اعتاد الناس أن يرددوا، كلما طُرح اسم جديد أو فكرة غير مألوفة "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش".. مثل شعبي عتيق، تحول من حكمة إلى حصن منيع ضد التغيير.. وفي الكرة، كما في الحياة، استخدام هذا المثل كستار للركود، ودرع يُشهر في وجه كل محاولة للخروج عن المألوف.
ومع كل موسم جديد، كانت الأندية تسير في نفس الطريق، بنفس الخطى، ونفس الوجوه، كأن التكرار أمان، والمغامرة لعنة، لكن.. حتى المثل الشعبي، أحيانًا، يحتاج أن يُختبر من جديد. لأن ما نعرفه، وإن كان آمنًا، قد لا يكون الأفضل.. وقد لا يقود إلى أي جديد.
منذ أعوام، اعتدنا أن يبدأ الدوري المصري كما ينتهي.. نفس المقاعد، نفس الأسماء، ونفس الوجوه التي تأخذ نفس الصورة، ثم تدور في ذات الدائرة.. "زي لعبة الكراسي الموسيقية، بس الكراسي متثبتة واللعبة محفوظة".. لكن شيئًا ما اختلف في "موسم صيد المدربين" هذا الموسم.
ربما لم تتغير الملاعب، ولم تُطل علينا الإنارة من زوايا جديدة، لكن مقاعد الأجهزة الفنية اهتزت. وأخيرًا.. تنفست جماهير الكرة المصرية شيئًا من التجديد، ولامست أطراف الأمل في أن يُولد فكر مختلف، أن يُروى الملعب بأفكار جديدة، لا مجرد سيرة ذاتية محنطة.
الاسم الأهم جاء من العاصمة الحمراء.. الأهلي اختار الإسباني خوسيه ريبيرو، في مغامرة أوروبية جديدة تحمل ملامح العقل والتحليل والضغط العالي.. في الضفة الأخرى، بيراميدز وثق في الكرواتي كرونسلاف يورتشيتش، ليكمل مشروعًا بدأه بخطى ثابتة نحو القمة.
أما الزمالك، فسلّم راية القيادة للبلجيكي يانيك فيريرا، رجل يؤمن بـ "التنظيم أكثر من الأسماء"، ويبحث عن صناعة فريق لا ينهار مع أول أزمة، ولا يتغير لونه مع كل هزيمة.
الدوري المصري يُغير جلده
لكن الحكاية ليست في القمة وحدها، بل في ذلك الحراك المفاجئ الذي اجتاح الوسط وجدول المنتصف وقاع التحدي.
محمد شوقي، نجم الأهلي السابق، يدخل معمعة الدوري مع فريق زد بشجاعة من يقرر "يكمل المعركة بالسيف اللي صقله بنفسه"، يترك التحليل والتدريب خلف الكواليس ليقف تحت الأضواء، قائدًا لا محللًا.
طارق مصطفى يعود من التجربة المغربية إلى البنك الأهلي، بعقل يوازن بين الواقعية والحلم.. وأحمد خطاب مع فاركو، ومحمد مكي مع المقاولون، وأحمد عبد العزيز مع سموحة.. أسماء تدخل حلبة الكبار لأول مرة.
محمد الشيخ يقود وادي دجلة، ورضا شحاتة يظهر مع كهرباء الإسماعيلية، وكل منهما يملك طموحًا قد يفوق ميزانية ناديه، لكن الطموح لا يُقاس بحجم الدولاب، بل بحدة العين على الخط.
أما التجارب العربية، فهي إضافة فنية تستحق التوقف.. التونسي نبيل الكوكي في المصري، والجزائري ميلود حمدي في الإسماعيلي.. فكرتان مختلفتان في مدرستين قريبتين جغرافيًا، لكن متباعدتين في أسلوب اللعب والتحضير الذهني.
وهناك الهادئون أصحاب الخبرات.. علي ماهر مع سيراميكا، سيد عيد مع بتروجيت، عبد الحميد بسيوني مع الحرس، هيثم شعبان مع الطلائع، مجدي عبد العاطي مع مودرن سبورت.. وجوه اكتسبت خبرة الدوري، لكنها الآن أمام تحدٍ أكبر.
في النهاية، الموسم سينطلق، وها هو الدوري يفتح أبوابه، لا فقط للكرة والنتائج، بل للتفكير، للتغيير، ولوجوهٍ تستحق فرصتها، أتمنى أن تكون في كل شيء “تصوير - إخراج - تحكيم - إعلام - الخ”.. ليس مقاعد المدربين فقط.
لأول مرة منذ سنوات، يبدو أن الأندية بدأت تفكر قبل أن تختار، وتُغامر دون أن تُقامر، وتؤمن أن "الاسم مش كل حاجة… الأهم هو المشروع، والقدرة على الإدارة وسط النار".. فهل تنجح هذه الوجوه الجديدة؟ وهل نرى فكرًا مختلفًا يتسلل بين خطوط التماس؟
التغيير، وإن بدا مُقلقًا في أوله، كثيرًا ما يكون بابًا لما هو أفضل.. فالجديد، غالبًا، لا يملك رفاهية التكرار، بل يحمل في قلبه شغفًا لصناعة الفرق، وإثبات الذات، وكسر القوالب القديمة. ولعل ما نشهده اليوم من تحول في اختيارات الأندية ليس مجرد تبديل أسماء، بل بداية لفكر مختلف.. فهل يكون هذا التغيير خطوة شجاعة نحو المستقبل، أم لحظة حماس عابرة سرعان ما يعود بعدها المثل الشعبي ليحكم المشهد من جديد؟
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.