تأكيد رسمي آخر على كون توفير التمويل لمشاريع تحلية مياه البحر، التي يطمح المغرب إلى تسريع وتيرة تنفيذها، “يبقى أمرا حاسما، خصوصا في ظل بروز المخاطر التجارية كتحد رئيسي”، جرى على لسان مسؤولين مغاربة، بمكناس، مفيدين من جانب آخر بأن “الوقوف على أفضل التقنيات والممارسات الفضلى، وبأقل التكاليف، يستوجب الدخول في شراكات بين المتدخلين العموميين، وفي ما بينهم والفاعلين الأجانب”.
وتمت الإشارة، خلال ندوة قاربت “تحلية مياه البحر: رافعة أساسية لتقوية صمود الفلاحة المسقية”، ضمن فعاليات اليوم الأول من النسخة 17 من المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، إلى “استمرار تزايد الطلب من قبل الفلاحين على مياه البحر المحلاة، خصوصا بجهة سوس ماسة؛ حيث فاق 18 ألف هكتار بالمنطقة، رغم تكلفتها المرتفعة؛ ما دفع في نهاية المطاف إلى إطلاق أشغال توسيع المحطة”.
“التمويل حاسم”
مريم الرايحي، مديرة قطب التنمية بصندوق الإيداع والتدبير، أكدت أن “مسألة تمويل مشاريع تحلية مياه البحر حاسمة، خصوصا في ظل كون برنامج الاستثمار في هذا الصدد حاسما”، موضحة أن “مشاريع البنية التحتية تتطلب رؤوس أموال ثقيلة، وعادة ما يتم تنظيمها بشكل عام في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص”.
ولفتت الرايحي، في مداخلتها، حول “نماذج تمويل مشاريع تحلية المياه”، إلى أن “أحد التحديات الرئيسية في هيكلة مشاريع تحلية مياه البحر هو الخطر التجاري”، موردة: “أثناء عملية الهيكلة نقوم عادة بتأمين ما تسمى اتفاقية الشراء؛ بحيث يلتزم الزبون بشراء منتجاتنا بكمية محددة وسعر محدد طوال مدة المشروع”.
وأردفت المسؤولة عينها بأن “هذا الالتزام يساعد في تأمين واستدامة إيرادات محطة التحلية؛ ما يطمئن المستثمرين عادة”، بتعبيرها، لافتة إلى أن “هيكلة تمويل مشاريع تحلية مياه البحر تخفف من مخاطر ائتمان الطرف المقابل، ما يطمئن البنوك والممولين عموما، ويجذبهم لتمويل هذا النوع من المشاريع الاستثمارية”.
تحديات قائمة
في المقابل أبرزت المتحدّثة عينها، بشأن التحديات المستقبلية المطروحة في هذا الصدد، أنه “مع التوجه نحو محطات تحلية متوسطة الحجم يصبح تأمين عقود الشراء أمرا بالغ الأهمية، كما أن اختيار الطرف المشتري ذي الجدارة الائتمانية العالية يبقى حاسما”.
على صعيد متصل أشار أحمد زنيبر، المدير العام لشركة “OCP Green Water”، التابعة لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، إلى أن التمويل الذي تم توفيره بشراكة مع صندوق الإيداع والتدبير، بقيمة 6 مليارات درهم، لتنفيذ مشاريع تحلية مياه البحر، يترجم الإرادة المشتركة للشركة وصندوق الإيداع والتدبير CDG.
وأشار زنيبر، في مداخلته التي قاربت تجربة الشركة في تحلية مياه البحر، إلى أنها “عملت على إطلاق مبادرات مستهدفة للتوظيف والابتكار (..)، فضلا عن التقاط أفضل التقنيات والممارسات المتطورة في عملية بناء أفضل محطات تحلية مياه البحر”، مشددا على أن الهدف النهائي من كل هذه الخطوات هو الحصول على أفضل العروض وأكثرها ملاءمة من حيث التكاليف والمواعيد النهائية لصالح لجميع المستهلكين، وخاصة لصالح المزارعين والفاعلين في المجال الفلاحي.
طلب كبير
من جانبه استحضر نور الدين كسا، المدير الجهوي للتنمية الفلاحية بسوس ماسة، أن “نسبة امتلاء السدود بالجهة لا تتجاوز 8 في المائة، إذ كان معدل الأمطار خلال السنوات السبع الأخيرة 100 ملم فقط؛ بينما المعدل الطبيعي للمنطقة هو 250 ملم”، مستدركا بأنه “رغم هذه التحديات تتميز المنطقة بقطاع فلاحي قوي ومنظم، إذ تنتج محاصيل خضراوات ذات جودة عالية، خاصة الطماطم التي تصل إنتاجيتها إلى 300 طن للهكتار في البيوت المحمية”.
وأوضح كسا، في مداخلته التي قاربت “تحلية مياه البحر والإدارة المشتركة للموارد المائية: حالة مشروع شتوكة”، أن “هذا النجاح الزراعي كان مهددا بسبب نضوب المياه الجوفية، إذ وصل العجز المائي إلى 90 مليون م3 سنويا”، مفيدا بأنه “لذلك كان اللجوء إلى تحلية مياه البحر حلا ضروريا لحماية القطاع الفلاحي الذي يوفر 200 ألف فرصة عمل”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “المشروع المذكور ساهم في حماية الموارد المائية واستدامة القطاع الزراعي في المنطقة”، موضحا أن “هناك طلبا كبيرا على المياه المحلاة رغم أن سعرها يبلغ 5.1 درهم، في حين أن سعر المياه العمومية التي يتم توزيعها لا يتجاوز 1.1 درهم؛ أي خمسة أضعاف سعر مياه التحلية”.
ووضّح المسؤول نفسه أنه “بينما كان المشروع يستهدف فقط 13 ألفا و400 هكتار فإن الطلب الفعلي بلغ 18 ألف هكتار”، مردفا: “هذا الطلب المتزايد دفع إلى دراسة توسعة المشروع؛ إذ نعمل حاليا على إتمام الاتفاقية ونخطط لإنهاء الأشغال خلال 18 شهرا”.