
حين يتحدث نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، عن “تسليم لبنان لإسرائيل” لأن الحزب مهدد بفقدان سلاحه، فهو يقلب المعادلة رأسًا على عقب. لبنان ليس قطعة أرض ورثها حزب الله ليحميها كما يشاء، ولا هو مزرعة يقرر مصيرها أمين عام أو مجلس شورى في الضاحية الجنوبية لبيروت. الدولة هي صاحبة القرار في الحرب والسلم، وأي سلاح خارج شرعيتها هو بالضرورة سلاح خارج الإجماع الوطني، مهما تلون بشعارات المقاومة.
المفارقة أن من يرفع شعار “لن نسلم سلاحنا لأن الاحتلال قائم” هو نفسه من يفتح الجبهة اللبنانية لحسابات إيرانية، ويجعل الحدود الجنوبية رهينة رسائل تفاوض إقليمية. السلاح الذي يفترض أنه لحماية لبنان، صار وسيلة لجره إلى مواجهات لم يقررها شعبه، ولتعطيل اقتصاده، ولعزل سياسته الخارجية عن الإجماع العربي والدولي.
حزب الله يريد للبنانيين أن يصدقوا أن إسقاط وصايته المسلحة هو دعوة للحرب الأهلية، وكأن الاستقرار ممكن تحت تهديد ميليشيا تحتكر القوة وتقرر متى تشتعل الجبهات. الحقيقة أن التهديد بالحرب الأهلية هو اعتراف صريح بأن السلاح لم يعد “دفاعًا عن الوطن” بل ورقة ابتزاز داخلي.
إن من يتهم حكومة نواف سلام بتنفيذ “المشروع الإسرائيلي–الأمريكي” لمجرد أنها تحاول إعادة احتكار السلاح بيد مؤسسات الدولة اللبنانية، عليه أن يفسر كيف أن استمرار وجود سلاحه، خارج أي محاسبة أو ضوابط، منح إسرائيل ذريعة دائمة لضرب لبنان، وأبقى البلد في حالة حرب دائمة معلّقة، تنهش اقتصاده وتبدد طاقاته.
المقاومة الحقيقية اليوم ليست في الاحتفاظ بترسانة خارج الدولة اللبنانية، بل في بناء دولة قوية قادرة على مواجهة إسرائيل بالقرار السياسي الموحد، والدبلوماسية الفاعلة، والتحالفات المشروعة. أما الإصرار على أن لبنان لا يُحمى إلا عبر “المعركة الكربلائية” التي يتوعد بها قاسم، فهو استمرار لرهان على مشروع طائفي عابر للحدود، لا على مشروع وطني جامع.
لبنان لن يُسلَّم إلى إسرائيل إذا أُعيد السلاح إلى مؤسسات الدولة، لكنه بالتأكيد يُسلَّم إلى المجهول إذا بقي رهينة بندقية حزب الله.