يُعدّ الاتفاق البحري الجديد والمناورات المشتركة بين مصر والمملكة العربية السعودية خطوة استراتيجية هامة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري لمواجهة التهديدات المتصاعدة في مناطق حيوية مثل البحر الأحمر والخليج العربي والبحر المتوسط.
هذا التعاون لا يقتصر على المناورات التقليدية، بل يهدف إلى تأسيس تنسيق عسكري مؤسسي بين القوتين. وتأتي هذه الخطوة في ظل توترات إقليمية متزايدة، لا سيما في البحر الأحمر، الذي يمثل شريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية، وفقًا لموقع المونيتور الأمريكي المتخصص في الشؤون الجيوسياسية.
وتؤكد المناورات البحرية المشتركة، مثل "الموج الأحمر" و"السهم الثاقب"، على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
فمن خلال هذه التدريبات، تسعى القاهرة والرياض إلى توحيد المفاهيم العسكرية، وتبادل الخبرات، ورفع جاهزية قواتهما لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
وقد شملت هذه المناورات تدريبات على مكافحة الهجمات غير التقليدية، وحماية الممرات الملاحية، وتأمين الحدود البحرية، مما يعكس الأهمية المتزايدة لهذه المناطق الاستراتيجية.
كما أن هذا التعاون العسكري يمتد ليشمل أهدافًا أمنية أوسع في المنطقة، مثل التصدي لتهديدات الإرهاب والقرصنة، وضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الحيوية.
ويعكس الاتفاق البحري الجديد بين مصر والسعودية إدراكًا مشتركًا بأن الاستقرار الإقليمي يعتمد بشكل كبير على قوة الردع والتعاون بين الدول الرئيسية في المنطقة.
تعزيز الأمن البحري عبر مجلس الدول المشاطئة
تتجاوز المناورات المشتركة بين مصر والسعودية إطار التعاون الثنائي، حيث تسعى البلدان إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة تابعة لمجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، والذي تأسس عام 2020 بمشاركة مصر والسعودية والأردن واليمن وجيبوتي وإريتريا والصومال.
ووفقًا لمصادر رسمية، تهدف المحادثات الحالية إلى تشكيل دوريات بحرية مشتركة بين القاهرة والرياض، تمثل نواة لتعاون أوسع يهدف إلى حماية حركة الملاحة في البحر الأحمر، خاصة في ظل التوترات المتزايدة الناتجة عن تحركات بعض الدول غير المشاطئة، مثل إثيوبيا، التي تسعى لتأمين منفذ بحري دائم لها عبر اتفاقيات مثيرة للجدل.
مواجهة التحديات الإقليمية المعقدة
تأتي هذه الخطوات في سياق تحديات إقليمية معقدة، حيث يواجه البحر الأحمر تهديدات متنوعة تشمل هجمات الحوثيين على السفن التجارية، والتي أثرت سلبًا على حركة التجارة الدولية.
فعلى سبيل المثال، تسببت هجمات الحوثيين في عام 2023 في تعليق العديد من شركات الشحن الدولية لعملياتها عبر البحر الأحمر، مما دفعها إلى تغيير مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي زاد من تكاليف الشحن وأثر على الاقتصاد العالمي.
كما أن وجود قواعد عسكرية أجنبية في دول مثل جيبوتي والصومال، تابعة لقوى مثل الصين وتركيا والإمارات، يزيد من التنافس الدولي على النفوذ في المنطقة، مما يجعل التعاون المصري السعودي ضرورة استراتيجية لضمان السيطرة الإقليمية على هذا الممر الحيوي.
أبعاد اقتصادية وتنموية
لا يقتصر التعاون بين مصر والسعودية على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى الأبعاد الاقتصادية والتنموية.
فالبحر الأحمر يعد ممرًا حيويًا لنقل النفط الخليجي إلى أوروبا وأمريكا، كما يحتوي على ثروات معدنية بحرية هائلة. وقد أكد خبراء أن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كما حدث في اتفاقية 2016 بشأن جزيرتي تيران وصنافير، يتيح فرصًا للتنقيب عن الموارد في المياه الاقتصادية المصرية والسعودية، مما يعزز من الاستثمارات في هذه المنطقة.
علاوة على ذلك، تدعم مصر والسعودية مشاريع تنموية كبرى مثل مدينة "نيوم" السعودية والمناطق الاقتصادية الخاصة في مصر، والتي تعتمد بشكل كبير على استقرار الملاحة البحرية.
التنسيق الدبلوماسي والدور الإقليمي
يعزز التعاون المصري السعودي أيضًا التنسيق الدبلوماسي في المحافل الإقليمية والدولية، حيث تسعى البلدان إلى تقديم موقف عربي موحد تجاه قضايا أمن البحر الأحمر.
ويظهر ذلك جليًا في دعم مصر لترشيح السعودية لمنصب الأمين العام لمجلس الدول المشاطئة، مما يعكس التزامهما المشترك بتعزيز الاستقرار الإقليمي.
كما أن رفض مصر لوجود دول غير مشاطئة، مثل إثيوبيا، في البحر الأحمر يعكس حرصها على حماية مصالحها القومية، خاصة في ظل التوترات المرتبطة بملف سد النهضة.
هذا التنسيق الدبلوماسي يعزز من قدرة البلدين على مواجهة التدخلات الأجنبية التي تهدد استقرار المنطقة.
وتمثل ثنائية الاتفاق البحري والمناورات المشتركة بين مصر والسعودية خطوة حاسمة نحو تعزيز الأمن الإقليمي في البحر الأحمر والبحر المتوسط.
من خلال توحيد الجهود العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، تسعى القاهرة والرياض إلى بناء إطار مؤسسي يضمن حماية الممرات المائية الحيوية، ومواجهة التحديات المتنامية في المنطقة، مما يعزز من دورهما كقوتين رئيسيتين في تحقيق الاستقرار الإقليمي.