حين تجتمع الكلمة المدهشة مع الكاريزما الخالدة، يُولد الفن الحقيقي. وعندما يكون صاحب الكلمة هو أيمن بهجت قمر، ويكون الصوت الذي يتلقّفها هو عمرو دياب، فنحن أمام حالة استثنائية من الانسجام النادر الذي لا يتكرر كثيرًا في تاريخ الأغنية العربية. صيف ٢٠٢٥ لم يكن مجرّد موسم جديد من أغاني "الهضبة"، بل فصل جديد يُكتب بأحرف من ذهب في كتاب الشاعر الكبير أيمن بهجت قمر، الذي قدّم هذا العام ثلاث أغانٍ تضيف إلى رصيده الفني الكبير، وتُعيد التأكيد على أن الكلمة القوية لا تموت، بل تتجدد حين تجد من يحسن غنائها.
"إشارات"، "هلونهم"، و"يا خبر أبيض"... ثلاث محطات غنائية حملت توقيع قمر، وتوزّعت ألحانها بين محمد يحيى ووليد سعد، بينما تداخلت بصمات مبدعين مثل أسامة الهندي، أحمد إبراهيم، وعادل حقي في التوزيع، وتولّى أمير محروس كالعادة هندسة الصوت والماستر بإتقان بالغ.

لكن العنصر الأساسي الذي أعطى هذه الأغاني هالة مختلفة هو الكلمات. أيمن بهجت قمر كتبها وكأنها رسائل حب ناضجة، مفعمة بالحياة، مليئة بالتفاصيل اليومية التي يعيشها الجمهور، فتصل إليهم بلا وسطاء، لأنها صادقة، ذكية، فيها خفة ظل بقدر ما فيها عمق وإحساس.
"إشارات" كانت عنوانًا للرقي، بمفردات حديثة وإيقاع ناعم، تُجسد لغة العشاق بلغة بسيطة ومباشرة، من شاعر لا يحتاج أن يتكلّف ليقول الكثير. "هلونهم" كانت مغازلة راقصة، فيها عفوية أيمن وخفة ظله المعتادة، كأنها مشهد سينمائي من الحياة اليومية، بينما جاءت "يا خبر أبيض" لتُجسّد دهشة الإنسان من تقلبات الحب، بسخرية رشيقة لا يتقنها إلا قمر، وكأنها فيلم كامل في ثلاث دقائق.
اللافت في هذا الثلاثي الغنائي أنّه لا يكرّر نفسه. فكل أغنية تذهب في اتجاه موسيقي وإحساسي مختلف، مما يعكس مرونة أيمن بهجت قمر كشاعر قادر على أن يتلوّن دون أن يتنازل، وعلى أن يُقدّم لعمرو دياب أغنيات تليق بتاريخ الهضبة، وتُضيف جديدًا إلى مسيرته، لا مجرد أعمال تجارية عابرة.
الحقيقة أن العلاقة بين أيمن بهجت قمر وعمرو دياب ليست مجرّد تعاون فني. إنها شراكة نادرة بين نجمين من العيار الثقيل، كلٌ منهما يعرف كيف يُكمّل الآخر. قمر يعرف مفاتيح عمرو، يعرف كيف يكتب له جملةً تُصبح "تريند" في لحظات، وعمرو يعرف كيف يُغنّي الكلمة فيُحوّلها إلى حالة شعبية تُردّدها الملايين، من المقاهي إلى السيارات، ومن شوارع القاهرة إلى قلوب عشّاقه حول العالم.
النجاح الذي تحققه هذه الأعمال ليس ضربة حظ، بل امتداد لسنوات من الخبرة والذكاء الفني، لشاعر كتب للتاريخ وأحبّ الناس، ولا يزال يكتب، ولـ "هضبة" يعرف متى يختار، وكيف يظل في القمة وهو يُغنّي، بكل شغف، وبكل وفاء للكلمة.
في زمن تكثر فيه الأغاني وتقل فيه البصمة، يثبت أيمن بهجت قمر أنّ الكلمة الصادقة هي من تعيش، وأن التاريخ لا يصنعه إلا من يعرف المعنى جيدًا قبل أن يكتب. ومع صوت بحجم عمرو دياب، لا تكتمل الصورة إلا إذا كان الكاتب شاعرًا بحجم أيمن بهجت قمر… وهذه ليست مجاملة، بل حقيقة تنطق بها الأرقام، والجمهور، وتاريخ طويل من الأغاني التي لن ينساها أحد.