أخبار عاجلة

المباني المستدامة وطرق حساب الكربون وغازات الدفيئة (مقال)

المباني المستدامة وطرق حساب الكربون وغازات الدفيئة (مقال)
المباني المستدامة وطرق حساب الكربون وغازات الدفيئة (مقال)

في ظل التحديات العالمية المتزايدة الناتجة عن تغير المناخ، أصبح مفهوم المباني المستدامة من أهم القضايا التي تفرض على المهندسين والمعماريين والمخططين تبنّي ممارسات أكثر وعيًا ومسؤولية.

ويُطلَق على هذه المباني -أيضًا- المباني الخضراء، وتمثّل نموذجًا جديدًا يهدف إلى تقليل الأثر البيئي، وتحسين كفاءة استهلاك الموارد، وضمان رفاهية المستعمِلين على المدى الطويل.

إلّا أن تحقيق ذلك يتطلب فهمًا عميقًا لكيفية قياس وتقييم الأثر البيئي لهذه المباني المستدامة.

والفهم يكون خاصًا بما يتعلق بإنتاج وتراكم غازات الدفيئة، وتحديد طرق حساب الكربون، والعمل على تطبيق المعايير العالمية التي تضمن تقليل الانبعاثات.

مفهوم المباني المستدامة وأهميتها

المباني المستدامة هي تلك التي تدمج عناصر تصميم وتستعمل مواد وتقنيات تقلل من استهلاك الطاقة والمياه، وتقلل من النفايات، وتعزز من جودة الهواء الداخلي، وتستعمل موارد طبيعية بفعالية.

تبرز أهمية هذه المباني من خلال قدرتها على تقليل الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة استعمال الطاقة، وتقليل التكاليف التشغيلية، بالإضافة إلى تعزيز صحة ورفاهية المستعمِلين.

ويتعلق ذلك أيضًا بالالتزام العالمي نحو اتفاقيات المناخ، خاصة اتفاقية باريس التي تهدف إلى الحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، إذ يُعدّ قطاع البناء أحد أكبر مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة.

ويُقدَّر أن المباني مسؤولة عن نحو 39% من إجمالي استهلاك الطاقة و40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم.

المباني الخضراء
المباني الخضراء

حسابات الكربون والغازات الدفيئة للمباني

مفهوم حساب البصمة الكربونية:

حساب البصمة الكربونية للمبنى هو عملية تحديد كمية غازات الدفيئة التي يجري إطلاقها أو تخزينها خلال دورة حياة المبنى، من مرحلة التصميم والبناء إلى التشغيل والصيانة، وأحيانًا حتى مرحلة الهدم وإعادة التدوير.

يُعبَّر عن هذه الانبعاثات عادة بوحدة الكتلة، مثل طن من ثاني أكسيد الكربون المكافئ (CO₂e)، وهو وحدة قياس موحدة تُستعمَل لدمج تأثيرات مجموعة متنوعة من الغازات الدفيئة، التي تختلف في قدرتها على احتجاز الحرارة.

المراحل الرئيسة لحساب الانبعاثات:

تتطلب عملية حساب الانبعاثات الكربونية للمبنى تحليلًا شاملاً لعدة مراحل، تبدأ من تقييم المواد المستعمَلة خلال البناء، مرورًا بكفاءة استهلاك الطاقة خلال التشغيل، وانتهاءً بالتعامل مع النفايات الناتجة.

على سبيل المثال، تُحسَب انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج المواد الإنشائية مثل الخرسانة، والصلب، والخشب، وكذلك استهلاك الطاقة لتشغيل أنظمة التدفئة، والتبريد، والإضاءة، والأجهزة المنزلية، بالإضافة إلى عمليات الصيانة والتنظيف.

عملية الحساب تتطلب جمع البيانات من مصادر متعددة، واستعمال أدوات ونماذج تعتمد على معطيات علمية دقيقة، بهدف تقدير الانبعاثات بشكل موثوق.

كما تُصنَّف الانبعاثات إلى فئتين رئيستين: الانبعاثات المباشرة، التي تصدر عن مصادر يمتلكها أو يتحكم فيها مالك المبنى، والانبعاثات غير المباشرة، التي تأتي من استهلاك الطاقة الخارجية أو العمليات المرافقة.

أدوات وتقنيات حساب الانبعاثات

هناك العديد من الأدوات والمنصات التي طُوِّرَت لمساعدة المهندسين والمختصّين على حساب انبعاثات غازات الدفيئة للمباني بدقّة.

من بين أشهر هذه الأدوات، برامج مثل LEED (Leadership in Energy and Environmental Design) ، BREEAM، Green Building Calculator، ASHRAE، وتوفر الأدوات السابقة إرشادات ونماذج لحساب الأثر البيئي للمبنى بشمول.

بالإضافة إلى ذلك، توجد أدوات أكثر تخصصًا تعتمد على البيانات الحياتية للمواد والطاقة، مثل One Click LCA، الذي يركّز على تقييم دورة حياة المبنى بدقة.

هذه الأدوات تعتمد على قواعد بيانات موسّعة تحتوي على معلومات عن انبعاثات المواد، واستهلاك الطاقة، وانبعاثات النقل، وتوفر تقارير تفصيلية تساعد في تحديد المجالات التي يمكن تحسينها لتقليل البصمة الكربونية للمبنى.

انبعاثات غازات الاحتباس الحراري

المعايير العالمية والمرجعية في حساب الكربون

منهجية IPCC:

منهجية اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تعدّ من أهم المرجعيات العالمية في تقييم وتقدير انبعاثات غازات الدفيئة.

توفر IPCC إرشادات دولية موحدة تساعد الدول والمنظمات على حساب الانبعاثات بشكل موحّد وموثوق، سواء كانت منشأتها صناعية، أو زراعية، أو تتعلق بالبناء والتشييد.

تتميز منهجية IPCC بأنها تعتمد على تحليل دورة حياة الأنشطة التي تنتج انبعاثات، مع التركيز على جمع البيانات من مصادر موثوقة، وتطبيق معادلات حسابية دقيقة، واحتساب عوامل التخفيف والتعويض.

وتوفر أيضًا نماذج لتقدير الانبعاثات الناتجة عن مواد البناء، والطاقة المستعملة، والنقل، والتخلص من النفايات.

معايير ومبادرات دولية أخرى إلى جانب IPCC:

توجد معايير ومبادرات دولية أخرى تركّز على تقييم الأداء البيئي للمباني، مثل LEED، وBREEAM، وDGNB، التي تعتمد على أنظمة تقييم قائمة على نقاط وتقييمات شاملة لمدى استدامة المبنى، بما في ذلك تقليل الانبعاثات الكربونية.

أفضل الطرق والأدلة العملية لتقليل انبعاثات المباني

إلى جانب حساب الانبعاثات وتقييم الأداء، توجد عدّة طرق عملية وأدلة يمكن اعتمادها لتحقيق المباني المستدامة وتقليل الكربون المنبعث منها.

من أبرز هذه الطرق هو الاعتماد على تصميم المباني لتحقيق أعلى كفاءة في استهلاك الطاقة، من خلال استعمال تقنيات العزل الحراري، والأجهزة الموفرة للطاقة، وأنظمة التهوية والتكييف الذكية، بالإضافة إلى استعمال مصادر الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.

كما أن استعمال مواد بناء منخفضة الانبعاثات، واعتماد أنظمة إدارة المباني الذكية، وتبنّي مبادئ التصميم الأخضر، كلّها استراتيجيات فعّالة في تقليل الأثر البيئي.

من الأدلة العملية أيضًا، الاعتماد على نماذج المحاكاة الحاسوبية التي تتيح تقييم الأداء خلال مراحل التصميم، ومن ثم تحسين الخيارات قبل التنفيذ.

المباني الخضراء
توربينات الرياح في مبنى مركز التجارة العالمي بمدينة المنامة عاصمة البحرين – الصورة من تايم أوت بحرين

الأدوات والتقنيات الحديثة في حساب الكربون للمباني

تطورت التكنولوجيا بشكل كبير، وأصبح العديد من الأدوات الرقمية يساعد بفعالية في عمليات تقييم وانبعاثات المباني.

برامج النمذجة الطاقية مثل EnergyPlus، وIES VE، تسمح لمحاكاة سلوك المبنى في ظروف مختلفة، وتقييم تأثيرات التعديلات التصميمية على استهلاك الطاقة والانبعاثات.

أمّا أدوات تقييم دورة الحياة، فهي تتطلب جمع بيانات مفصلة عن المواد، وعمليات التصنيع، والنقل، والتركيب، والتشغيل، والتخلص، وتوفر نتائج دقيقة تساعد في اتخاذ القرارات المستدامة.

هذه الأدوات تعتمد على قواعد بيانات موسّعة، وتستعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحليل الإحصائي لتحسين دقة التقديرات.

أفضل الدورات الاحترافية التي يمكن أن يدرسها العاملون في قطاع المباني المستدامة والبناء الأخضر تشمل مجموعة من البرامج المعتمدة والمتخصصة التي تعزز المعرفة والمهارات في مجالات التصميم، والتحليل، وتقييم الأداء البيئي، وإدارة المشروعات المستدامة.

إليك قائمة بأهم تلك الدورات:

1- شهادات تقييم المباني الخضراء (LEED Accredited Professional)

  • الجهة المانحة: مجلس المباني الخضراء (USGBC)
  • المحتوى: مبادئ التصميم المستدام، معايير تقييم المباني، إدارة استهلاك الطاقة والمياه، وتقنيات المباني الخضراء.
  • الأهمية: معتمدة عالميًا وتفتح فرص عمل واسعة في مشروعات المباني المستدامة.

2- شهادة BREEAM Assessor

  • الجهة المانحة: BREEAM أنظمة تقييم الأداء البيئي للمباني
  • المحتوى: تقييم الأداء البيئي للمباني، وإدارة دورة حياة المبنى، وتقنيات البناء المستدام.
  • الأهمية: معترف بها في أوروبا، وتساعد في تحسين أداء المباني وفق المعايير الدولية.

3- دورات حساب الكربون وانبعاثات غازات الدفيئة

  • المحتوى: أدوات ومنهجيات حساب البصمة الكربونية، تحليل دورة حياة المبنى، واستعمال برامج مثل One Click LCA، EnergyPlus.
  • الفائدة: تمكين العاملين من تقييم وتحسين أثر المباني في البيئة.

4- دورات معايير الجودة والاعتمادات الدولية (ISO 14001, ISO 50001)

  • المحتوى: إدارة البيئة، إدارة الطاقة، وتحقيق الالتزام بالمعايير الدولية.
  • الأهمية: تحسين الأداء البيئي للمؤسسات، وتسهيل التصدير للمشروعات الدولية.

يجب على الدراسين أن تكون لديهم خلفية دراسية ومعرفة أساسية في مجالات معينة، إذ تسهم هذه الخلفية في فهم المفاهيم التقنية والتطبيقية بشكل أكثر فعالية.

من بين الخلفيات الدراسية المناسبة للتسجيل في هذه الدورات، الهندسة المعمارية والتصميم العمراني، إذ تساعد على فهم أساسيات تصميم المباني ومعايير البناء وتقنيات التصميم المستدام، مما يعين على تطبيق مفاهيم المباني الخضراء خلال مرحلة التصميم والتنفيذ.

اتجاه عالمي نحو التوسع في المباني الخضراء
اتجاه عالمي نحو التوسع في المباني الخضراء

كما تُعدّ الهندسة المدنية من الخلفيات المهمة، حيث توفر معرفة بمواد البناء والهياكل وتقنيات الإنشاء، مما يسهّل تقييم مدى توافق التصاميم مع معايير الاستدامة.

أمّا الهندسة الكهربائية، فهي ضرورية لفهم أنظمة الطاقة والإضاءة والأنظمة الذكية للمباني، وهو أمر مهم لدراسة تقنيات الطاقة المتجددة وإدارة استهلاك الطاقة.

الهندسة الميكانيكية تسهم بمعرفة أنظمة التدفئة والتبريد والتهوية والأنظمة الذكية، وتساعد في تحسين كفاءة أنظمة المبنى والتقنيات المستدامة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن خلفيةً في علوم أو هندسة البيئة مهمة لتحليل الأثر البيئي وإدارة الموارد وتقييم دورة الحياة، مما يدعم فهم حساب الكربون وتحليل الانبعاثات.

وأخيرًا، تكتسب العلوم التقنية وتكنولوجيا المعلومات أهمية من خلال تطوير مهارات البرمجة ونمذجة البيانات وتحليل النماذج الحاسوبية، الأمر الذي يسهّل التعامل مع أدوات النمذجة والمحاكاة.

تعدّ المباني المستدامة إحدى الركائز الأساسية لمواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة.

يتطلب تحقيق ذلك فهمًا عميقًا لكيفية حساب الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة المرتبطة بالمباني، واستعمال الأدوات والمعايير العالمية لضمان دقة التقييم وفعالية الإجراءات.

منهجية IPCC تمثّل مرجعًا علميًا مهمًا يمكن الاعتماد عليه في إعداد الحسابات، إلى جانب أدوات وتقنيات حديثة تساعد في إدارة وتصميم المباني بطريقة تقلل من أثرها البيئي.

تبنّي ممارسات التصميم المستدام، واستعمال المواد منخفضة الانبعاث، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، كلّها خطوات عملية تسهم بشكل كبير في تقليل الكربون، وتحقيق مباني أكثر استدامة وصداقة للبيئة.

من خلال الجمع بين المعرفة العلمية، والأدوات الرقمية، والمعايير الدولية، يمكن للمجتمعات والمهنيين أن يسهموا في بناء مستقبل أكثر استدامة، يقلّ فيه الأثر البيئي، وترتقي فيه جودة الحياة، لتشمل الجميع.

* الدكتورة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق " ارفع رأسك فوق".. طاهر محمد يدعم إمام عاشور بعد تعرضه لإصابة
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية