تُعدّ الكابلات البحرية هي الشريان الخفي الذي يحرك الاقتصاد الرقمي العالمي، إذ تمر أكثر من 95% من حركة البيانات الدولية عبر هذه الكابلات، مما يجعلها لا تقل أهمية عن المسارات الجوية، والمواني البحرية، وخطوط أنابيب الطاقة للاقتصادات الحديثة. ومع ذلك، فهذه الكابلات ليست محصنة من المخاطر.
فقد شهدت الإمارات خلال اليومين الماضيين، تباطؤًا ملحوظًا في سرعات الإنترنت ومشكلات في الاتصال، وذلك بعد انقطاع عدة كابلات بحرية رئيسية في البحر الأحمر، إذ أثّر هذا الحادث في تدفق البيانات من جنوب آسيا إلى منطقة الخليج، مسلطًا الضوء على مدى هشاشة هذه الشبكة الحيوية وأهمية تنويع المسارات الرقمية لضمان استمرارية الخدمات.
اضطرابات ملحوظة في الإنترنت في الإمارات:
تسبب انقطاع الكابلات البحرية في البحر الأحمر – الذي لا تزال أسبابه قيد التحقيق حتى وقت كتابة هذا التقرير – في اضطرابات واسعة، في الإمارات، فقد أبلغ مستخدمو شركتي (دو) و(إي آند اتصالات) عن مجموعة من المشكلات تراوحت بين بطء في التصفح وصعوبة الوصول إلى بعض منصات الحوسبة السحابية الدولية.
وأكدت شركة (إي آند اتصالات) في بيان رسمي أن عملاءها قد يواجهون بطئًا في خدمات البيانات نتيجة انقطاع في الكابلات البحرية الدولية، وأشارت إلى أن فرقها الفنية تعمل على معالجة المشكلة.
عملاؤنا الأعزاء، قد تواجهون بطئاً في خدمات البيانات نتيجة انقطاع في الكابلات البحرية الدولية. وتعمل فرقنا الفنية حالياً لمعالجة المشكلة. سنوافيكم بأحدث المستجدات أولاً بأول. نشكركم على تفهّمكم وتعاونكم. pic.twitter.com/XwuGqZTllu
— e& UAE (@eAndUAE) September 7, 2025
كما حذّرت مايكروسوفت من أن مستخدمي خدمتها السحابية (أزور) Azure، قد يواجهون زيادة في زمن الوصول إلى الخدمة، بسبب إعادة توجيه حركة البيانات الإقليمية عبر مسارات بديلة، فيما كشفت شركة (Cloudflare) عن تأخيرات وصلت إلى 30% في الاتصالات بين الهند وأوروبا، مع استمرار الأداء دون المستويات الطبيعية حتى اليوم.
ولم يقتصر تأثير انقطاع هذه الكابلات على بطء التصفح فحسب، بل امتد إلى تعطيل خدمات أساسية مثل: منصات مؤتمرات الفيديو والألعاب الإلكترونية وشبكات الـ VPN، في حين تعرّضت بعض الشركات لتحديات في إنجاز معاملاتها المالية.
فقد أكد بعض الخبراء أن تداعيات انقطاع الكابلات البحرية تكون فورية، إذ تتوقف المعاملات المالية، وتتعثر أعمال الشركات، كما تؤثر سلبًا في الخدمات الرقمية الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون يوميًا.
لذلك ينصح الخبراء الشركات التي تعتمد على تدفقات البيانات العالمية باستكشاف خيارات بديلة مثل: التوجيه عبر الأقمار الصناعية أو المسارات البرية الإقليمية، وذلك لضمان استمرارية أعمالها حتى تُصلح هذه الكابلات المتضررة وتعود الخدمة إلى طبيعتها.
إصلاح الكابلات البحرية عملية معقدة تستغرق وقتًا:
تُعدّ عملية تحديد موقع الضرر وإصلاح الكابلات البحرية مهمة معقدة وتتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا، لأن إصلاح هذه الأعطال يتطلب سفنًا متخصصة ومجهزة بتقنيات عالية، ويؤكد الخبراء أن هذه العملية قد تستغرق أيامًا وحتى أسابيع. كما تُشير التقديرات إلى أن تكلفة الإصلاح الواحد تتراوح ما بين مليون و 3 ملايين دولار.
وتزداد هذه العملية تعقيدًا في حالة وجود أعطال متعددة في الممر نفسه، مما يترك المستخدمين يواجهون بطء الخدمة حتى اكتمال الإصلاحات.
ويشكل هذا التحدي ضغطًا خاصًا على دولة الإمارات التي تسعى إلى ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، والخدمات الرقمية.
تنويع المسارات.. الاستثمار في الكابلات البرية كحل إستراتيجي:
يُعدّ ممر البحر الأحمر نفسه نقطة ضعف رئيسية في شبكة الإنترنت العالمية، فهو ينقل نحو 17% من حركة الإنترنت العالمية، مما يجعل أي اضطراب فيه مؤثرًا على نطاق واسع في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأجزاء من أفريقيا.
كما أن الكابلات البحرية التي تمر عبره ليست عرضة للأضرار العرضية الناجمة عن حركة الملاحة الكثيفة فحسب، بل تتعرض أيضًا لمخاطر جيوسياسية محتملة، مما يجعلها نقطة ضعف حقيقية في البنية التحتية الرقمية. ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد تسببت حوادث سابقة، مثل انجراف سفينة متضررة في منطقة الكابلات، بانقطاعات استمرت لأسابيع.
ولمواجهة هذه التحديات، تبرز الحاجة الملحّة إلى بنية تحتية رقمية متنوعة ومتعددة المسارات، لذلك تتجه شركات الاتصالات بنحو متزايد نحو الاستثمار في مسارات برية جديدة عبر المملكة العربية السعودية، والعراق، وتركيا، والأردن، وسورية، لتوفير مسارات بديلة تتجاوز نقاط الاختناق البحرية وتزيد من مرونة الشبكة.
ونظرًا إلى موقعها الجغرافي الإستراتيجي عند مفترق الطرق بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، تتمتع دولة الإمارات بفرصة فريدة لقيادة هذا التحول في البنية التحتية الرقمية، إذ يعزز استثمارها في كل من الكابلات البحرية والمسارات البرية من دورها كبوابة رقمية موثوقة ومرنة.
ولكن في الوقت الحالي، يجب على سكان الإمارات توقع بطء متقطع في خدمات الإنترنت حتى ينتهي إصلاح الكابلات الدولية في البحر الأحمر.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط