يُعد دمج البطاريات في النقل البحري سلاحًا مثار جدل، ما بين الدعم واسع النطاق من نشطاء البيئة ومؤيدي الأهداف المناخية، والمخاطر والتحديات التي تظهر على الساحة تدريجيًا.
وحتى وقت قريب، كانت البطاريات حلًا مثاليًا للتخلص من الانبعاثات، وروّج مالكو الشركات لها بوصفها "عصا سحرية" لمواكبة أهداف "الكهربة".
وفي القطاع البحري تحديدًا هناك موجة من التوجه لنشر البطاريات على متن السفن وللتزود بالكهرباء على الشاطئ، لكن تقريرًا صادرًا عن هيئة التصنيف والخدمات التي تتخذ من باريس مقرًا لها (بيرو فيريتاس) فجّر مفاجئة صادمة لأصحاب هذه الرؤية.
وسلّط التقرير الضوء على تفاعلات البطاريات مع ارتفاع درجة الحرارة، وتحول بعضها إلى ما يشبه "قنبلة موقوتة"، حسب تفاصيل تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
مخاطر وتحديات
كشف تقرير "بيرو فيريتاس" وجهًا آخر لدمج البطاريات في النقل البحري، وركّز على مخاطر وتحديات تاهت وسط زحام النظر للتقنية بوصفها صديقة للبيئة.
وينطوي استعمال البطاريات على تهديدات عدة؛ منها ما يتعلق بصورة مباشرة باشتراطات السلامة، وأخرى تركز على المشكلات التشغيلية، وثالثة تحذر من ارتباط نشرها بالتفوق الصيني.
وأشار التقرير إلى اندفاع الشركات للتوسع في الصناعة واستعمال البطاريات بريًا وبحريًا، إلى حد وصل إلى إنعاش الأسطول البحري العالمي بنحو 1500 سفينة عاملة بالبطاريات حاليًا، مع الاتجاه لإنشاء مزيد من هذه السفن.

ويتوافق هذا مع اتجاه الحكومات والشركات لتلبية الأهداف المناخية وتحقيق الحياد الكربوني، بخفض انبعاثات المواني.
ولا تقتصر مشكلات البطاريات على استعمالها بحريًا فقط، لكن اللافت للنظر أن محاولة "كهربة" التزود بالإمدادات في البر أيضًا تواجه انتقادات.
ورهن التقرير نجاح الدمج بتحقيق بعض المعايير، مثل: ضمان معايير السلامة، والوصول لقدر من التكامل بين تقنيات النظام، ومراعاة اللوائح التنظيمية.
ورصد التقرير 4 عوامل قد تنسف جدوى دمج البطاريات في القطاع البحري، هي: مخاطر السلامة، والتحديات التشغيلية والبيئية والتنظيمية، والنشر على الشاطئ، والنفوذ الصيني.
مخاطر السلامة
تُعَد مخاطر السلامة عنصرًا رئيسًا ضمن مخاوف دمج البطاريات في النقل البحري، وفق ما نقله موقع ماريتايم جورنال عن التقرير.
1) حرائق البطاريات
تختلف درجة مخاطر حرائق البطاريات حسب نوعها؛ إذ استعرض التقرير أداء كل من: (بطارية الليثيوم أيون، وبطارية ليثيوم فوسفات الحديد، وبطاريات الرصاص الحمضية).
وتسجل بطارية الليثيوم أيون ارتفاعًا في درجة الحرارة يؤدي إلى حالة من الهروب والانفلات الحراري؛ ما يسفر عنه في نهاية الأمر نشوب حرائق أو اشتعال النيران.
ولا تقتصر احتمالات حرائق البطاريات على ارتفاع درجات الحرارة، بل قد ينجم عن عيوب ميكانيكية أو شحن زائد عن الحد.
ويعمّق الأكسجين -المتسرب من التفاعلات داخل البطارية- صعوبات إخماد الحرائق.
وينطوي تشغيل بطاريات الليثيوم فوسفات الحديد على مخاطرة أيضًا؛ إذ تطلق كميات من الهيدروجين لدى ارتفاع درجة حرارتها، كما أنها تحتوي على مواد مذيبة قد تعزز معدلات الاشتعال والاحتراق.
ومقابل ذلك، تكتسب "بطاريات الرصاص الحمضية" أفضلية عن "الليثيوم أيون، وفوسفات الحديد الليثيوم"، حسب رؤية خبير الكيمياء الكهربائية "جورج بريلماير".
وأرجع "بريلماير" هذا إلى "حامضية" التحليل الكهربائي التي تمنع الانفجار، حتى في حالة ارتفاع درجات الحرارة.

2) تسرب الغازات
تعد احتمالات تسرب الغازات السامة والمضرة ثاني أبرز مخاطر السلامة خلال دمج البطاريات في النقل البحري؛ إذ قد تؤدي إلى انفجار البطارية في بعض الحالات، تشمل:
- إطلاق غاز الكلورين السام، حال الاحتكاك بالماء وملامسته.
- إطلاق غازات مثل: (الهيدروجين، وفلوريد الهيدروجين، وأول أكسيد الكربون، ومركبات الفوسفور).
- تكدس الغازات في أماكن مغلقة، والتعامل مع "أنظمة التهوية" بشكل خاطئ يسمح بتسرب الأكسجين وتحفز الحرائق.
- مواجهة الحرائق بأنظمة إخماد غير ملائمة؛ ما يجدد اشتعالها مرة أخرى.
تحديات تشغيلية وبيئية وتنظيمية
لا تقتصر مشكلات دمج البطاريات في النقل البحري على مخاطر السلامة، بل تمتد لبعض التحديات مثل:
تحديات تشغيلية:
1) يؤثر تقادم البطاريات تدريجيًا وتعرضها للتلف إلى تقليص سعتها، ويعزز احتمالات مواجهة أعطال.
2) الإجهاد الميكانيكي للبطاريات المتقادمة، وانخفاض أدائها إثر بعض التفاعلات المخفضة لليثيوم.
3) احتمالات "فشل" البطارية إذ تعطل نظام إدارتها (BMS)، وهو نظام معني بمتابعة درجة الحرارة ومعدل التيار.
4) اختيار مواقع غير ملائمة للتركيب، إذ تتطلب البطاريات مواقع تشغيل مزودة بنظام تبريد ومراقبة ومقاومة للحرائق.
تحديات بيئية:
يصطدم دمج البطاريات في النقل البحري بتحديات بيئية، خاصة فيما يتعلق بإعادة التدوير والتخلص من المخلفات.
وأورد تقرير "بيرو فيريتاس" أن بعض مكونات بطاريات الليثيوم لا يمكن إعادة تدويرها، ما ينعكس سلبًا على الاعتبارات البيئية في تناقض واضح مع هدف نشرها.
وبالإضافة لذلك، هناك معضلة أخرى في مصدر إمدادات الكهرباء المستعملة لشحن البطارية؛ إذ من النادر أن يكون مصدرًا نظيفًا ومتجددًا.
ونجحت النرويج وأميركا في ربط إعادة شحن البطاريات بإمدادات الطاقة الكهرومائية.
ومن شأن هذه المتغيرات أن تثبت في نهاية المطاف ضعف جدوى استعمال البطاريات في النقل البحري وأعمال "الكهربة" وقطاع السيارات، خاصة بطاريات الليثيوم.
تحديات تنظيمية:
يفتقر دمج البطاريات في النقل البحري إلى الإطار التنظيمي الواضح والموحد، وفق معلومات أوردها موقع ماريتايم جورنال.
وتطرق تقرير "بيرو فيريتاس" إلى بعض العراقيل التي تواجهها أهداف الكهربة ونشر البطاريات في المنظومة البحرية.
ويتضمّن ذلك: اختلاف اللوائح الدولية من موقع لآخر، وغياب الإطار الموحد لعملية التصنيف والإرشاد؛ ما يعمّق التحديات التشغيلية.
وفي هذا الإطار اقترح التقرير بعض التوصيات، تضمّنت:
- الحاجة إلى دراسة معمّقة حول "كهربة" النقل البحري.
- تقديم أولوية السلامة والقوانين الموحدة.
- ضرورة التكامل بين الأنظمة والخطط، مثل تحقيق التوافق بين أنظمة إدارة البطاريات على متن السفن، ونظم الإمدادات والتزود بالكهرباء على الشاطئ.
التزود بالكهرباء على الشاطئ
يمكن للسفن والعبّارات العاملة بالبطاريات التزود بالكهرباء من محطات ونقاط إمدادات برية على الشاطئ، ويحدث خلال الرسو في بعض المواني المخصصة لذلك، ما يخفض الانبعاثات ومعدلات التلوث.

ورغم أهمية هذه النقاط، فإنها تشكل ضغطًا على شبكة الكهرباء المحلية، خاصة أن القدرة الإجمالية (القدرة الفعلية بالميغاواط، بالإضافة إلى القدرة المفقودة في التفاعلات) لشحن بطاريات السفن كبيرة الحجم قد تصل إلى 20 ميغا فولت أمبير.
ومن جانب آخر، تختلف ترددات الجهد الكهربائي بين بطاريات السفن ونقاط الشحن البرية؛ إذ تسجل 60 هرتز و50 هرتز على الترتيب.
ويتطلب ذلك تحمل تكلفة استعمال المحولات الكهربائية، والتزامات الصيانة الخاصة بها.
وفي هذا الحالة، تحتاج الدول المتبنية لنقاط التزود بالكهرباء على الشاطئ إلى ضخ استثمارات كبيرة، لتعزيز الشبكة وبحث حلول التخزين؛ ما يضيف على كاهل الحكومات والمطورين أعباء مالية إضافية.
وتشترك نقاط التزود بالكهرباء على الشاطئ مع البطاريات في مخاطر الحرائق، وتعطل أنظمة الإدارة.
النفوذ الصيني
يحمل دمج البطاريات في النقل البحري بُعدًا سياسيًا، بإفساحه المجال لزيادة النفوذ الصيني؛ إذ تحتاج عملية التصنيع والنشر الواسع النطاق إلى تأمين إمدادات معادن نادرة بكميات هائلة تتوافر فقط لدى بكين.
وأورد التقرير أن هناك تحفظًا عالميًا على منح الصين بوابة توريد للمعادن الأرضية النادرة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: