دافع الكاتب والسيناريست المصري محمد هشام عبية عن حق الممارسة الفنية في وضع اليد على “المعطى التاريخي بحرية والتصرف فيه لغايات إبداعية خالصة”، معتبراً أن “الأعمال الدرامية التي تتناول التاريخ لا تحرص على النقل الحرفي للمجريات كما كانت، لأن العملية تبتغي صناعة عمل درامي، لا وثيقة أكاديمية”، كما أن “البناء التاريخي، في كثير من الأحيان، يكون مملاً وبلا مقومات درامية”.
وتطرّق عبية في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية أيضاً إلى مسألة المراهنات الإلكترونية التي تناولها مسلسل “منتهي الصلاحية” (2025)، معبّراً عن “إعجابه بالتجربة المغربية التي تنظّم هذا الحق من خلال هيئة رسمية، مع تسجيل توجّه نحو المراهنات الإلكترونية غير القانونية”، مبرزاً أنه “عند عودته إلى مصر سيطرح ما عاينه في المغرب للنقاش”.
وقال الأديب المصري: “مسألة تنظيم الأنشطة التي تُعدّ غير مشروعة أو غير محبّبة جديرة بالدراسة”، مشيراً إلى أن “تنظيمها قد يُسهم في إخراجها من الظل إلى النور، ويُساعدنا على التعامل معها بشكل مباشر وشفاف”، تفادياً لـ”الكوارث التي صارت ترتبط بالموضوع، على غرار السرقة والانتحار وغيرها من الآفات الخطيرة”.
نص الحوار:
يمكننا الشروع في الحوار انطلاقًا من العمل الجديد الذي تشتغل عليه، وهو تحويل رواية “دم على نهد”، الصادرة سنة 1996 للإعلامي والكاتب إبراهيم عيسى، إلى عمل درامي، بعد عدة محاولات سابقة لم تنجح. لماذا تتولّى القيام بهذه المهمة؟
دعني أشير إلى نقطة أساسية، هي أننا نتعاون في تحويل الرواية إلى نص عمل درامي أنا وكاتب السيناريو المصري المخضرم وائل حمدي. وبالإضافة إلى ذلك تربطني علاقة مهنية وإنسانية قوية بالإعلامي والكاتب إبراهيم عيسى، فقد عملنا معًا لمدة عشر سنوات في جريدتي الدستور والتحرير المصريتين.
لكن، عقب عرض مسلسل في كل أسبوع يوم جمعة سنة 2020 وقع التواصل بيني وبين عيسى؛ لفت نظري إلى رواية “دم على نهد”، وأشعرتُه بأنها رواية جميلة، وقد أثارت انتباهي منذ سنوات… أخذتها، وكان معي وائل حمدي، فشرعنا في التحرك في رحلة إنتاجها. وكان إبراهيم عيسى يقول دائمًا إن حظ هذه الرواية كان سيئًا، لأنها، بالفعل، تعرضت لمحاولات إنتاج كثيرة منذ منتصف التسعينيات لكنها لم تُوفّق. لكننا نأمل أن تنجح هذه المرة كي نراها قريبًا على الشاشة.
قرأت الرواية منذ صدورها أواخر التسعينيات، وقد أثارت إعجابي بحكم جرأتها الشديدة في ما يتعلق بالمحتوى الاجتماعي والسياسي. انخرطنا في المشروع، ونحن نكتب السيناريو منذ أزيد من أربع سنوات، لكن هذا العام سنبدأ التصوير.
حاولنا كذلك الحفاظ، في السيناريو، على الروح الأساسية للعمل، لأنها رواية شديدة الجرأة. بالطبع أجرينا بعض المواءمات الضرورية المرتبطة بتحويل العمل من متن أدبي إلى نص درامي.
الرواية أثارت جدلًا منذ صدورها، وتضمّنت انتقادات للأجهزة الأمنية في مصر وغيرها. أثناء التحويل إلى سيناريو هل سيتم الحفاظ على هذا “اللّب الاحتجاجي” أم إن “الضرورة الفنية” ستقتضي التصرّف في بعض مضامينها “الحادّة”؟
كما تعلم تدور أحداث الرواية في التسعينيات، لكن عندما بدأنا، حمدي وأنا، العمل عليها، قمنا بتحريك زمن الأحداث قليلاً؛ لن تدور بهذا المعنى في العقد الأخير من القرن الماضي. وأود أن أترك هذه النقطة مفاجأة للجمهور كي يكتشفها بنفسه، لكنها، بالتأكيد، لن تظلّ كما هي في الرواية الأصلية.
مع ذلك حافظنا على جوهر الرواية، لأن قوتها تكمن في روحها، وجرأتها، وقدرتها على اختراق مناطق غير مألوفة في الرواية العربية عمومًا، والرواية المصرية على وجه الخصوص. كما أن هذه النوعية من المواضيع نادرًا ما تُعرض على الشاشة بشكل واضح. لكننا نأمل الاستفادة من كون المسلسل سيُعرض على منصة تتيح عادةً مساحة أوسع لطرح موضوعات جريئة، مقارنة بالتلفزيون أو حتى السينما.
ندرك تمامًا أن تحويل الرواية إلى سيناريو هو عملية معقدة. وكما يقول كبار كتّاب السيناريو “تحويل الرواية إلى سيناريو كأنك تحوّل برتقالة إلى تفاحة”. لذلك كنا مضطرين لإجراء بعض التعديلات المرتبطة بطبيعة الفن الذي نكتبه. لم نأخذ الرواية كما هي، أجرينا تعديلات ضرورية، لكننا حرصنا على الحفاظ على اللب والروح في قوتها وعنفوانها وجرأتها، ونأمل أن تجد صدىً إيجابيًا لدى كافة الألوان المجتمعية والسياسية.
يُحيلنا الجواب، ربّما، على قضية الرقابة، وهي مسألة حاضرة في مختلف مناطق شمال إفريقيا والشرق الأوسط بدرجات متفاوتة. لكن ما واجهتَه مرّة أن البعضَ طالب بمنع أعمال ألّفتَها من العرض، ألا تخلق لديك الرقابة المجتمعية رقابة ذاتية تُشوّش على “حقيقة الفن”؟
أنا أقول دائمًا إن الرقابة الاجتماعية في كثير من الأحيان أشد قسوة من رقابة المؤسسات. لكن الكاتب، وبشكل عام، سواء في الأدب أو الصحافة أو السيناريو، إذا وضع أمام عينيه باستمرار هاجس الرقابة وتلقي الجمهور فلن يكتب حرفًا. عندما نكتب لا بد أن نكتب بثقة واطمئنان، لا بيدٍ مرتجفة أو مرتعشة. وبحكم خلفيتي الصحافية، فأنا ممارس لعقد ونصف ومازلت، أعلم، كما يعرف أغلب الصحافيين، كيف نلامس الخطوط الحمراء دونما إحداث اختراق فيها.
في النهاية تبقى المعادلة دائمًا: هل أريد الدخول في صدام، أم أريد تمرير المشروع الذي أكتبه؟ شخصيًا، أرغب في أن يرى المشروع النور، سواء كان نصًا أو رواية أو سيناريو. لذلك هناك مساحة للمواءمات، لا التنازلات، يمكن أن أقبل بها، فقط من أجل أن يتم إنجاز العمل.
مع ذلك أنا مؤمن تمامًا بأنني، ككاتب سيناريو، أستطيع التداول في كل القضايا، ربما بلا استثناء، حتى تلك التي تحمل محاذير اجتماعية أو سياسية أو دينية. لكن السؤال: كيف نقدّم هذه القضايا؟ هل نقدّمها بطريقة استفزازية؟ أم نطرحها بأسلوب إنساني يلامس هموم المشاهد؟ وإذا شعر المشاهد بأن ما يراه جزء من حياته أو من حياة أشخاص مقربين منه فلن يصدر عليه أحكامًا متسرعة، بل سيتماهى مع الشخصيات، وقد يجد نفسه متورطًا عاطفيًا في ما يراه، ويفكر: ماذا لو كنت مكانه؟.
لهذا أرى أن هذه المعركة، بين المبدع والرقابة، هي معركة أبدية وأزلية، لن تنتهي أبدًا. سواء كانت الرقابة في شكل سلطة، أو جهاز رقابي، أو رقابة مجتمعية، فإن الخوف منها لن يدفعنا إلى الأمام. لكن إيجاد حلول بديلة، ومواءمات ذكية، هو السبيل الحقيقي لخوض هذه المعركة بلا أي تفريط في الروح الإبداعية.
يوجد أيضًا تحدٍّ واجهتَه في “رسالة الإمام” (2023) الذي تعقّبتَ فيه حياة الإمام الشافعي. هذا العمل الذي ألّفته جرى انتقاده بشدّة لكونه “تضمّن أخطاء تاريخية”. بالنسبة إليك أين ينتهي المعطى التاريخي ليفسح المجال لـ”التصرّف الفني”؟
سآخذ من سؤالك منطلقًا لأقول إن الفن لابد أن يتصرف في المعطى التاريخي. فالتاريخ، في كثير من الأحيان، قد يكون مملًا ويفتقر إلى التصاعد الدرامي الجذاب؛ وهذا، مثلًا، ما يجعل بعض أبنائنا في المدارس ينفرون من دراسة التاريخ إذا قُدِّم لهم كمجموعة من التقارير الجافة، بلا سرد، ولا حبكة، ولا إثارة.
من هنا أرى أن دور الفنان أو الكاتب أو المبدع حين يتناول مسألة تاريخية يُفترض أن يتعاطى مع الموضوع من جانبين: أولًا عليه أن يضع الحدث في إطاره الزمني والتاريخي الصحيح، وثانيًا من حقه أن يُعمِل خياله، لأن ما نقدمه في النهاية عمل فني إبداعي، وليس عملا توثيقيا، ولا رسالة ماجستير أو دكتوراه. وبالتالي فإن دور الفنان يختلف عن دور المؤرخ أو الأكاديمي.
لكن، في المقابل، لا يصح، على سبيل المثال، أن أكتب مسلسلًا تدور أحداثه في زمن الإمام الشافعي ثم أستحضر أدوات الزمن المعاصر لزرعها فيه. يجب توخي الدقة التاريخية في العناصر الأساسية التي تشكل المسلسل، مثل شكل البيئة الاجتماعية في تلك الفترة، وطبيعة الصراع السياسي، والتفاصيل اليومية لحياة الناس، والواقع الاقتصادي حينها.
أما في ما يتعلق بتفاعل الأبطال مع بعضهم، أو تفاعل الشخصية الرئيسية، الإمام الشافعي مثلًا، مع شخصيات أخرى، فقد كنت مضطرًا في “رسالة الإمام” إلى ابتكار شخصيات ليست لها أصول حقيقية في الوثائق التاريخية، فقط لأجل تفعيل وتطوير البناء الدرامي؛ وذلك أمر طبيعي لأننا في النهاية نصنع عملًا دراميًا، لا وثيقة تاريخية. نحن نستوحي الأحداث من التاريخ، لكننا لا ننقله حرفيًا.
من التاريخ إلى الزمن الراهن… نودّ أن نتطرّق إلى عملك الأخير “منتهي الصلاحية”، الذي عُرض في الموسم الرمضاني، ويتناول المراهنات الإلكترونية. لقد لقي المسلسل ترحيبًا في المغرب، بحكم التقاطعات بين مصر والمغرب، مع أن الأخير يُنظّم شقًّا من الموضوع. ما تعليقك؟
في الحقيقة، وصول المسلسل إلى المغرب كان بمثابة جائزة عظيمة لكل فريق العمل، خاصة أنه كُتب ونُفذ في وقت ضيق، وفي ظل ظروف إنتاجية مرتبطة بموسم العرض الرمضاني في مصر، الذي يُعد موعدًا مقدسًا هناك. لذلك كان العمل مكثفًا ومُنهكًا إلى حدّ كبير. ورغم هذه الظروف حصد المسلسل نجاحًا لافتا في مصر، ومازال من أوائل الأعمال المصرية، وربما العربية، التي تناولت قضية المراهنات الإلكترونية بشكل واضح وصريح حتى الآن.
في المغرب كانت ردود الفعل مفاجئة جدًا بالنسبة لي، سواء على مستوى نسب المشاهدة أو التفاعل الكبير مع المسلسل، خاصة عندما زرت البلد لأول مرة. وما أثار انتباهي أن التجربة المغربية هنا لها خصوصيتها في ما يتعلق بموضوع المراهنات؛ ففي مصر المراهنات ممنوعة تمامًا بحكم القانون، بينما اكتشفت في المغرب أن هناك مؤسسة تنظم النشاط.
وبالتالي سألت أصدقائي وزملائي من المغرب: إذا كانت هناك وسيلة شرعية للمراهنة، فلماذا يظهر هذا الاتجاه نحو المراهنات الإلكترونية غير القانونية؟ ومن خلال النقاش فهمت أن الوسيلة الشرعية تمنع من هم دون 18 أو 16 سنة من المراهنة، كما تشترط الذهاب إلى أماكن مخصصة. أما التطبيقات الإلكترونية فهي تتيح المراهنة من خلال الهاتف المحمول دون الحاجة إلى كشف الهوية أو السن. وهذه المشكلة موجودة في مصر. عدد كبير من المراهنين هم من المراهقين وصغار السن.
أعتقد أن التجربة المغربية بالفعل لها طابع خاص، ورغم وجود هيئة تنظيمية رسمية مازال هناك توجه نحو المراهنات الإلكترونية غير القانونية. وعند عودتي إلى مصر سأطرح ما عاينته في المغرب للنقاش، لأن مسألة تنظيم الأنشطة التي تُعد غير مشروعة أو غير محببة جديرة بالدراسة؛ فتنظيمها قد يُسهم في إخراجها من الظل إلى النور، ويُساعدنا على التعامل معها بشكل مباشر وشفاف.
بطبيعة الحال ستظل هناك تجاوزات دائمًا، وسيبقى هناك من يحاول التحايل على الأنظمة القانونية، لكن المهم هو إيجاد مقاربات ذكية لتنظيم تلك الأنشطة. والأهم بالنسبة لي أن المسلسل وصل إلى المغرب، لأن الموضوع، كما عُرض في مصر، قد يكون أكثر عنفًا هناك، حيث تطور الأمر إلى حدّ وقوع جرائم قتل وسرقة، بل وحتى حالات انتحار.
في هذا العمل تطرح قضية سجالية للنقاش، غير أن ما يُلاحظ أنّ ثمّة خيطًا دقيقًا يربط بين مختلف الأعمال الدرامية التي اشتغلتَ عليها، من خلال حضور مواضيع مثيرة، كالإرهاب (بطلوع الروح)، والعنف الجنسي في السياق الزوجي (60 دقيقة)، وتأجير الأرحام (صلة رحم)، إلخ. تبدو الخلفية الصحافية حاضرة في ما تقوم بتأليفه…
بلا شك، أعتقد أن الصحافة تمس كل شيء تقريبًا. لهذا فإن أغلب تفكيري يتجه تلقائيًا نحو القضايا التي تحمل طابعًا تحقيقيًا أو استقصائيًا، وتثير أسئلة ومناقشات. ومع ذلك، أنا أؤمن بأن الفن، بطبيعته، ليس مطلوبًا منه دائمًا أن يحمل رسالة كبرى أو يناقش قضايا عظيمة؛ فأن يكون العمل الفني ممتعًا، وجيد الصنع، فهذه رسالة بحد ذاتها.
لكن بحكم تكويني الصحفي، وميلي الشخصي، ومراقبتي المستمرة للمجتمع المصري، وأحيانًا للمجتمع العربي بقدر ما أستطيع، أجد نفسي مشدودًا إلى هذه القضايا، خاصة أنها، في جوهرها، مليئة بالدراما. فكل قضية من تلك القضايا خلفها ألف قصة تستحق أن تُروى، وألف شخصية تستحق أن تظهر على الشاشة.
لا أرى القضية فقط كموضوع مجرد، بل أراها من خلال البشر الذين يقفون وراءها. وهؤلاء البشر، بطبيعتهم، يحملون دراما إنسانية غنية. ولذلك أستطيع أن أقول إن الشخصيتين اللتين تسكنانني – الصحفي، وكاتب السيناريو – تعملان معًا، وتتفاعلان، ويقود هذا التفاعل إلى النتيجة النهائية التي تظهر في العمل الفني.
وكيف تفسّر، مثلًا، أنك طرحتَ قضية حسّاسة وشائكة في “صلة رحم” (2024) دون أن يُحدِث الأمرُ تصادمًا مع الجمهور، كما يحدث عادة أثناء تناول قضايا مسكوتٍ عنها؟
في الحقيقة هذا ما تجلّى بوضوح في مسلسل “صلة الرحم”، وربما كان يحمل جزءًا من تراكم الخبرة والتجربة في أعمال سابقة. كنت مدركًا تمامًا أنني أخوض في منطقة حساسة، وربما حقل ألغام لا غبار عليه، لأن مجرد طرح هذه القضية في إحدى الحلقات كان كفيلاً بأن يُنظر إلينا باعتبارنا نروّج لشيء جدلي، مثير ومزعج.
لذلك كان لا بد من تمهيد إنساني للقضية. أردت أن أقدّم هذه القصة الحساسة من خلال حكاية إنسانية بسيطة، تلامس أغلبية الناس، وتدفعهم للتفاعل والتفكير. هذا ما حدث، فقد وصلتني رسائل كثيرة بعد عرض المسلسل، ومن بينها واحدة كانت من أقوى ما تلقيت، تحدثت عن جدال دار داخل أسرة مصرية بسيطة حول موضوع الإجهاض، وهو أحد الخطوط الدرامية في المسلسل، حيث كان لديهم موقف حاسم وصارم ضده؛ لكن حين تابعوا حالة إنسانية معينة عُرضت ضمن الأحداث بدؤوا يعيدون النظر. صار النقاش يدور حول ضرورة التفكير في كل حالة على حدة، بدلًا من إطلاق حكم عام، بدؤوا يتساءلون: هل من العدل أن نحرّم الإجهاض مطلقًا؟ ألا توجد حالات يمكن أن يكون فيها الإجهاض إنقاذًا لحياة امرأة، أو حمايتها من مأساة اجتماعية أو نفسية؟ وهنا شعرت بأن العمل أصاب هدفه الحقيقي.
“صلة رحم” لم يتوقف فقط عند قضية تأجير الأرحام، بل وضع اليد أيضًا على موضوع الإيقاف الإرادي للحمل، وهي مسألة شديدة الحساسية في مصر، وربما في أغلب المجتمعات العربية. ومع ذلك أدهشني أن هذا المسلسل، وربما يكون الوحيد من بين ما كتبت، لم يواجه أي هجوم أو نقد فكري أو مجتمعي يرفض الطرح، باستثناء بعض الملاحظات الفنية المعتادة، وهذا في حد ذاته اعتبرته نجاحًا كبيرًا.
تمكّنا من تمرير قضايا شائكة دون افتعال صدام. ما أطمح إليه هو إثارة التفكير، لا إثارة الجدل. أريد دفع الناس لإعادة النظر في أفكارهم الراسخة، ليتساءلوا: هل هذه القناعات تستحق الثبات؟ أليس من الممكن أن تكون هناك أفكار أخرى أكثر استحقاقًا للتأمل والنقاش؟.
هذا هو، في نظري، الهدف الأسمى من الكتابة، والفن، والإبداع: أن نوقظ القلق المشروع، وأن نُشعر القارئ أو المشاهد بأن الحقيقة قد لا تكون دائمًا ما نؤمن به، بل قد تكون هناك حقيقة أخرى، خارج إطارنا الشخصي، تنتظر من يراها.
ربما تحدثنا بما يكفي عن بعض أعمالك… يهمنا كذلك أن نعرف وجهة نظرك بخصوص التطور الذي تُبصم عليه بعض الأعمال الدرامية المغربية، إن كنتَ مواكبًا…
الواقع أنني حريص على متابعة بعض الإنتاجات المغربية، وخصوصًا الأفلام؛ شاهدتها في المهرجانات التي تُقام في مصر، مثل مهرجان القاهرة السينمائي أو مهرجان الجونة. وقد شاهدت بالفعل عددًا من الأعمال التي أثارت اهتمامي وكتبت عنها. تابعت النقاش الذي رافق مسلسل “الدم المشروك” الذي كتبته مواطنة مصرية. وأنا أؤمن إيمانًا حقيقيًا بأن كل مجتمع يستحق أن يتحدث عن نفسه، ويطرح أفكاره وقضاياه الدرامية.
لكنني لا أخفي أنني خلال وجودي في المغرب في هذه الفترة حرصت على مشاهدة كل ما يمكنني متابعته، لأن لدي رغبة دائمة في ألا يقتصر عملي على مصر فقط، بل أطمح إلى أن تكون لي أعمال درامية في مجتمعات عربية أخرى أحبها، خاصة تلك التي تواجه ظروفًا قريبة من واقع المجتمع المصري. بالطبع لن تكون لدي المعرفة الكاملة والدقيقة بالتفاصيل، لكنني مهتم جدًا بأن أكتب شيئًا يمس المجتمع المغربي، أو يكون لي اتصال بعمل درامي له علاقة بالثقافة المغربية، لأن هذا في حد ذاته وسيلة لفهم أعمق لهذا المجتمع.
من خلال الصحف والمجلات والمواقع التي أتابعها، مثل هسبريس، أكتشف أن هناك قضايا حقيقية في المغرب تتحمّل الانتقال إلى الصيغة الدرامية. لكنني لا أملك، في المقابل، معرفة كافية بالبيئة الإنتاجية في المغرب. أعي أن البلد المغاربي يُعد وجهة مهمة جدًا لإنتاج العديد من الأفلام الأجنبية، لكنني لا أعرف تفاصيل إنتاج الدراما المحلية بشكل دقيق. وربما تمثل هذه الزيارة فرصة استكشاف بالنسبة لي.
كما قلتَ لدينا تجربة كتابة السيناريست المصرية هاجر إسماعيل للمسلسل المغربي الدم المشروك. هل يمكن أن نراك متعاونا مع مخرجين أو منتجين مغاربة؟
أنا متحمس جدًا حقيقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمجتمعات التي أحب أن أكتب عنها. هذا كان شعورًا نظريًا في البداية، لكن عندما زرت المغرب وقمت بجولة في الرباط، والدار البيضاء، وطنجة، اكتشفت أن البلد يمتلك إمكانيات ضخمة لكتابة عشرات المسلسلات الدرامية. توجد أحداث وشخصيات تستحق أن تُسرد في أعمال من هذا النوع. المجتمع المغربي بكل تنوعه وأحداثه يستحق عرضا يليق به.
بالطبع هذا يفتح لي بابًا حقيقيًا للحماس والإبداع في مثل هذه المشاريع، لكنني في الوقت نفسه لا أملك فكرة واضحة حول دورة الإنتاج المحلية في المغرب. ومع ذلك، من حيث الفكرة، أنا متحمس. ويمكن تنفيذ هذا النوع من المشاريع بالتعاون مع كتّاب مغاربة. يستحيل أن أكتب مسلسلًا عن المغرب وأنا لست مقيمًا فيه، لكنني مستعد للتعاون مع مغاربة، والمشاركة في الإنتاج المحلي لضمان تقديم عمل درامي يتناسب مع الثقافة المحلية والهموم التي تنتعش فيها.