أسعار الكهرباء في بريطانيا تعرقل هدف الحياد الكربوني (تقرير)

تقف الزيادة الحادة في أسعار الكهرباء في بريطانيا حائلًا دون تحقيق البلد الأوروبي أهداف الحياد الكربوني، عبر إنهاك الشركات ماليًا وشلِّ قدرتها على الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة.

وستعاني ملايين الأسر المأزومة ماليًا في المملكة المتحدة ارتفاعًا في فواتير الكهرباء بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بعدما رفع منظم الطاقة البريطاني أوفغيم (Ofgem) سقف أسعار الكهرباء بنسبة 2%، حتى على الرغم من محاولات الحكومة خفض تكاليف الطاقة.

وتأتي زيادة أسعار الكهرباء في بريطانيا من قِبل "أوفغيم" بعد ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته في 18 شهرًا خلال يوليو/تموز الماضي، ومواجهة الحكومة ضغوطات بشأن القدرة على تحقيق خطة الحياد الكربوني، وفق تقديرات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).

وحُدِّد سقف أسعار الكهرباء الجديد عند 1.755 جنيهًا إسترلينيًا (2.370 دولارًا أميركيًا) سنويًا لمتوسط استهلاك الكهرباء والغاز، صعودًا بنحو 35 جنيهًا إسترلينيًا عن سقف الأسعار السابق المحدد خلال المدة من يوليو/تموز حتى سبتمبر/أيلول.

*(الجنيه الإسترليني = 1.35 دولارًا أميركيًا).

وعزت "أوفغيم" الزيادة في أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة إلى الارتفاع في تكاليف الشبكة والسياسات.

تأثير الثورة الصناعية

في بداية الثورة الصناعية، أنفق مصنع لفائف الألمنيوم الوحيد في بريطانيا ملايين الجنيهات الإسترلينية لتوفير الكهرباء وخفض بصمته الكربونية وتحصين نفسه ضد أسعار الكهرباء في بريطانيا، التي تُعدّ من بين الأعلى عالميًا، وفق تقرير نشرته وكالة رويترز.

لكن حينما تراجع استهلاك الكهرباء في مصنع بريدجنورث ألومنيوم (Bridgnorth Aluminium) إلى ما دون الحدّ الذي يؤهله للحصول على الدعم الحكومي الذي يساعد الشركات في سداد فواتيرها، لم يتردد في رفع الاستهلاك مجددًا، كي لا يفوّت على نفسه فرصة الحصول على هذا الدعم.

وقال مدير المبيعات في "بريدجنورث ألومنيوم": "جلسنا مع المسؤول المالي لدينا في نهاية العام، وقال، إنه لا مانع من زيادة استهلاك الكهرباء قليلًا الآن؛ وهذا يُعدّ أمرًا غريبًا، ولا يخدمنا في ظاهر الأمر".

ويقترن الارتفاع الحادّ بأسعار الكهرباء في بريطانيا بالدعم الجزئي الذي منحته الحكومات المتتالية إلى مستعملي الكهرباء الكبار في القطاع الصناعي.

وحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، دفعت الشركات الكبرى كثيفة الاستهلاك للكهرباء في بريطانيا فواتير كهرباء تزيد قيمتها 4 مرات على نظيراتها في الولايات المتحدة في العام الماضي، وكذلك بأعلى من ضعف منافسيها في كل من فرنسا وألمانيا.

وإلى جانب الإضرار بالقدرة التنافسية والإسهام في معدلات التضخم المرتفعة، تُعدّ أسعار الكهرباء في بريطانيا عمومًا عائقًا أمام تحول البلاد صوب الطاقة النظيفة، وتحقيق مستهدف الحكومة بشأن الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، حسب أقوال أكثر من 25 شخصية في الصناعة، بما في ذلك ملّاك ومديرين لشركات طاقة وخبراء سياسة.

وأضافت الشخصيات المذكورة أن زيادة أسعار الكهرباء في بريطانيا قد أنهكت الشركات ماليًا، وأفقدتها الأموال اللازمة للاستثمار في الآلات الأعلى كفاءة، والتحول نحو مصادر الكهرباء منخفضة الكربون.

كما منعت أسعار الكهرباء المرتفعة في بريطانيا الشركات من مواكبة المنافسة الشرسة مع نظيراتها الأجنبية لتصنيع مزارع الرياح والأبراج والبطاريات اللازمة لمستقبل حيادي الكربون.

وقالت رئيسة شركة ألديرزغيت غروب (Aldersgate Group) -العاملة مع الشركات والحكومة على استحداث سياسات تساعدها في خفض انبعاثات الكربون- راشيل سولومون ويليامز: "هذا هو العائق الرئيس أمام تحقيق الحياد الكربوني في المملكة المتحدة حاليًا، وسيستمر في عرقلة هذا المستهدف ما لم نتمكن من اتخاذ إجراء بشأن أسعار الكهرباء".

وترى حكومة حزب العمال البريطاني اليسارية أنّ تحوّل الطاقة هو وسيلة لدفع عجلة النمو الاقتصادي، مع توفير وظائف في قطاع التصنيع، تتطلب مهارات عالية وشركات مبتكرة قادرة على تصدير خبراتها.

الوقود الأحفوري

ترتفع أسعار الكهرباء في بريطانيا بمعدلات أعلى من نظيراتها في معظم البلدان، فعلى الرغم من أن المملكة المتحدة ولّدت أكثر من نصف كهربائها العام الماضي من مصادر رخيصة مثل طاقة الشمس والرياح، فإن هذا السعر يتحدد دائمًا بوساطة الغاز الذي يُعدّ أعلى سعرًا.

وتُحدَّد أسعار الكهرباء بالجملة كل 30 دقيقة حسب تكلفة آخر مصدر طاقة مستعمَل لضمان تلبية الطلب.

وبناءً على ذلك، فإنه إذا كانت محطات الكهرباء العاملة بالغاز ضرورية لتوليد 100% من الكهرباء، فإن الغاز يحدد سعر الجملة لكل من البائع والمشتري على حدٍّ سواء،

إضافةً إلى ذلك، فإن تكلفة بناء مصادر الطاقة المتجددة وتحديث شبكة الكهرباء تأتي من فواتير الكهرباء، وليس من عائدات الضرائب؛ إذ تشكّل الضرائب قرابة 40% من متوسط الفاتورة.

وهناك دول أخرى في أوروبا تستعمِل هيكل أسعار التكلفة الهامشية نفسه المستعمَل في أسواق الكهرباء بالجملة، غير أنه في فرنسا -على سبيل المثال- يأتي السواد الأعظم من الكهرباء من الطاقة النووية؛ ما يعني أن الغاز يحدد أسعار الكهرباء بدرجة أقل.

ولجعل أسعار الكهرباء في بريطانيا تتّسق مع نظيراتها في الأسواق الأوروبية الكبرى، تقترح الحكومة البريطانية إزالة 90% من رسوم الشبكة بالنسبة لمعظم مستعملي الكهرباء بكثافة، ارتفاعًا من 60% في الوقت الحالي.

الحياد الكربوني في بريطانيا

أحرزت بريطانيا نجاحات في جهود خفض الانبعاثات عبر بناء واحدة من أكبر قطاعات الرياح البحرية في العالم؛ أملًا في التخلص من الفحم شديد الحساسية للبيئة على مدى الأعوام الـ15 الأخيرة.

وتستهدف الحكومة حاليًا توليد 95% على الأقل من الكهرباء من مصادر منخفضة الكربون بحلول عام 2035، علمًا بأن 65% من تلك الكهرباء يأتي من الوقود الأحفوري، بحسب بيان مركز إمبر لأبحاث الطاقة.

ولتحقيق أهداف الحياد الكربوني، تحتاج بريطانيا إلى التحول عن الوقود الأحفوري في قطاعات التدفئة والنقل والتصنيع، غير أن تلك القطاعات تصطدم كذلك بتكاليف الكهرباء المرتفعة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:
1.ارتفاع أسعار الكهرباء في بريطانيا، من رويترز
2.هدف الحياد الكربوني في بريطانيا، من رويترز