
بصفتي كاتب متخصص في الاقتصاد والمالية قمت بالاطلاع على المقالة العلمية المنشورة بعنوان A Comparative Political Discourse of Crown Prince Mohammed bin Salman and US President Donald Trump’s Speeches: Articulating Tolerance and Love
والتي أعدها الدكتور أيمن التلاهين والدكتور طارق محمد فرغل والدكتور عبدالعزيز الفوارعة والمنشورة في مجلة Forum for Linguistic Studies في عددها الصادر خلال فبراير 2025 وقد تناولت هذه الدراسة بشكل دقيق أبعاد الخطاب السياسي لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتركيزه على مفهومي التسامح والمحبة وأثر هذه المفاهيم على الصورة الدولية للمملكة وعلى استقرارها الاجتماعي والاقتصادي الداخلي.
يتضح من خلال تتبع خطابات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن مفهومي التسامح والمحبة لا يُستخدمان كمجرد شعارات إعلامية لكن يتم توظيفهما ضمن مشروع وطني متكامل يهدف إلى بناء مجتمع سعودي متماسك ومتعدد ومنفتح يتفاعل بذكاء مع التغيرات العالمية ويواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تضع في صميمها بناء اقتصاد متنوع ومجتمع متقدم يحترم القيم الدينية ويحتضن التنوع الثقافي والاجتماعي.
تعزيز التسامح لم يعد خياراً لكن ضرورة استراتيجية لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وتقليص الفجوات بين مكونات المجتمع السعودي. وهو ما انعكس في مبادرات محلية مهمة مثل تطوير المناهج التعليمية بما يعزز قيم الحوار ونبذ خطاب الكراهية إضافة إلى تأسيس مراكز متخصصة للحوار الوطني وإصدار التشريعات التي تحمي الحريات الدينية والثقافية بما يتماشى مع النظام الأساسي للحكم وبما يعكس قيم الإسلام السمحة التي تقوم على الرحمة والعدل والتعايش.
أما خطاب المحبة الذي يؤكده سمو ولي العهد في مناسبات عديدة فيرتبط بشكل مباشر بالمشروع التنموي والاقتصادي الوطني. حيث تساهم قيم المحبة والتلاحم المجتمعي في ترسيخ بيئة اجتماعية مستقرة تعزز من الثقة بين المواطن والدولة وتُشجع على جذب الاستثمارات الأجنبية وتنمية روح الابتكار وريادة الأعمال. وهو ما تدعمه بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تُظهر أن المجتمعات المتماسكة تحقق معدلات نمو اقتصادي أعلى بسبب استقرارها الداخلي وجاذبيتها الاستثمارية.
وتشير بيانات وزارة الاستثمار إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة شهدت نمواً بنسبة 18% خلال عام 2023 مقارنة بالعام السابق مدفوعة بثقة المستثمرين الدوليين في البيئة الاقتصادية السعودية التي ترتكز على الاستقرار السياسي والاجتماعي والانفتاح على العالم وتعزيز الشفافية وتطوير الأنظمة الاقتصادية والتجارية.
على الصعيد الدولي نجحت السعودية في توظيف خطاب التسامح والمحبة ضمن أدواتها الدبلوماسية. وهو ما انعكس في استضافة قمم دولية كبرى مثل قمة مجموعة العشرين في الرياض ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومؤتمرات الحوار الديني والثقافي. التي جمعت قادة العالم تحت مظلة المملكة لمناقشة مستقبل الإنسانية وقضايا التعايش والسلام بعيداً عن الخلافات السياسية الضيقة.
الوضع الراهن في المنطقة يعزز أهمية الخطاب السياسي المتزن الذي يتبناه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خاصة في ظل الأزمات المتكررة في الخليج والشرق الأوسط. مثل التوترات في مضيق هرمز والبحر الأحمر والاضطرابات في اليمن وسوريا والعراق حيث هذه الأحداث تؤكد أن تحقيق الأمن لا يعتمد فقط على القدرات العسكرية لكن يتطلب أيضاً خطاباً سياسياً واجتماعياً يعزز التلاحم الوطني ويُقلل من التأثيرات السلبية للأزمات الخارجية ويبني بيئة مستقرة تُشجع على استمرار النمو الاقتصادي وتنفيذ مشاريع رؤية 2030.
إضافة إلى ذلك تشير مؤشرات القوة الناعمة الصادرة عن مؤسسة Brand Finance إلى تقدم المملكة إلى المرتبة 19 عالمياً في عام 2024 مدفوعة بنجاح سياساتها الإصلاحية والانفتاح الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. الذي يعكسه خطاب القيادة السعودية المبني على قيم التسامح والمحبة والانفتاح على العالم مع الحفاظ على ثوابت الهوية الوطنية والدينية.
لا يمكن إغفال أن هذه القيم أصبحت أدوات استراتيجية في يد القيادة السعودية لتقوية الداخل السعودي وبناء صورة إيجابية للمملكة في الخارج وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية مسؤولة توازن بين مصالحها الوطنية ودورها العالمي في تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.
أخيراً يتضح أن مفاهيم التسامح والمحبة التي يُعززها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تُشكل ركيزة أساسية في بناء مجتمع سعودي قوي واقتصاد مرن متنوع قادر على التكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية وتحقيق مكانة متقدمة للمملكة على المستويين الإقليمي والعالمي بما يتماشى مع رؤية 2030 والمصالح الوطنية طويلة المدى.