لا يزال حلم الفوز بجائزة نوبل للسلام يراود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو الحلم الذي يسعى لتحقيقه بشغف لا يقل عن سعيه خلال السنوات الماضية للعودة إلى البيت الأبيض رئيسًا لولاية ثانية خاض من أجلها سباق الانتخابات.
ولكن الطريق إلى نوبل ليس سهلًا، وليس مفروشًا بالورود، خاصة في ظل المنافسة الشرسة والتحولات الجيوسياسية المعقدة.
وتتحدث المصادر المقربة من ترامب عن إصراره على تحقيق هذا الهدف، بينما تشير منصة المراهنات الرقمية "بولّي ماركت" إلى أن حظوظه ليست الأقوى وفقًا لصحيفة "دايلي ميل" البريطانية.
يوليا نافالنيا
ففي رهان على هوية الفائز بجائزة نوبل للسلام لعام 2025، تتقدم شخصية معارضة روسية بارزة هي يوليا نافالنيا قائمة الشخصيات الأوفر حظًا بنسبة 18%، متجاوزة ترامب الذي يحتل المركز الثاني بنسبة 12%.
ولفتت صحيفة الإندبندنت إلى أن هذا الترتيب ليس مجرد أرقام، بل يعكس توجهًا عالميًا متزايدًا نحو تكريم النضال من أجل حقوق الإنسان على حساب الدبلوماسية التقليدية.
الطريق إلى نوبل: رهانات على السلام أم على النفوذ؟
يعلم ترامب جيدًا أن مفتاح الفوز بالجائزة يكمن في حل أكبر الأزمات الدولية الحالية. وقد وضع نصب عينيه هدفين رئيسيين:
إنهاء حرب أوكرانيا: يُعد وقف أكبر حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية الشرط الأول والأصعب.
وعلى الرغم من تأكيد ترامب على قدرته على حل الصراع "في يوم واحد"، فإن الواقع على الأرض مختلف تمامًا. فالمصادر الروسية تؤكد أن الرئيس فلاديمير بوتين غير مستعد لتقديم تنازلات جوهرية دون الحصول على ضمانات أمنية واضحة من حلف الناتو، أو اعتراف بالضم الروسي للمناطق الأوكرانية.
هذا الموقف المتصلب يفرض عقبات كبيرة أمام أي حل سريع، ويجعل من أي قمة محتملة بين ترامب وبوتين مجرد بداية لمفاوضات طويلة ومعقدة.
وقف حرب غزة: يمثل إيقاف الحرب في غزة تحديًا آخر، خاصة مع استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عملياته العسكرية. يرى المحللون أن إطالة أمد الحرب هي محاولة من نتنياهو للبقاء في السلطة وتجنب المحاكمة.
هذا الوضع يعقد أي جهود دبلوماسية للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، خاصة أن ترامب، الذي يُعتبر حليفًا تقليديًا لإسرائيل، سيواجه ضغوطًا من داخل إدارته ومن حلفائه السياسيين.
ورغم الدعوات المتزايدة من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين لوقف الحرب، فإن نتنياهو يظل مصرًا على موقفه.
رموز للنضال الإنساني
لم تعد المنافسة محصورة على القادة السياسيين التقليديين. فحظوظ الجائزة باتت ترتبط بشكل وثيق بالمواقف الإنسانية والنضال من أجل الحرية، وفي هذا السياق، تبرز شخصيات وكيانات غير تقليدية في صدارة المنافسة:
تتربع أرملة المعارض الروسي أليكسي نافالني على رأس قائمة الرهانات. بعد وفاة زوجها في ظروف غامضة، أعلنت يوليا عزمها على مواصلة عمله السياسي، لتصبح رمزًا للمعارضة الروسية الشجاعة.
ويشير محللون إلى أنها تحولت من مجرد زوجة إلى شخصية سياسية مستقلة. وقرار موسكو بإدراجها على قائمة الإرهاب زاد من أهمية قضيتها على الصعيد الدولي، ما يعزز حظوظها بشكل كبير.
الأونروا
احتلت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المرتبة الثالثة، ما يؤكد على تزايد أهمية العمل الإنساني في ظل الأزمات.
دور الوكالة المحوري في تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، الذي يواجه مجاعة بسبب الحرب، جعلها مرشحًا قويًا.
كما أن تعرض مدارسها ومراكزها الصحية للقصف، التي كانت تؤوي النازحين، سلط الضوء على التضحيات التي يقدمها موظفوها في ظل أصعب الظروف.
أليكسي جورينوف
احتل هذا السياسي المحلي الروسي المرتبة الرابعة، وهو ما يعكس تركيز لجنة نوبل على الشخصيات التي دفعت ثمنًا باهظًا لمواقفها السلمية.
فقد أصبح غورينوف أول سياسي يُسجن بموجب القوانين الروسية المشددة بعدما انتقد علنًا الحرب في أوكرانيا. كلماته القوية "أنا مع السلام وأنتم تحبون الحرب" واعتذاره للشعب الأوكراني، جعلت منه رمزًا للمعارضة الداخلية السلمية.
منافسون آخرون
قد لا تقتصر الفرص على الصراعات الكبرى. فترامب يمكن أن يعول على إنجازات أخرى، مثل تعزيز اتفاقيات أبراهام أو إبرامه اتفاقات تجارية معقدة، لكن هذه الإنجازات قد لا تكون كافية للفوز بالجائزة في ظل وجود أزمات عالمية كبرى مثل حرب أوكرانيا وغزة.
ومن بين المرشحين الآخرين، يأتي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المركز الخامس، وهو الذي يقود بلاده في حرب طاحنة مع روسيا، وسط ضغوط من ترامب للتنازل وإنهاء الحرب، مقابل دعم أوروبي واسع.
كما لا تزال الناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ والأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش يحظيان بدعم مستمر، ما يؤكد أن القضايا البيئية والإنسانية تحتفظ بمكانتها في أجندة لجنة نوبل.
ستُغلق المراهنات في العاشر من أكتوبر 2025، وهو التاريخ نفسه الذي ستعلن فيه لجنة نوبل عن الفائز.
وحتى ذلك الحين، سيظل سباق نوبل للسلام لعام 2025 مضمارًا للسباق الشرس، ليس فقط بين القادة، بل بين الأيديولوجيات والمواقف الإنسانية والسياسية التي تشكل عالم اليوم.