باتت صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق مهددة بالفشل، مع رفض الولايات المتحدة مرور الإمدادات عبر إيران، وهي خطوة قد تزيد من معاناة أزمة الكهرباء في بغداد.
ويُعاني العراق صعوبة في توفير الكهرباء لمواطنيه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وأطاح بصدام حسين، مما أجبر الكثيرين على الاعتماد على مولدات خاصة باهظة الثمن، وتسبّب في صعوبات اقتصادية وأثار اضطرابات اجتماعية.
وكان من المقرر أن يصل الغاز التركمانستاني إلى العراق عبر إيران، بموجب صفقة مبادلة الغاز، إذ تتلقى طهران الغاز من عشق آباد وتستعمله في تلبية احتياجات المناطق القريبة منها، وفي المقابل تُزوّد بغداد بالكمية نفسها.
ويأتي الكشف عن تطورات حول فشل الصفقة تأكيدًا لما كتبه مدير تحرير منصة الطاقة المتخصصة عبدالرحمن صلاح في مقال له خلال فبراير/شباط الماضي تحت عنوان "صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق قد تفشل".
وأشار صلاح إلى أن إلغاء دونالد ترمب الإعفاء الأميركي للعراق على واردات الطاقة من إيران، وضع اتفاق الغاز في خطر.
ويهدد الاتفاق بانتهاك العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، ما يتطلّب موافقة واشنطن، التي لم تمنح بغداد هذه الموافقة؛ إذ ضاعفت إدارة الرئيس الأميركي ترامب من حملتها "للضغط الأقصى" على طهران.
الغاز التركمانستاني إلى العراق
سعت بغداد لأشهر للحصول على موافقة واشنطن للسماح لها باستيراد ما يقرب من 5 مليارات متر مكعب من الغاز التركمانستاني إلى العراق عبر إيران.
ووفقًا لمسودة عقد صفقة المبادلة، سعى العراق إلى استيراد 5.025 مليار متر مكعب من الغاز التركمانستاني سنويًا، بتسهيل من الشركة الوطنية الإيرانية للغاز المملوكة للدولة.
وأظهرت وثيقة أن إيران لن تتلقى أي مقابل مالي، لكنها ستحصل على الغاز لتلبية احتياجاتها الخاصة بما لا يزيد على 23% من إجمالي الحجم اليومي القادم من تركمانستان.

كما أظهرت الوثيقة نفسها أن بغداد عرضت السماح لطرف ثالث بمراقبة دولية للإشراف على امتثال الصفقة للعقوبات الأميركية وقواعد مكافحة غسل الأموال، لكن على الرغم من أشهر من الضغط، أدت الاعتراضات الأميركية في النهاية إلى إفشال الصفقة، في ظل تصعيد واشنطن ضغوطها على إيران بشأن خططها النووية.
وعدم الموافقة الأميركية ترك بغداد تواجه صعوبة متزايدة في تحقيق التوازن بين حلفائها الرئيسين في واشنطن وطهران.
وقال مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الكهرباء، عادل كريم: "قد يؤدي المضي قدمًا في صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق إلى فرض عقوبات على المصارف والمؤسسات المالية العراقية؛ لذا فإن العقد معلّق حاليًا".
وقال مصدر أميركي إن إدارة ترمب لن توافق على ترتيبات قد تفيد إيران، على الرغم من أنها تعمل مع العراق لتلبية احتياجاته من الكهرباء.
الغاز الإيراني
اعتمد العراق على واردات الغاز والكهرباء من إيران خلال العقد الماضي، إذ يُغطي الغاز الإيراني ما يقرب من ثلث توليد الكهرباء في العراق، وفي عام 2024، وصلت واردات الغاز إلى 9.5 مليار متر مكعب.
وقال كريم: "إذا فقدنا الغاز الإيراني، فسنواجه مشكلة خطيرة في توليد الكهرباء".
وعلى الرغم من أن العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، فإنه يحرق معظم الغاز الذي ينتجه إلى جانب النفط بسبب نقص الاستثمار ونقص البنية التحتية اللازمة لاستخلاصه ومعالجته.
وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، استخرج العراق 11 مليار متر مكعب فقط من الغاز في عام 2023، التي يمكن استغلالها لتوليد الكهرباء أو لتلبية الاحتياجات الصناعية.
وأوضح كريم أن احتياجات العراق من الغاز تختلف موسميًا، إذ يرتفع الطلب في الصيف إلى نحو 45 مليون متر مكعب يوميًا، وينخفض إلى ما بين 10 و20 مليون متر مكعب يوميًا في بقية الفصول.
العقوبات تُفسد الاتفاق التركماني
في مارس/آذار، أنهت إدارة ترمب إعفاءً من العقوبات كان يسمح للعراق منذ عام 2018 بدفع ثمن الكهرباء الإيرانية، مما حدّ من الواردات.
وقال كريم إن نقص إمدادات الغاز من إيران أدى إلى خسارة نحو 3 آلاف ميغاواط من توليد الكهرباء منذ انتهاء الإعفاءات، ووصول الطلب إلى ذروته في الصيف؛ وهو ما يزيد على 10% من إجمالي الطاقة الإنتاجية للعراق البالغة نحو 28 ألف ميغاواط، ما يكفي للتأثير في نحو 2.5 مليون منزل.

وكشفت وثائق عن أن بغداد كانت تأمل في تنويع مصادرها وتجنّب خطر انتهاك العقوبات من خلال صفقة الغاز التركمانستاني.
وحذّرت وزارة الكهرباء العراقية في رسالة إلى بنك التجارة العراقي المملوك للدولة في 27 مايو/أيار، أي قبل 3 أشهر من انقطاع التيار الكهربائي على مستوى البلاد في أغسطس/آب، من أن الفشل في تأمين الصفقة قد يعرّض قدرة بغداد على دعم محطات الكهرباء العاملة بالغاز خلال ذروة الطلب الصيفي للخطر.
ومع تعثر المسار التركماني، بدأ العراق استكشاف بدائل لسد فجوة احتياجاته من الطاقة، بما في ذلك بناء بنية تحتية لاستيراد الغاز المسال من قطر.
وقال رئيس شركة غاز الجنوب حمزة عبدالباقي، في مارس/آذار، إن العراق سيستأجر محطة عائمة للغاز المسال للتعامل مع الغاز القطري والعماني.
وأضاف أن الحكومة كلّفت وزارة النفط بإيجاد بدائل للغاز الإيراني، إذا قررت الولايات المتحدة تقييده، كما وقّعت البلاد اتفاقيات مع شركات نفط عالمية كبرى، مثل توتال إنرجي وبي بي وشيفرون، خلال العامَيْن الماضيين لتسريع مشروعاتهما في مجال الغاز.
وأعلنت شركة توتال إنرجي الفرنسية العملاقة هذا الأسبوع إطلاق المرحلة الثانية من تطوير حقل أرطاوي العراقي، وهي المراحل النهائية من مشروع بقيمة 27 مليار دولار يهدف إلى تعزيز إنتاج العراق من النفط والغاز والكهرباء.
وفي مارس/آذار، أعلنت شركة بي بي البريطانية أنها حصلت على الموافقة الحكومية النهائية لإعادة تطوير حقول نفط كركوك العراقية العملاقة، مع خطة أولية لإنتاج 3 مليارات برميل من النفط المكافئ.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..