قال الدكتور عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إن نظام البكالوريا يختلف جذريًا عن نظام الثانوية العامة القديم، ليس فقط في الهيكل، وإنما في الفلسفة التي يقوم عليها، مشيرًا إلى أن البكالوريا تمثل نقلة نوعية في منظومة التعليم الثانوي بمصر.
وأوضح في تصريحاته أن البكالوريا في جوهرها مسار اختياري، يتيح للطالب منذ البداية أن يختار بين الاستمرار في النظام التقليدي أو الالتحاق بمنظومة البكالوريا، ما يمثل أول مظاهر المرونة التي يتيحها هذا النظام، والتي تمتد لاحقًا لتشمل اختيارات داخلية متعددة.
وأضاف: "الطالب داخل البكالوريا يمر بثلاث مراحل من الاختيار؛ أولًا يقرر دخول النظام نفسه، ثم يختار أحد أربعة مسارات رئيسية هي: مسار الطب وعلوم الحياة، مسار الهندسة وعلوم الحاسب، مسار إدارة الأعمال، ومسار الآداب والفنون، ثم يُمنح في الصف الثاني الثانوي حرية اختيار مادة من مادتين اختياريتين داخل المسار ذاته".
وأكد أن هذه التركيبة تمنح الطالب مساحة واسعة من حرية اتخاذ القرار الأكاديمي وفقًا لقدراته واهتماماته، وهو ما يُعد تطبيقًا حقيقيًا لمبدأ التنوع والمرونة الموجود في أنظمة التعليم الدولية، والتي تقوم على تعدد المسارات وتنوع أدوات التقييم.
وتابع: "في نظام البكالوريا، يمكن للطالب دخول الامتحان مرتين في كل من الصفين الثاني والثالث الثانوي، بهدف تحسين مستواه، وقد تم تخفيض رسوم التحسين من 500 جنيه إلى 200 جنيه للمادة، بقرار من مجلس النواب"، لافتًا إلى أن هذه الخطوة تعكس استجابة الدولة لمطالب الطلاب وأولياء الأمور.
وأشار د. حجازي إلى ميزة فريدة أخرى في البكالوريا، وهي إمكانية تعديل المسار التعليمي، قائلًا: "لو طالب التحق مثلًا بمسار الطب وعلوم الحياة، ثم وجد أنه غير ملائم له أو لم يعد مهتمًا بالالتحاق بكلياته، يمكنه لاحقًا دراسة مسار آخر، كالهندسة مثلًا، والتقدم لكليات تتبع ذلك المسار، وده غير متاح في النظام القديم اللي بيحصر الطالب في اختيارات محدودة بناءً على الشعبة فقط".
ونوّه بأن البكالوريا تتفوق أيضًا في تنظيم المحتوى الدراسي، حيث تم تخفيف الحمل الزائد الموجود في الثانوية القديمة، وجرى التركيز على مواد تتسق مع المسار المختار، دون إرهاق الطالب بمواد لا ترتبط بتخصصه المستقبلي.
وعن تطور النظام، أوضح حجازي أن النسخة الحالية من البكالوريا مختلفة تمامًا عما تم طرحه في البداية، قائلًا: "النظام تم تعديله أكثر من مرة، بناءً على ملاحظاتنا كخبراء في الإعلام، وأخرى جاءت من جلسات الحوار المجتمعي، إلى جانب المناقشات داخل البرلمان، حتى وصلنا إلى صورة نهائية أكثر قبولًا وملاءمة للطلاب واحتياجاتهم".
وفيما يتعلق بفرص الالتحاق بالجامعات، أكد أن تصور البعض بأن كل مسار مغلق على كليات بعينها غير دقيق، موضحًا أن وزارة التربية والتعليم أتاحت فرصًا واسعة داخل كل مسار، وقال: "طالب مسار الطب مثلًا، لو لم يُوفق في دخول طب أو صيدلة، يقدر يتجه لكليات زي الزراعة أو الآثار أو الحقوق، يعني فيه كليات مرتبطة مباشرة بالمسار، وفيه كمان كليات مفتوحة لجميع المسارات زي ما كان حاصل في النظام القديم".
وردًا على سؤال حول مدى ارتباط اختيارات الطالب بميوله أو بقدراته، شدد الدكتور عاصم حجازي على ضرورة الربط بين الاثنين، موضحًا أن الواقع الحالي يشهد كثيرًا من الاختيارات العشوائية أو المبنية على الميول فقط، دون النظر لقدرات الطالب الأكاديمية، وهو ما ينبغي تغييره. وتابع: "لا بد من قراءة موضوعية لنتائج الطالب، ومعرفة نقاط تميزه، وتوجيهه لمسار يتناسب مع تفوقه الحقيقي".
وعن تكافؤ الفرص بين طلاب البكالوريا وطلاب النظام القديم، أكد أن هذا الجانب مضمون، موضحًا أن النظام المصري يضم بالفعل أنظمة متعددة مثل الـIG، والأمريكان، والثانوية العامة، ومدارس المتفوقين، وكل نظام منها له نسبة محددة في التنسيق الجامعي بناءً على عدد طلابه، ومن ثم فإن البكالوريا ستندرج ضمن هذه المعادلة العادلة دون أن يؤثر أي نظام على الآخر.
وأضاف: "حتى داخل نظام البكالوريا نفسه، إذا الطالب لم يجد كلية مناسبة في مساره، يمكنه تغيير المسار نفسه، والالتحاق بكليات مسار آخر، وبالتالي هناك مرونة كبيرة واستيعاب لتغير الاهتمامات والطموحات".
وحول أبرز التحديات التي تواجه تطبيق النظام الجديد، أشار إلى أن التحديات الأساسية تتمثل في إتاحة الأماكن داخل المدارس، وتدريب وتأهيل المعلمين، إضافة إلى ضرورة وجود معلمين متخصصين في تدريس مناهج البكالوريا، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن وزارة التربية والتعليم بدأت فعليًا دراسة هذه التحديات وتوفير حلول عملية لها، وعلى رأسها تدريب الكوادر التعليمية على النظام الجديد.
كما أكد أن المعلمين في مصر يمتلكون قاعدة معرفية قوية، والتغيير الذي يطرأ في مناهج البكالوريا ليس جوهريًا إلى درجة الإرباك، وإنما يتطلب فقط الاطلاع على المناهج الجديدة، ومعرفة طرق التدريس المناسبة لها، وهو أمر جارٍ العمل عليه حاليًا.
وعن مدى جاهزية الجامعات لاستقبال خريجي نظام البكالوريا، أوضح أن الجامعات سواء الحكومية أو الأهلية أو التكنولوجية مستعدة لاستقبال الطلاب من النظامين، وأن الفرق فقط سيكون في الكليات الخاصة بكل مسار. وقال: "زي ما كنا زمان بنقسم الثانوية لعلمي علوم وعلمي رياضة وأدبي، دلوقتي عندنا أربع مسارات بدل تلاتة، وكل مسار ليه كلياته الخاصة، لكن في نفس الوقت فيه عدد كبير من الكليات متاحة لكل المسارات، زي كليات الحقوق، والآداب، وغيرها".
واختتم الدكتور عاصم حجازي حديثه بالتأكيد على أن نظام البكالوريا يقدم تصورًا حديثًا وشاملًا للتعليم الثانوي في مصر، يتمتع بمرونة وواقعية تواكب أنظمة التعليم العالمية