أخبار عاجلة

التنمر الإلكتروني يفسد فرحة المتفوقين في امتحانات الباكالوريا بالمغرب

التنمر الإلكتروني يفسد فرحة المتفوقين في امتحانات الباكالوريا بالمغرب
التنمر الإلكتروني يفسد فرحة المتفوقين في امتحانات الباكالوريا بالمغرب

بينما تعمّ أجواء الفرح والتقدير ربوع المملكة عقب الإعلان عن نتائج امتحانات الباكالوريا طفت على سطح النقاش العمومي ظاهرة مقلقة تستدعي التوقف؛ فقد تعرّض عدد من التلاميذ المتفوقين لحملات تنمّر إلكتروني، تمثلت في تداول صورهم مرفقة بتعليقات لاذعة وساخرة، استهدفت مظهرهم الخارجي أو طريقتهم في التعبير. هذه السلوكات، التي لاقت انتشاراً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، تعيد طرح أسئلة جوهرية حول تمثل المجتمع للنجاح والتميز، وحول مدى استعداد البيئة الرقمية للاحتفاء بالكفاءة دون الوقوع في فخ التنميط والسخرية.

وتُجسد هذه السلوكات مظهراً من مظاهر تصدع المنظومة القيمية في الفضاء الرقمي، حيث بات التميز العلمي عُرضةً للتقويض المعنوي، عوض أن يكون محط تقدير رمزي. فأن تتحول صور المتفوقين إلى مادّة للتهكم هو مؤشّر خطير على نزعة مجتمعية تنزع إلى تقليص منسوب الاعتراف بالنجاح، وتكريس ثقافة الإحباط والسخرية؛ الأمر الذي يستدعي مساءلة الأنماط السائدة في التفاعل الرقمي، وتفكيك خلفياتها النفسية والاجتماعية.

ويرى كثير من المتابعين أن ما يجري يُعد امتدادًا لمناخ رقمي مُتفلّت، باتت فيه ثقافة “الترند” غاية تُبرّر الوسيلة، حتى لو اقتضى الأمر السخرية من التفوق والاستهانة بجهد المجتهدين. فالتعليقات الساخرة، بما تحصده من تفاعل وإعجاب، تُغري بالمزيد، وتُسهم في ترسيخ منطقٍ يُكافئ التنقيص لا التقدير. وفي ظل غياب ضوابط أخلاقية متينة، تتحوّل المنصات إلى مساحات تُشوّه المعنى الحقيقي للنجاح، وتُروّج لخطاب يحطّ من الكفاءات بدل الاحتفاء بها.

فاطمة الزهراء شالة، خبيرة في علم النفس التربوي، ترى أن ظاهرة التنمر التي تستهدف المتفوقين دراسيًا تندرج ضمن ما تسميها “العدوانية المقنّعة” التي قد يعاني منها جزء من المجتمع تجاه كل من يُجسد التفوق أو يخرق ما يُعتبر مألوفًا، وتوضح أن بعض الأشخاص ممن يفتقرون إلى الإنجاز الشخصي قد يُسقطون مشاعر الإحباط أو النقص على الآخرين عبر تصرفات ساخرة أو لاذعة، لخلق توازن نفسي مزيف يبرر فشلهم أو انعدام حوافزهم الذاتية.

وتؤكد شالة أن هذا النوع من التنمر يمس في العمق السلامة النفسية للمراهق المتفوق، الذي يكون غالبًا في مرحلة حساسة من تكوين هويته الذاتية؛ فبدل أن يشعر بالاعتزاز بما حققه يجد نفسه مضطرًا للدفاع عن إنجازاته أمام طوفان من التهكمات، وتعتبر أن مثل هذه التجارب إذا تكررت دون مواكبة نفسية أو دعم من المحيط الأسري والمدرسي قد تدفع ببعض المتفوقين إلى العزلة أو حتى إلى التخلي عن طموحاتهم الأكاديمية.

وتضيف المتحدثة ذاتها، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الخطورة تكمن في التطبيع مع هذا السلوك داخل الفضاء الرقمي، حيث يصبح التنمر سلوكًا متداولًا ومقبولًا ضمنيًا تحت غطاء “الضحك” أو “الحرية في التعبير”، دون إدراك حقيقي لتداعياته النفسية العميقة، وتشير إلى أن التربية على التعاطف والاعتراف بالآخر مازالت غائبة في المنظومة التربوية، وهو ما يجعل التلميذ المتفوق هدفًا سهلاً للتقليل من شأنه في حال لم يتطابق مع الصورة النمطية للجاذبية أو “النجومية الرقمية”.

وترى الخبيرة في علم النفس التربوي أن معالجة هذه الظاهرة تستدعي إدماج التربية النفسية والرقمية في المقررات الدراسية، إلى جانب إطلاق حملات توعوية تراعي التحولات الثقافية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي في سلوك الناشئة؛ كما تؤكد على ضرورة تعزيز ثقافة التقدير داخل الفضاءات المدرسية، حتى يتعلم التلميذ المغربي أن الاحتفاء بالنجاح لا يجب أن يكون مشروطًا بمقاييس سطحية أو تصورات مشوهة عن “القابلية للعرض” على المنصات الاجتماعية.

وكما تورد الخبيرة التربوية ذاتها فإن التنمر الموجّه إلى التلاميذ المتفوقين يعكس خللًا في البنية القيمية للمجتمع، حيث يُكافأ التهكم أكثر مما يُحتفى بالاجتهاد، وتُمنح المساحات الأوسع للأصوات العالية بدل النماذج الهادئة التي تُراكم النجاح بصمت، وتربط ذلك بما تسميه “تشويشًا على البوصلة التربوية”، حيث يتوارى القدوة الحقيقية خلف غبار السخرية الرقمية، ما يجعل النشء في حيرة من أمره حول من يستحق فعلاً الإعجاب والتقدير.

وتختم شالة بأن مسؤولية مواجهة هذا الواقع لا تقع فقط على عاتق المؤسسات التعليمية، بل تشمل الأسر، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، وكل الفاعلين في حقل التنشئة؛ فإعادة الاعتبار لقيمة العلم والاجتهاد في زمن باتت الشهرة السريعة تغري أكثر من التفوق الحقيقي يتطلب جهدًا جماعيًا لإعادة توجيه الرأي العام نحو ثقافة تشجع النجاح وتحصّنه، بدل أن تُعرّضه للتهكم والتجريح.

من جانبه، يعتبر منير الحلاج، الباحث في السوسيولوجيا الرقمية، أن التنمر الذي طال بعض التلاميذ المتفوقين يكشف عن دينامية جديدة في علاقة المجتمع المغربي بمواقع التواصل، إذ لم يعد الفضاء الرقمي مجرد منصة للتفاعل أو التعبير، بل أصبح مجالًا لإعادة إنتاج أنماط اجتماعية محمّلة بالتمييز، والسخرية، والسلطة، ويؤكد أن هذا السلوك لا ينبع من فراغ، بل يتغذى من ثقافة شعبية ترى في المختلف، سواء كان متميزًا أو غير منسجم مع الصورة السائدة، هدفًا للنبذ أو الإقصاء.

ويبرز الحلاج أن بعض التعليقات الساخرة لم تكتف بالجانب الهزلي، بل حملت في طياتها أشكالًا من التنميط الطبقي والجندري، إذ تم انتقاد شكل التلاميذ أو طريقة كلامهم انطلاقًا من معايير جمالية سطحية تكرّس ما يصفه بـ”ديكتاتورية الصورة”، ويرى أن هذا السلوك الرقمي وإن بدا في ظاهره مجرد مزاح عابر فإنه يعكس بنية اجتماعية قائمة على الرقابة الجماعية غير المعلنة، حيث يُحاسَب الفرد على مظهره أكثر مما يُقيَّم على كفاءته.

ويشير المتحدث ذاته، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن آليات الانتشار السريع للمحتوى الساخر على منصات التواصل الاجتماعي تساهم في التطبيع مع هذا النوع من التنمر، إذ تتكاثف “الإعجابات” و”المشاركات” حول الصور والتعليقات الساخرة، ما يمنحها شرعية رقمية، ولو على حساب كرامة المستهدفين، ويعتبر أن الخوارزميات نفسها تُغذي هذه الدينامية، لأنها تفضّل المحتوى المثير للانفعال والجدل، دون اكتراث بالآثار الاجتماعية والنفسية.

ويخلص الباحث في السوسيولوجيا الرقمية إلى أن الحل لا يكمن فقط في الردع القانوني أو تقنيات التبليغ، بل في إعادة بناء الفضاء الرقمي على أسس أخلاقية تعيد الاعتبار لقيم الاحترام والاعتراف المتبادل؛ كما يدعو إلى تمكين التلاميذ المتفوقين من أدوات النقد والثقة بالنفس لمواجهة هذا الواقع، مؤكدًا أن المجتمعات التي تستهزئ بنجاح أبنائها تخسر تدريجيًا قدرتها على تحقيق التقدّم الجماعي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الزمالك يعلن رفع إيقاف القيد بعد سداد مستحقات ياسر حمد
التالى ضبط 26 طن دقيق مدعم في حملات تموينية خلال 24 ساعة