كشفت وثائق سرية ومسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون عن استخدام الحكومة الصينية لشركات متخصصة في الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتها في مراقبة الرأي العام والتأثير عليه، مما يمثل تطوراً خطيراً في حرب المعلومات العالمية.
وتُظهر الوثائق، التي حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز"، كيف تقوم هذه الشركات بحملات تهدف إلى تشكيل الرأي العام في مناطق حساسة مثل هونج كونج وتايوان، بل وحتى جمع بيانات عن شخصيات سياسية أمريكية بارزة.
وفقاً للتحقيق، فإن شركة "GoLaxy" الصينية، التي تقدم نفسها علناً كمنصة لتحليل البيانات ومراقبة الرأي العام، تنفذ سراً عمليات دعائية متطورة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتزعم الوثائق الداخلية للشركة أنها طورت نظاماً دعائياً ذكياً قادراً على استهداف مستخدمي الإنترنت بدقة، وإنشاء محتوى مخصص يبدو طبيعياً ولا يمكن تمييزه عن المحتوى الحقيقي.
حملات في هونج كونج وتايوان
تكشف الوثائق أن "GoLaxy" نفذت حملات تأثير في هونج كونج وتايوان، حيث تعمل على توجيه الرأي العام لصالح السياسات الصينية. ورغم أن الشركة نفت في بيان لها أي تورط في إنشاء "شبكات روبوتات" أو شن "حملات تأثير نفسي"، إلا أن الوثائق المسربة تشير إلى عكس ذلك.
فقد قام موظف سابق في الشركة، غير راضٍ عن ظروف العمل، بتسريب مستندات تظهر كيف تجمع الشركة بيانات ضخمة من منصات التواصل الاجتماعي مثل "ويبو" و"وي شات" و"فيسبوك" و"إكس"، وتستخدمها لتحليل المشاعر العامة وتشكيلها.
وتوضح الوثائق أن الشركة تعمل مع أجهزة الاستخبارات الصينية، بما في ذلك وزارة أمن الدولة، مما يعزز المخاوف من أن بكين تستخدم التكنولوجيا المتقدمة لقمع المعارضة وتوجيه الرأي العام محلياً ودولياً.
استهداف شخصيات أمريكية
من بين المعلومات الصادمة التي كشفتها الوثائق أن "GoLaxy" جمعت ملفات تعريف مفصلة عن 117 عضواً في الكونجرس الأمريكي، بينهم نواب جمهوريون بارزون مثل بايرون دونالدز وتشيب روي وآندي بيجز، كما تتبع الشركة أكثر من 2000 شخصية سياسية وإعلامية أمريكية، بالإضافة إلى آلاف المؤثرين المؤيدين لليمين السياسي والرئيس دونالد ترامب.
ورغم أن الوثائق لا توضح كيفية استخدام هذه البيانات، فإن الخبراء يشيرون إلى أن الصين قد تستخدمها لتحليل مواقف السياسيين الأمريكيين تجاه القضايا الحساسة، مثل تايوان وتجارة التكنولوجيا، والتأثير عليها بشكل غير مباشر.
سلاح جديد في حرب المعلومات
يُعتبر الذكاء الاصطناعي مجالاً جديداً في عمليات التجسس والتأثير، حيث يمكنه تنفيذ حملات أسرع وأكثر كفاءة من الأساليب التقليدية. وفي حين كانت الصين تعاني سابقاً من صعوبات في تنفيذ حملات تأثير فعالة خارج حدودها مقارنةً بوكالات الاستخبارات الروسية، فإن التقدم في الذكاء الاصطناعي قد يمكّنها من سد هذه الفجوة.
ووفقاً لباحثين في معهد الأمن القومي بجامعة فاندربيلت، فإن "GoLaxy" تمتلك قدرات تكنولوجية تسمح لها بإنتاج دعاية مخصصة على نطاق واسع، مما يجعلها قادرة على إعادة تشكيل الرأي العام بشكل غير مسبوق. وأشار الباحثون إلى أن "الدعاية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لم تعد تهديداً نظرياً، بل أصبحت أداة متطورة تعيد تعريف كيفية التلاعب بالرأي العام".
مخاوف الأمنية
أثارت هذه الكشفيات مخاوف واسعة في الأوساط الأمنية الأمريكية، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسي. فقد حذر مسؤولون سابقون من أن الصين قد تستخدم هذه التقنيات للتأثير على الناخبين أو زعزعة الاستقرار السياسي.
يذكر أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قامت بحل فرق مخصصة في وزارة الخارجية ومكتب التحقيقات الفيدرالي كانت مسؤولة عن التحذير من التهديدات الأجنبية، مما أضعف القدرة الأمريكية على مواجهة مثل هذه الحملات.
من جهتها، نفت "GoLaxy" جميع الاتهامات ووصفت المعلومات التي نشرتها "نيويورك تايمز" بأنها "مضللة"، ومع ذلك، فإن حجم البيانات التي جمعتها الشركة وتعاونها المزعوم مع أجهزة الاستخبارات الصينية يثير تساؤلات حول حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب المعلوماتية.