أخبار عاجلة

النفط الإيراني إلى الصين.. خصومات جديدة تواجه المنافسة الروسية وضغط العقوبات (مقال)

النفط الإيراني إلى الصين.. خصومات جديدة تواجه المنافسة الروسية وضغط العقوبات (مقال)
النفط الإيراني إلى الصين.. خصومات جديدة تواجه المنافسة الروسية وضغط العقوبات (مقال)

اقرأ في هذا المقال

  • العقوبات الأميركية الجديدة تستهدف محطات النفط الصينية والمصافي المتعاملة مع تجارة النفط الإيراني
  • موسكو زادت مبيعاتها من النفط الخام المخفّض إلى الصين عقب العقوبات الغربية
  • المنافسة الشديدة من مُصدّري النفط الخام الآخرين، ولا سيما روسيا، تفاقم الضغوط
  • الصين ما تزال تستحوذ على أكثر من 90% من صادرات النفط الإيرانية

شهدت خصومات النفط الإيراني إلى الصين ازديادًا ملحوظًا، وسط ارتفاع مخزونات محطات الاستيراد الصينية والمنافسة الروسية وضغوط العقوبات.

وبلغت خصومات نفط إيران للمشترين الصينيين أعلى مستوياتها منذ سنوات، متجاوزةً 6 دولارات للبرميل دون سعر خام برنت المرجعي لشحنات أكتوبر/تشرين الأول 2025.

ويعود هذا التصعيد إلى ارتفاع مخزونات النفط الخام لمستويات قياسية في مراكز الاستيراد الصينية الرئيسة، خصوصًا في مقاطعة شاندونغ، موطن العديد من مصافي التكرير المستقلة.

وارتفعت الخصومات من نحو 3 دولارات للبرميل في مارس/آذار إلى 5 دولارات في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي، لتتجاوز الآن 6 دولارات.

الخصومات على النفط الإيراني إلى الصين

ارتفعت الخصومات على مبيعات النفط الإيراني إلى الصين نتيجةً لارتفاع مستويات المخزون، وتقييد حصص الاستيراد الحكومية، والعقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف محطات النفط الصينية والمصافي المتعاملة مع تجارة النفط الإيراني.

وعلى الرغم من أن هذه العقوبات تحدّ من الشحنات إلى موانٍ معينة، فقد ارتفعت واردات الصين الإجمالية من النفط الإيراني إلى مستويات لم تشهدها منذ أوائل عام 2025.

إزاء ذلك، تُقدِّم طهران خصومات أكبر على النفط الإيراني إلى الصين للحفاظ على المبيعات وسط تزايد ضغوط العقوبات وقيود الحصص.

ناقلة نفط خام في محطة بمقاطعة تشجيانغ الصينية
ناقلة نفط خام في محطة بمقاطعة تشجيانغ الصينية- الصورة من رويترز

مخزونات النفط الخام غير المسبوقة في الصين

يعود تزايد خصومات النفط الإيراني للمشترين الصينيين جزئيًا إلى مخزونات النفط الخام غير المسبوقة في مراكز الاستيراد الرئيسة بمقاطعة شاندونغ، حيث تتركز مصافي التكرير المستقلة.

وتتقيّد هذه المصافي بحصص الاستيراد التي تفرضها الحكومة، ما يحدّ من قدرتها على المعالجة.

ويُسبّب هذا الفائض في المعروض ضغطًا هبوطيًا على الأسعار، ما يُجبر إيران على تقديم خصومات أكبر للحفاظ على تنافسية وجاذبية نفطها الخام.

بدورها، أدت العقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف محطات النفط الصينية وبعض المصافي التي تتعامل مع النفط الإيراني إلى تعطيل طرق التجارة القائمة.

وتسببت القيود المفروضة على المواني الرئيسة -مثل محطة دونغجياكو في تشينغداو، التي كانت تتعامل سابقًا مع كميات كبيرة من النفط الخام الإيراني- في إعادة توجيه الشحنات إلى منشآت بديلة.

وللتغلب على هذه التحديات اللوجستية والسياسية وضمان استمرار المصافي الصينية في الشراء رغم ارتفاع التكاليف والمخاطر، لجأت طهران إلى تقديم تخفيضات أكبر في الأسعار حافزًا رئيسًا.

المنافسة من مُصدري النفط الخام الآخرين

تُضيف المنافسة الشديدة من مُصدري النفط الخام الآخرين -ولا سيما روسيا- المزيد من الضغوط.

وزادت موسكو مبيعاتها من النفط الخام المخفّض إلى الصين عقب العقوبات الغربية، ما أجبر إيران على مطابقة الأسعار الروسية أو تجاوزها للحفاظ على حصتها السوقية.

وللحفاظ على قدرتها التنافسية في هذه السوق المُشبعة، تعتمد إيران بشكل كبير على أساليب تداول سرّية، بما في ذلك "أسطول ظل" من الناقلات العاملة من دون أجهزة إرسال واستقبال، وإخفاء الشحنات تحت علامات دول ثالثة.

وتُفسر الخصومات النفطية القياسية المُقدمة للمشترين الصينيين، عمومًا، ارتفاع المخزونات الصينية، وقيود حصص الاستيراد، والعقوبات الأميركية، والمنافسة الروسية، وحاجة إيران المُلِحّة للعملة الأجنبية.

العقوبات وواردات الصين من النفط الإيراني

أعادت العقوبات الأميركية تشكيل تدفق النفط الإيراني إلى الصين من خلال استهداف البنية التحتية الرئيسة والحدّ من الطلب بين المصافي الصغيرة.

وقد أدت العقوبات المفروضة على المحطات الرئيسة، مثل منشأة هايجياكو في تشينغداو -التي كانت تعالج ما بين 130 ألفًا و200 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني- إلى قطع طرق الإمداد الحيوية، ما أجبر على إعادة توجيه الشحنات بتكلفة أعلى.

وتواجه المصافي المستقلة، أو ما يُعرف بـ"أباريق الشاي"، قيودًا على الحصص تفرضها بكين، ومخاطر متزايدة في التعامل مع النفط الخاضع للعقوبات.

وقد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع قياسي في المخزونات، وضعف هوامش التكرير، وانخفاض القدرة الشرائية، ما أجبر طهران على تقديم خصومات أكبر للحفاظ على تدفُّق نفطها الخام إلى الصين.

وللتغلب على هذه القيود، يعتمد التجّار الإيرانيون والصينيون على أساليب سرّية، بما في ذلك استعمال "أسطول ظل" من الناقلات العاملة من دون أجهزة إرسال واستقبال، وإعادة تسمية الشحنات الإيرانية على أنها نفط ماليزي لإخفاء منشئها.

مستودعات تخزين النفط على مشارف مدينة شنغهاي في الصين
مستودعات تخزين النفط على مشارف مدينة شنغهاي في الصين- الصورة من بلومبرغ

وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجيات تسمح باستمرار التجارة، فإنها تزيد التكاليف والمخاطر والتقلبات لكلا الجانبين.

نتيجةً لذلك، ورغم أن الصين ما تزال تستحوذ على أكثر من 90% من صادرات النفط الإيرانية، فإن ضغط العقوبات حصرَ التجارة في نموذج غير مستقر قائم على الخصومات.

ومن شأن أيّ تصعيد -سواء من خلال تشديد الإجراءات الأميركية أو احتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة- أن يُحدث صدمات جديدة في الإمدادات، ويزيد التكاليف على بكين.

تداعيات ارتفاع مخزونات النفط الصينية

تؤدي مخزونات النفط الصينية القياسية دورًا محوريًا في تشكيل مسارات السوق العالمية.

فمن خلال استيعاب فائض النفط الخام، تُسهم بكين في دعم الأسعار خلال أوقات فائض العرض، ما يمنع حدوث انخفاضات حادة قد تلي ضعف الطلب في مناطق أخرى.

من ناحية ثانية، يُثير غموض بيانات المخزونات والواردات الصينية حالة من الضبابية لدى المتداولين والمحللين، ما يُغذّي التقلبات في ظل سعي الأسواق للتنبؤ بتحركات بكين التالية.

ويُضخّم هذا الغموض تأثير أنماط الشراء الصينية، ما يجعل حتى التحولات الطفيفة في إستراتيجية التخزين مصدرًا لتقلبات الأسعار العالمية.

إلى جانب استقرار الأسعار، يُسهم التخزين الصيني بإحداث تحولات هيكلية في تدفقات التجارة والسلوك الإستراتيجي.

ويُعزز بناء المخزونات المكثف علاقاتها مع روسيا ومورّدي الشرق الأوسط، ويضغط على تحالف أوبك+ لتكييف إستراتيجياته الإنتاجية.

وتُمثّل الاحتياطيات حاجزًا جيوسياسيًا، يضمن أمن الإمدادات وسط التوترات والاضطرابات، ما يؤثّر في علاوات المخاطر على الأسعار العالمية.

وبالنسبة لصانعي السياسات في أوبك+ والولايات المتحدة، أصبح حجم مخزون الصين عاملًا حاسمًا في تشكيل إستراتيجيات الإنتاج والتصدير.

وتُبرِز هذه العوامل مجتمعةً كيف تُسهم المخزونات الصينية في استقرار أسواق النفط العالمية وتُعقّدها، من خلال الجمع بين دعم الأسعار، وتكيّف التجارة، والتحوط الجيوسياسي.

التداعيات على مفاوضات أوبك

من شأن الخصومات الكبيرة التي تقدمها إيران على النفط، مدفوعةً بالعقوبات والحاجة إلى تأمين إيرادات النقد الأجنبي، أن تُعيد تشكيل مسارات مفاوضات أوبك المستقبلية.

فمن خلال خفض أسعار السوق، تمارس إيران ضغوطًا على أعضاء أوبك الآخرين، الذين يعتمد الكثير منهم على ارتفاع الإيرادات لدعم موازناتهم المحلية.

وقد تدفع إستراتيجية التسعير التنافسية هذه المنتجين الآخرين إلى إعادة تقييم إنتاجهم وأساليب تسعيرهم للحفاظ على حصتهم السوقية.

وفي حال تخفيف العقوبات أو رفعها، فإن قدرة إيران على زيادة صادراتها من مستويات مخفضة ستزيد من تعقيد مداولات أوبك+، ما سيُجبر الأعضاء على النظر في خفض الإنتاج أو فرض حصص أكثر صرامة لاستيعاب العرض الإضافي ومنع انخفاض الأسعار المزعزع للاستقرار.

وإلى جانب الآثار المباشرة في السوق، تُعزز إستراتيجية الخصومات التي تنتهجها إيران موقفها التفاوضي داخل أوبك.

فحتى في ظل العقوبات، تُظهر قدرة طهران على ضخ براميل النفط المخفضة في السوق مرونةً وتعزز مطالبتها بزيادة مخصصات الإنتاج أو تعديلات مواتية للحصص.

وتُؤدي هذه الممارسة إلى ضغط هبوطي على الأسعار عالميًا، ما يُجبر مندوبي أوبك على دراسة مبيعات إيران بعناية.

يضاف إلى ذلك اعتبارات جيوسياسية -لا سيما العلاقات الأميركية الإيرانية وأنظمة العقوبات المتغيرة- تؤثّر في طريقة إدارة صادرات إيران وطريقة توافق -أو اختلاف- آراء أعضاء أوبك في المفاوضات.

وتشير هذه العوامل مجتمعةً إلى أن تخفيضات أسعار النفط الإيرانية ستؤثّر في استقرار الأسعار، وإدارة الإمدادات، والسياسة الداخلية لأوبك ودبلوماسيتها.

مصفاة تكرير مستقلة بمقاطعة شاندونغ في الصين
مصفاة تكرير مستقلة ب مقاطعة شاندونغ في الصين- الصورة من رويترز

العوامل المؤثرة في إستراتيجية تسعير النفط الإيرانية

تعتمد إستراتيجية تسعير النفط الإيرانية أساسًا على الضغوط الجيوسياسية والعقوبات الخارجية. فالعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والصراعات الإقليمية تحدّ من قدرات إيران على تصدير النفط، ما يضطرها إلى تقديم خصومات كبيرة للحفاظ على حضورها في السوق.

وتُشكّل هذه التحديات "ضغوط جيوسياسية" ثابتة تُغذّي تقلبات الأسعار، حيث يطلب المشترون أسعارًا أقل للتعويض عن مخاطر مثل عقبات الدفع، وقيود الشحن، ومخاوف تتعلق بالسمعة.

ونتيجةً لذلك، يتعين على إيران تعديل أسعارها بعناية لجذب المشترين مع التعامل مع الضغوط السياسية، ما يجعل إستراتيجية تسعير النفط لديها ليست مجرد قرار تجاري، بل أداةً حاسمةً للبقاء الاقتصادي والنفوذ الجيوسياسي.

تجدر الإشارة إلى أن الوصول إلى الأسواق والمنافسة يُشكّل نهج التسعير الإيراني.

وبالنظر إلى تقييد قنوات التصدير، تعتمد إيران بشكل كبير على الصين، التي تتمتع بنفوذ كبير بصفتها مشتريةً. ولتأمين عقود طويلة الأجل مع المصافي الصينية، خصوصًا مصافي "إبريق الشاي" المستقلة في شاندونغ، يجب على إيران تقديم أسعار أقل من منافسيها مثل روسيا وغيرها من المنتجين في الشرق الأوسط.

وتؤدي سياسات العرض والطلب العالمية دورًا حاسمًا، حيث تؤثّر التغييرات في حصص إنتاج أوبك+، أو انقطاعات الإمدادات غير المتوقعة، أو التحولات في الطلب الآسيوي مباشرةً في قدرة إيران على تسعير نفطها بشكل تنافسي.

بالإضافة إلى ذلك، تُعقّد التحديات الاقتصادية المحلية والقيود الهيكلية إستراتيجية إيران.

وتُعدّ إيرادات النفط حيوية لموازنة إيران، حيث تؤثّر في التضخم واستقرار العملة والإنفاق العام.

ويدفع هذا الاعتماد طهران إلى إعطاء الأولوية لحجم الصادرات، حتى مع وجود خصومات كبيرة.

وتُضيف المخاطر المرتبطة بنقل النفط عبر مضيق هرمز، إلى جانب ارتفاع تكاليف التأمين والشحن، المزيد من العلاوات التي تؤثّر في صافي التسعير.

وفي هذا الإطار، يحدّ نقص الاستثمار طويل الأمد في البنية التحتية لإنتاج النفط والتكرير من قدرة إيران على زيادة العرض أو تنويع عروضها من النفط الخام، ما يحدّ من مرونتها مقارنة بالدول الأخرى المصدرة للنفط.

تُظهر هذه العوامل الداخلية والخارجية مجتمعةً أن إستراتيجية تسعير النفط الإيرانية تمثّل عملية موازنة معقّدة، حيث تتغلب على العقوبات والمنافسة في السوق العالمية والحاجة إلى الاستقرار الاقتصادي المحلي.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حقول النفط المنتجة قد تُلبي الطلب العالمي حتى 2050 دون اكتشافات كبيرة (تحليل)
التالى مصرع شخص جراء انفجار بخزان هيدروجين في أميركا