كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، انتقل إلى مخبأ محصن تحت الأرض، وسط تصاعد الهجمات الإسرائيلية غير المسبوقة، والتي وصفتها الصحيفة بأنها الأعنف منذ الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات.
وأوضحت أن الإجراءات الأمنية التي تحيط بالمرشد لم يسبق لها مثيل، تعبيرًا عن حجم التهديد الذي يواجهه النظام الإيراني.
في ظل تصعيد غير مسبوق، اتخذ خامنئي خطوات استثنائية تهدف إلى ضمان استمرار الجمهورية الإسلامية في حال تعرضه للاغتيال أو مقتل كبار قادته العسكريين، من بينها تعيين بدائل للقيادات الأمنية، وتسمية ثلاثة رجال دين رفيعي المستوى كمرشحين محتملين لخلافته، في خطوة نادرة وغير تقليدية تعكس عمق الأزمة السياسية والأمنية.
الولايات المتحدة تنضم للهجمات
تطور الصراع بدخول الولايات المتحدة رسميًا على خط النار، إذ أعلن الرئيس دونالد ترامب قصف ثلاث منشآت نووية إيرانية، من بينها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض. واعتبر ترامب هذه العملية جزءًا من حملة "لوقف التهديد النووي لأكبر راعٍ للإرهاب في العالم"، بحسب وصفه.
وعلى الرغم من شدة الضربات، أكدت الصحيفة أن الحكومة الإيرانية لا تزال متماسكة حتى اللحظة، ولا توجد مؤشرات على حدوث انقسامات داخل النخبة السياسية، رغم تصاعد الضربات اليومية المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
مخاوف الاغتيال وتسريع آلية خلافة المرشد
أشارت نيويورك تايمز إلى أن خامنئي، البالغ من العمر 86 عامًا، يدرك تمامًا احتمالية تعرضه للاغتيال، سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة. لكنه يرى أن مقتله سيكون بمثابة "شهادة"، وفقًا للتقاليد العقائدية للنظام.
وتفاديًا للفراغ القيادي، أوعز خامنئي إلى مجلس خبراء القيادة بتسريع اختيار خلفه من الأسماء الثلاثة التي رشحها، وهي خطوة غير معتادة تهدف إلى ضمان انتقال منظم للسلطة. ويؤكد فالي نصر، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة جونز هوبكنز، أن "الأولوية القصوى الآن هي الحفاظ على الدولة"، واصفًا هذه الإجراءات بأنها "محسوبة وعملية".
جبهتان مفتوحتان
يخوض النظام الإيراني معركتين متوازيتين، الأولى عسكرية عبر غارات جوية إسرائيلية تستهدف المنشآت النووية والعسكرية والبنية التحتية للطاقة، وأسفرت عن مئات القتلى والجرحى، بينهم مدنيون، بحسب منظمات حقوقية.
أما الجبهة الثانية فهي أمنية خفية، حيث ينفذ عملاء إسرائيليون هجمات بطائرات بدون طيار داخل العمق الإيراني. وأثار هذا الاختراق الكبير قلقًا بالغًا في صفوف النظام. وأقر مهدي محمدي، مستشار رئيس البرلمان الإيراني، بوجود "اختراق أمني واستخباراتي كبير" سمح باغتيال قادة بارزين خلال ساعة واحدة فقط.
طوارئ أمنية غير مسبوقة
ردًا على الهجمات، فرضت وزارة الاستخبارات الإيرانية حزمة من الإجراءات الأمنية غير المسبوقة، منها حظر استخدام الهواتف والأجهزة الإلكترونية، وإجبار كبار المسؤولين على البقاء في مواقع تحت الأرض. كما تم قطع الاتصالات مع الخارج، بما في ذلك إغلاق الإنترنت وحظر المكالمات الدولية، في محاولة لتعطيل أي تنسيق استخباراتي.
وأصدر المجلس الأعلى للأمن القومي تحذيرًا صريحًا، يمنح كل من يتعاون مع "العدو" مهلة حتى نهاية يوم الأحد لتسليم نفسه، مهددًا بالإعدام الفوري لمن يتم ضبطه بعد انقضاء المهلة. هذا التوتر الأمني ترافق مع عمليات إخلاء موسعة في العاصمة، وإقامة نقاط تفتيش كثيفة في شوارع طهران، التي بدأت تشهد مظاهر شلل جزئي.
توحّد داخلي رغم الانقسام السياسي
رغم الانتقادات التاريخية الموجهة للنظام، أثارت الهجمات موجة من التكاتف الشعبي. وقال محمد علي أبطحي، النائب السابق للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، إن إسرائيل أساءت تقدير رد فعل الإيرانيين، مشيرًا إلى أن الفصائل السياسية التي لطالما اختلفت، توحدت الآن خلف خامنئي لمواجهة التهديد الخارجي.
وظهرت مظاهر هذا التكاتف عبر منشورات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ورسائل دعم من حقوقيين ورياضيين وفنانين أكدوا أن "تراب إيران خط أحمر". وفتحت الفنادق أبوابها مجانًا للمشردين، كما قدمت مراكز العلاج النفسي خدمات مجانية، وشاركت المحال التجارية والمخابز في مبادرات دعم المجتمع، في مشهد يعكس تضامنًا عامًا يندر أن تراه البلاد في ظروف أخرى.
نظام في اختبار بقاء
التحولات الأخيرة في طهران تعكس تحوّلًا استثنائيًا في ميزان الصراع الإقليمي. آية الله خامنئي، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، يواجه اليوم أخطر تحدٍ لبقاء النظام منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979. فبين ضربات جوية متصاعدة واختراقات استخباراتية مركبة، وتكثيف للضغوط الأمريكية-الإسرائيلية، يجد النظام الإيراني نفسه مضطرًا لإعادة ترتيب أوراقه بسرعة غير مسبوقة، وسط حالة طوارئ معلنة لا تُعرف حدودها.