلون إخفاقاتهم إلى نصائح أخلاقية موجهة للفتيات، كأنما المغربيات مسؤولات عن أعطاب الوطن.
ما نحتاجه حقًّا من بنكيران وحزبه ليس محاضرات في “فضائل الزواج”، بل سياسات عمومية جادّة تعيد الاعتبار للمدرسة العمومية، وتكسر منطق الامتيازات، وتمنح لبنات المغرب العاديات ما مُنح لبنات النخبة: الحق في التعليم، في الحلم، وفي صناعة المستقبل،.