في اكتشاف علمي نادر، عثر فريق من الباحثين المغاربة والدوليين على ثلاث أسنان متحجرة لديناصورات عملاقة من فصيلة “التورياسور”، وذلك قرب مدينة بولمان الواقعة بالأطلس المتوسط. ويُقدّر عمر هذه الأسنان بحوالي 168 مليون سنة، ما يجعلها أقدم دليل معروف على وجود هذه الفصيلة من الديناصورات في القارة الإفريقية حتى اليوم.
وتم نشر تفاصيل هذا الاكتشاف يوم 7 غشت 2025 في المجلة العلمية الدولية Acta Palaeontologica Polonica، ضمن دراسة شارك فيها باحثون من جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، والمتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي بلندن، ومتحف ميامي للعلوم بالولايات المتحدة. ويُعدّ هذا العمل ثمرة تعاون علمي طويل الأمد يجمع بين فرق بحثية متخصصة في علم الحفريات من ثلاث قارات.
الأسنان الثلاث التي تم العثور عليها تختلف في أطوالها بين 53 و71 ميليمترًا، وتتميز بتاج عريض يشبه شكل القلب، وهي سمة معروفة لدى ديناصورات التورياسور، وهي مجموعة من الديناصورات العملاقة العاشبة، التي كانت تملك أعناقًا طويلة وأجسامًا ضخمة، لكنها تختلف عن الصوروبودات “الحديثة” المعروفة مثل البراكيوصور والدبلودوكس.
ورغم أن هذه الأسنان تشبه في مظهرها تلك المعروفة لدى نوع Turiasaurus riodevensis الذي تم اكتشافه سابقًا في إسبانيا، إلا أن الفريق العلمي لاحظ بعض الفروق الدقيقة، من بينها غياب البروزات المستديرة على سطح التاج، وظهور حافة طولية حادة. هذه الخصائص قد تشير إلى أن الأسنان تعود إلى نوع جديد غير معروف من قبل، أو إلى فرع تطوري مبكر ضمن مجموعة التورياسور.
الدكتور كاري وودراف، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، أوضح أن هذا الاكتشاف يساعد على ملء فجوة مهمة في سجل الديناصورات بالقارة الإفريقية، وخاصة خلال العصر الجوراسي، وهي فترة لا تزال معرفتنا عنها محدودة مقارنة بعصور أخرى.
وأضاف أن وجود هذه الفصيلة من الديناصورات في المغرب خلال هذه المرحلة الزمنية يدل على أنها كانت منتشرة في مناطق شاسعة من العالم القديم، وتحديدًا في القارتين الأسطوريتين “لوراسيا” و”غوندوانا”، ما يعزز فرضية تنقل الديناصورات بين الكتل القارية قبل انفصالها.
تم العثور على هذه الأسنان في سهل بولحفة، جنوب مدينة بولمان، بعد فيضانات موسمية أدت إلى تعرية الطبقات الرسوبية القديمة، وكشفت عن جزء من الطبقة الصخرية الجوراسية. ويُعتقد أن هناك بقايا عظمية إضافية في الموقع، إلا أنها ما تزال مدفونة تحت أمتار من الرواسب، الأمر الذي يتطلب معدات وتقنيات تنقيب متقدمة للوصول إليها.
ويُعدّ تكوين “إلمرس III” حيث جرى الاكتشاف من أبرز المواقع الجيولوجية في شمال إفريقيا، وقد سبق أن شهد اكتشافات نوعية، من بينها بقايا الديناصور المدرع Spicomellus afer، الذي يُعدّ أقدم ديناصور من نوع “أنكيلوصور” في العالم، بالإضافة إلى نوعين من الديناصورات المدرعة المعروفة بصفائحها العظمية هما Adratiklit boulahfa وThyreosaurus atlasicus. كما أُبلغ سابقًا عن بقايا ديناصورات من طيريات الورك، ما يشير إلى تنوع حيوي لافت خلال تلك الحقبة في المنطقة.
ويجمع العلماء على أن الأطلس المتوسط، بما يحتويه من طبقات رسوبية محفوظة جيدًا، يُمثل خزانًا علميًا ثمينًا يمكن أن يسلّط الضوء على الحياة القديمة التي كانت سائدة في شمال إفريقيا قبل ملايين السنين. كما أن كل اكتشاف جديد في هذه المنطقة لا يساهم فقط في رسم صورة أوضح لتاريخ الديناصورات في إفريقيا، بل يساعد أيضًا في فهم ديناميات الهجرة والتوزع الجغرافي لهذه الكائنات الضخمة على مستوى العالم.
ويأمل الباحثون أن تُمهّد هذه النتائج الطريق أمام مزيد من الأبحاث الميدانية، وأن تثير اهتمام المؤسسات العلمية والجامعات المغربية لتعزيز برامج التنقيب والدراسات الحفرية، بما يُسهم في إبراز الغنى الطبيعي والجيولوجي للمغرب، وترسيخ موقعه ضمن الخارطة العالمية لعلم الحفريات.