تزداد الحاجة إلى المعادن الحيوية بوصفها أحد عوامل انتقال الطاقة، لتشغيل أكبر عدد ممكن من السيارات الكهربائية، في محاولة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ووفق دراسة حديثة اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فإن الولايات المتحدة قادرة على زيادة إمدادات المعادن الحيوية من خلال استخلاصها بوصفها منتجات ثانوية من المناجم الحالية؛ وهي مواد تُعامل حاليًا بصفتها نفايات.
وكشفت الدراسة -التي أجراها باحثون من جامعة كولورادو للمناجم- عن الكنز الدفين الذي أهدرته عمليات التعدين الأميركية، بما في ذلك كميات هائلة من الليثيوم والكوبالت والغاليوم.
ورغم نجاح استخراجها من الأرض، فإن الدراسة وجدت أن هذه المعادن، والعديد من المعادن الأرضية النادرة الأخرى، يجري التخلص منها؛ لأن المناجم الأميركية ركّزت على مواد أخرى مثل الذهب والنحاس والزنك.
وأشارت الدراسة إلى أن هذه الثروة الطائلة من المعادن الحيوية قد تُغيّر موازين صناعة السيارات الكهربائية بأكملها إلى الأبد، بالإضافة إلى إنهاء الاعتماد الأميركي على الدول الأجنبية التي تُزوّد البلاد حاليًا بهذه المعادن.
مخزون أميركي من المعادن الحيوية
طرحت المؤلفة الرئيسة للدراسة، أستاذة هندسة التعدين في جامعة كولورادو للمناجم، إليزابيث هولي، السؤال الجوهري قائلةً: "نحن لا ننتج سوى عدد قليل من السلع.. السؤال هو: ماذا يوجد أيضًا في تلك الصخور؟".
وتشير إجابة الفريق البحثي إلى مخزون كبير غير مستغل من المعادن الأساسية للبطاريات والألواح الشمسية وغيرها من التقنيات منخفضة الكربون.
حتى المكاسب المتواضعة يُمكن أن تُحدث تأثيرًا هائلًا؛ إذ توصلت الدراسة إلى أن استعادة 1% فقط من المواد الثانوية من شأنها أن "تقلل بشكل كبير" من الاعتماد على الواردات بالنسبة إلى معظم العناصر، وأن استعادة 4% من الليثيوم يمكن أن تعوّض الواردات الحالية بالكامل، وفق ما نقلته منصة "إنترستينغ إنجينيرينغ" (Interesting Engineering).
وكشف الباحثون عن أن استرداد 10% فقط من الكوبالت المُهدر في هذه المناجم يُمكن أن يُلبي الطلب الأميركي كاملًا على بطاريات السيارات الكهربائية.
علاوةً على ذلك، فإن استرداد أقل من 1% من الغرمانيوم من نفايات التعدين يُمكن أن يُلغي الحاجة إلى استيراد هذا المعدن إلى الولايات المتحدة تمامًا.
ولتوضيح ذلك، تُباع نحو 15 مليون سيارة في الولايات المتحدة سنويًا؛ لذا يُمكن لهذه المعادن المُهدرة أن تُوفر بطاريات لجزء كبير من سوق السيارات الكهربائية، سواءً في أميركا أو حول العالم، بحسب ما أفادت به صحيفة "ذا ديلي ميل" (The Daily Mail).
وتأتي هذه النتائج في ظل ضغوط جيوسياسية وسياسية متزايدة لتأمين مصادر محلية؛ إذ تستورد الولايات المتحدة معظم الليثيوم اليوم من أستراليا وتشيلي والصين، في حين يأتي الكوبالت بصفة رئيسة من جمهورية الكونغو الديمقراطية.

نفايات المعادن الحيوية كنز مدفون
تُعرف نفايات المعادن التي فحصها الباحثون، والمعروفة باسم "المخلفات"، بالصخور والمواد المتبقية بعد استخراج عمال المناجم لمنتجها الرئيس، مثل الذهب أو النحاس.
وعادةً ما تُكدس هذه المخلفات وتُخزّن، مما قد يضر بالبيئة إذا لم تُدر بصورة صحيحة.
ووجدت الدراسة، المنشورة في مجلة ساينس (Science)، أن أكوام النفايات هذه تحتوي على عناصر قيّمة، مثل النيوديميوم والإتريوم، يمكن استعادتها واستعمالها في صنع السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والرادارات، والصواريخ.
وطُبّقت الاكتشافات على 54 منجمًا نشطًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك منجم ريد دوغ في ألاسكا، الذي يحتوي على كميات كبيرة من الغرمانيوم، ومنجما ستيلووتر وإيست بولدر في مونتانا، اللذان يُمكنهما توفير إمدادات هائلة من النيكل للبطاريات.
ووفق التفاصيل التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فقد أنشأ الباحثون قاعدة بيانات بكمية المواد المُنتجة سنويًا في مناجم المعادن الأميركية؛ ودمجوا هذه البيانات مع معلومات من هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) ومصادر أخرى تتتبع كميات المعادن الحيوية الموجودة في الصخور المُستخرجة.
وباستعمال نموذج رياضي، قدّروا كمية هذه المعادن القيّمة التي تُستخرج وتُرمى سنويًا في صورة نفايات.
ووفقًا لتقديرات الباحثين، تحتوي نفايات المناجم الأميركية على ما يكفي من الليثيوم سنويًا لتشغيل 10 ملايين سيارة كهربائية، وما يكفي من المنغنيز لتشغيل 99 مليون سيارة؛ وهي أرقام تتجاوز بكثير مستويات الطلب المحلي والواردات الحالية.
ووجدت الدراسة أنه إذا بدأت الولايات المتحدة في استغلال هذا المنجم الذهبي الخفي، فقد تتحول من مستورد للمعادن ينفق مليارات الدولارات على هذه الموارد، إلى مُصدّر يجني مليارات الدولارات، وربما يخلق آلاف الوظائف الجديدة.
عقبات استخراج المعادن من الصخور
في الوقت الذي توجد فيه كميات هائلة من الموارد بالقرب من المناجم الأميركية تنتظر الاستغلال، فقد لاحظ الفريق البحثي أن استخراج المعادن من الصخور العالقة فيها يتطلّب جهدًا كبيرًا.
وأضافت المؤلفة الرئيسة للدراسة، إليزابيث هولي، أن إطلاق عملية تستخرج جميع المعادن من الصخور المتبقية سيكون عملية صعبة ومكلفة.
وقالت هولي: "الأمر أشبه بإزالة الملح من عجينة الخبز.. نحتاج إلى بذل المزيد من الجهود في البحث والتطوير ووضع السياسات، لجعل استخراج هذه المعادن الحيوية مجديًا اقتصاديًا".
ومع ذلك، بمجرد إنشاء هذه العملية، يمكن أن يوفّر استخراج المعادن محليًا فرص عمل جديدة في قطاعات التعدين والمعالجة والصناعات ذات الصلة، مثل إنتاج السيارات الكهربائية.
كما يمكن أن يخفض التكاليف على المصنّعين الأميركيين من خلال توفير وصول محلي أرخص إلى المعادن الحيوية.
وأضافت هولي أن الخطوة التالية هي تحويل الإمكانات الكبيرة إلى خطط لكل منجم على حدة، قائلة: "كان تمويل البحث والتطوير للمعادن الحيوية عشوائيًا بعض الشيء. تسمح ورقتنا البحثية بوضع إستراتيجية".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- المعادن الحيوية غير المُستغلة في الولايات المتحدة، من منصة "إنترستينغ إنجينيرينغ".
- دراسة حول المعادن الحيوية المخفية في الولايات المتحدة، من مجلة "ساينس".
- معلومات إضافية عن الدراسة حول المعادن الحيوية المخفية في الولايات المتحدة، من صحيفة "ذا ديلي ميل".