في وقتنا الراهن، لم تعد استدامة المنشآت رهنٌ فقط بالربحية، فالعنصر الحاسم كذلك للاستدامة هو التطوير والتحسين المستمرين، وهذا هو ما يمكن أن بعبر عنه بالابتكار. نلاحظ أن الابتكار لم يعد مقتصراً على المنشآت التقنية بل كذلك ستجده غدا متغلغلاً في أكثر الأنشطة بساطةً، او ما نحسبهُ كذلك؛ فبيع القهوة أصبح مفعماً بالابتكار في تقديم الخدمة والتسويق لها، وتجاوزت التجربة أن تقصد مكان لشراء كوب من القهوة، او لمجرد الحصول على “جلسة” عبارة عن طاولة وعدد من الكراسي لتجاذب الحديث، بل جعل الابتكار ابتياع واحتساء كوب من القهوة تجربة بحدِ ذاتها.
ولبيان النقطة أستعرض سريعاً نجاحين لمنشأتين سعوديتين في نشاط لا ننفك عنه في حياتنا اليومية وهو احتساء القهوة والشاي. وفي هذا السياق، فإذا أردنا تناول منشأة سعودية حققت نجاحاً عاصفاً فأول ما يتبادر للذهن “هاف مليون”، التي لم يتجاوز عمرها 8 سنوات وتمتلك حالياً 65 فرعاً، فهي لم تحقق نجاحها باتباع خطوات تقليدية لإنشاء وتشغيل المقاهي، بل باتباعها نهجاً ابتكارياً جملة وتفصيلاً، فمقهى “هاف مليون” لا يبيع قهوة مختصة بل يقدم تجربة حياتية سعودية شبابية مبتكرة حققت رغبة شريحة واسعة من الشباب، وجد في تلك التجربة ضالته فأقبل عليها، فحققت المنشأة نجاحاً، وبالمقابل ما أكثر محلات بيع القهوة التي تكابد للبقاء في السوق، وأكثر منها عدداً تلك التي اضطرت للخروج من السوق لعدم القدرة على الاستمرار. الحكاية الثانية ابتكارية كذلك ولكن من زاوية أخرى؛ بالابتكار من منطلق محلي، وهي تجربة “مقهى وكف” الذي تأسس في العام 2021 منطلقاً من الأحساء ومعه “الكوكي الحساوي” إلى بقية مدن المنطقة الشرقية وإلى العاصمة الرياض ومؤخراً إلى عسير. وقد نجح مقهى وكف في ابتكار تجربة فيها جِدة نابعة من إرث واحة النخيل وثمارها.
وهكذا، فالابتكار لا يعني بالضرورة أن ينطلق من معمل للأبحاث، ولا أن يكون مرتبطاً بالتصنيع والتقنية العالية، بل يعني كذلك -كما في المثالين أعلاه- تطوير وتحسين وتطويع ما قد يكون تقليدي ومتوارث ليصبح معايشاً لمتطلبات الحياة المعاصرة ولمتطلبات السوق وللتفاوت في أذواق المستهلكين وأسلوب حياتهم، على تفاوت فئاتهم العمرية. يبقى أن نذكر أن حجم سوق المقاهي في السعودية يقدر بحوالي 20مليار ريال.