في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران، شهدت الأوساط الباكستانية نقاشات واسعة حول موقف البلاد من الصراع، لاسيما بعد التصريحات الصادرة عن مسؤولين حكوميين وتكهنات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي حول دور محتمل لباكستان كقوة نووية إسلامية وحيدة، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
إدانة رسمية وتصريحات قوية
عقد مجلسا الشيوخ والنواب الباكستاني الأسبوع الماضي، بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي على إيران، جلسة مشتركة أسفرت عن اعتماد قرار بالإجماع يدين الهجوم، معتبرًا إياه انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة. هذا القرار يعكس الموقف الباكستاني الرسمي من الصراع.
وفي خضم هذه الأحداث، انتشر مقطع فيديو يظهر نوابًا إيرانيين يهتفون "شكرًا باكستان" خلال جلسة برلمانية، مما أثار تساؤلات لدى بعض الإيرانيين حول إمكانية تدخل باكستان عسكريًا إلى جانب طهران.
وأدلى وزير الدفاع الباكستاني، خواجة آصف، بتصريحات قوية في مجلس النواب، مؤكدًا وقوف باكستان إلى جانب إيران ومحذرًا من أن "الدور سيأتي على بقية الدول الإسلامية في حال سقوط طهران". وقد تابع آصف هذه التصريحات بتغريدات على منصة "إكس"، تضمنت انتقادات حادة لأحد أبناء الشاه بهلوي.
دبلوماسية لا عسكرية: أين تقف باكستان من الحرب الإيرانية-الإسرائيلية؟
على الرغم من القرار البرلماني بالإدانة، استمرت تقارير وسائل التواصل الاجتماعي في تداول إمكانية تزويد باكستان لإيران بالأسلحة. وهو ما دفع وزير الخارجية الباكستاني، إسحق دار، إلى نفي هذه الأخبار، مؤكدًا أن باكستان لن تتدخل عسكريًا في الحرب وأن ترسانتها النووية مخصصة لضمان أمن باكستان الوطني وليس للتدخل الخارجي.
ووفقًا للصحيفة البريطانية، يشير الصحفي عبدالرحمن حيات إلى أن القرار البرلماني يتماشى مع موقف إسلام آباد الثابت القائم على احترام القوانين الدولية. ويلفت حيات إلى أن إيران لم تقف إلى جانب باكستان في حربها ضد الهند، بل حافظت على الحياد، بينما كانت باكستان من أبرز الداعمين لإيران في حقها بالرد العسكري على العدوان الإسرائيلي.
ويوضح حيات أن "الموقف الباكستاني هو موقف دولة إسلامية نووية مسؤولة تهتم بالقوانين الدولية، وتقف مع إيران أخلاقيًا ودبلوماسيًا من دون أن تتدخل عسكريًا أو تزود أحد الجانبين بالسلاح". ويضيف أن القيادة العسكرية القوية في إسلام آباد "لا تتحمل ولا تريد أبدًا الوقوف في الجانب الخطأ ضد الولايات المتحدة التي تعتمد عليها باكستان في المعونات المالية من صندوق النقد الدولي، وتعد شريكًا تجاريًا مهمًا لها". لذا، يرى حيات أنه من السذاجة توقع انخراط باكستان في حرب تجعلها في مواجهة مع واشنطن.
عوامل إقليمية ومحلية مؤثرة
تتجاوز العلاقات بين باكستان وإيران الروابط التقليدية، فبالرغم من عدم وجود علاقات ودية على المستوى القيادي أو السياسي أو العسكري، إلا أن التكوين الطائفي للشعب الباكستاني والتحديات الأمنية التي تواجهها البلاد تجعل من الضروري الحفاظ على استقرار النظام الإيراني ووجود تواصل عملي معه.
يشكل الشيعة حوالي خُمس سكان باكستان، وتنشط منظمات شيعية في البلاد، شارك بعضها في الحرب السورية، مما يعكس ارتباط الطائفة بمرجعيتها الدينية في إيران، بالإضافة إلى ذلك، تواجه باكستان تحديًا حقيقيًا من الانفصاليين البلوش على الحدود الإيرانية، وتمتد شبكات هؤلاء الانفصاليين إلى الجانب الإيراني.
وفي حال سقوط النظام الإيراني وحدوث فوضى، سيكون هناك خطر كبير على المصالح الباكستانية في بلوشستان، لاسيما أن الانفصاليين يدعمون التدخل الأجنبي في كل من إيران وباكستان. أي اضطراب أمني في الجانب الإيراني ستكون له تبعات مماثلة على الجانب الباكستاني، وهذا ما لا تستطيع إسلام آباد المخاطرة به.
يؤكد حيات أن "النظام الإيراني الحالي، على الرغم من نقائصه، أفضل لباكستان من أي نظام آخر مدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل، لأن إيران لا تتمتع بعلاقات جيدة مع نيودلهي، خصم إسلام آباد في المنطقة. وبالطبع ليس من المفضل لباكستان أن تأتي إدارة جديدة في طهران تكون قريبة من الهند وتعمل ضد مصالح باكستان في المنطقة".
البعد النووي
يتعلق الدعم الباكستاني الواضح والمعلن لطهران بخصمها في الحرب الحالية، حيث لم تتخذ باكستان موقفًا مماثلًا في حروب إيران السابقة عندما كانت تواجه دولًا إسلامية أخرى عبر ميليشياتها. أما مواجهة إسرائيل، التي لا تعترف بها باكستان، فتستدعي بالطبع موقفًا واضحًا من إسلام آباد.
لم تدخل إسرائيل وباكستان في مواجهة عسكرية مباشرة، لكن الطيارين الباكستانيين دعموا القوات العربية في حرب عام 1967. من جانب آخر، لم تخف إسرائيل دعمها العسكري الواضح للهند في حروبها ضد باكستان، وكانت تل أبيب من الدول الداعمة لنيودلهي في الحرب الأخيرة، حيث استخدمت الهند طائرات مسيرة إسرائيلية.
تجدر الإشارة إلى أن السبب المعلن للحرب على إيران هو احتمال امتلاكها للسلاح النووي، مما قد يشكل خطرًا على أمن المنطقة في رأي تل أبيب. لكن المتخصصين يرون أن الأمر يتعلق بديانة الدولة التي تمتلك النووي أكثر من أي اعتبارات أخرى حول أمن المنطقة. وفي هذا السياق، تدخل باكستان كالدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي، مما يجعلها خصمًا لإسرائيل حتى لو لم تشارك فعليًا في الحرب.
وفي تطور غير متوقع، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائد الجيش الباكستاني، عاصم منير، إلى غداء في البيت الأبيض خلال الحرب الحالية، حيث نوقش الملف الإيراني. وعلى الرغم من أن تفاصيل اللقاء لا تزال غير معلنة، إلا أن بعض المتخصصين يتخوفون من إمكانية وقوف إسلام آباد إلى جانب واشنطن في الملف الإيراني، نظرًا لسجل الجيش الباكستاني المتوافق والداعم دائمًا لحروب البنتاجون في المنطقة، كما حدث في "الجهاد الأفغاني" في الثمانينيات والحرب ضد الإرهاب مطلع القرن الحالي.
لكن هذه الاحتمالات تظل في دائرة التكهنات حول المستقبل، أما الموقف الباكستاني المعلن فهو الوقوف مع إيران دبلوماسيًا دون التدخل العسكري، بما يحفظ مصالح إسلام آباد في المنطقة.