أثارت حادثة إزالة تمثال بعنوان "أصدقاء إلى الأبد" للرئيس دونالد ترامب وصديقه جيفري إبستين، من منطقة ناشيونال مول في واشنطن العاصمة، جدلًا واسعًا حول حدود حرية التعبير في الفضاء العام.
ورغم حصول منظمي حدث إزاحة الستار عن التمثال الفني على تصريح رسمي لعرضه، أقدمت السلطات على إزالته بعد يوم واحد من عرضه، مما أثار تساؤلات حول دوافع القرار، وفقًا لشبكة "سي إن إن" الإخبارية.
يهدف التمثال إلى تسليط الضوء على العلاقة المثيرة للجدل بين الشخصيتين، فترامب الذي وصل إلى البيت الأبيض وتولى أعلى منصب في البلاد منذ يناير 2025، غالبًا ما يرتبط اسمه بفضائح الماضي، بينما يُعتبر إبستين، الذي انتحر في سجنه، رمزًا لجرائم جنسية خطيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن وضع التمثال في منطقة تاريخية مثل ناشيونال مول، والتي تجسد القيم الأمريكية، كان بمثابة صرخة فنية وسياسية قوية يرجح أنها كانت تهدف إلى استفزاز الرأي العام وإثارة النقاش حول أخلاقيات القيادة السياسية، وفقًا لمجلة تايم.
تضارب الروايات: أسباب رسمية أم دوافع سياسية
تعددت الروايات حول أسباب إزالة التمثال، مما أدى إلى انقسام الرأي العام بين من يرى أن القرار كان قانونيًا، وآخرين يزعمون أنه كان مدفوعًا بدوافع سياسية، ووفقًا لهيئة الحدائق الوطنية (National Park Service)، فإن إزالة التمثال لم تكن قرارًا تعسفيًا، بل جاءت بسبب عدم امتثال الجهة المنظمة لشروط التصريح. فعلى الرغم من أن التصريح كان يمنح الحق في العرض حتى تاريخ 28 سبتمبر 2025، إلا أن السلطات ادعت وجود مخالفات فنية ولوجستية، ربما تتعلق بطريقة تثبيت قاعدة التمثال وتأمينه. وتركز هذه الرواية على أن الإجراء هو مجرد تطبيق للقوانين التنظيمية الهادفة إلى الحفاظ على سلامة الأماكن العامة والمعالم التاريخية ومرتاديها.
تفسيرات سياسية:
يرى العديد من المراقبين أن الإزالة كانت بناء على دوافع سياسية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، فإزالة تمثال ينتقد ترامب ويربطه بفضائح سابقة، يمكن أن يُفسر على أنه محاولة لتجنب إحراج سياسي. وقد زادت الشكوك حول دوافع القرار كون عملية الإزالة تمت في وقت متأخر من الليل، مما أدى إلى تلف التمثال. وقد اعتبر البعض أن السلطات استخدمت "عدم الامتثال" كذريعة لإبعاد عمل فني من المحتمل أن يثير حساسيات سياسية بين أنصار ترامب ومنافسيه السياسيين والمعارضين لقراراته.
وفي السياق نفسه، يعتبر التمثال جزءًا من سلسلة من الأعمال الفنية الاحتجاجية ضد ترامب التي ظهرت في واشنطن ومدن عالمية أخرى. ففي شهر يونيو الماضي، ظهر تمثال آخر بعنوان "الدكتاتور المعتمد" في ناشيونال مول، يصور يدًا ذهبية بإشارة الإبهام لأعلى وهي تسحق قمة نموذج لتمثال الحرية، وتحته اقتباسات من أقوال زعماء عالميين مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، تُظهر تأييدهم لترامب، وفقًا لمجلة تايم.
كما أن علاقة ترامب بإبستين كانت محور احتجاجات سابقة في المملكة المتحدة، فقبل زيارة ترامب الثانية للمملكة المتحدة، تم عرض لافتة ضخمة تحمل صورة له مع إبستين خارج قلعة وندسور، كما تم إسقاط صور لهما معًا على أحد جدران القلعة باستخدام آلة العرض الرأسي، بروجيكتور، بالإضافة إلى صور للأمير أندرو وإبستين، وفقًا لشبكة بي بي سي نيوز.
حرية التعبير تحت المجهر
سلطت هذه الحادثة الضوء على الجدل المستمر حول حدود حرية التعبير في الولايات المتحدة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالفن السياسي في الأماكن العامة. ففي حين تضمن القوانين حرية التعبير، فإن هذا الحق ليس مطلقًا، وغالبًا ما يخضع لقيود تنظيمية لضمان عدم الفوضى أو الإضرار بالممتلكات العامة.
وتطرح هذه القضية تساؤلات عميقة حول ما يُعتبر "فنًا" وما يُعتبر "تحريضًا سياسيًا". فهل كان التمثال عملًا فنيًا يهدف إلى النقد والتعبير، أم مجرد أداة دعائية تهدف إلى التشهير بشخصية عامة؟ وهذه الأسئلة تبرز التوترات الكامنة بين حماية التعبير الفني والحفاظ على السلم الاجتماعي.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء إزالة التمثال، يُعد هذا الحدث مثالًا على كيفية تحول الأماكن العامة إلى ساحات للصراع السياسي والفني، حيث يمكن للفن أن يكون قويًا ومثيرًا للجدل، ولكنه قد يجد نفسه في مواجهة قوانين ولوائح تنظيمية لم تُصمم بالأساس لخدمة التعبير الفني.