في ظل التوجّه العالمي نحو التوسع في مصادر الطاقة المتجددة لخفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني، تبرز الحاجة إلى حلول علمية دقيقة تُمكّن الشبكات الكهربائية من استيعاب مصادر الطاقة المتجددة بكفاءة عالية.
وتتزايد أهمية هذه الحلول في الدول النامية التي تشهد توسعات عمرانية ونموًا في الطلب على الطاقة مثل مصر.
في هذا الإطار، قدّم الباحث المصري ومدير الإدارة العامة لمشروعات كفاءة الطاقة والتغيرات المناخية بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المهندس محمد فرحات، رسالة دكتوراه متميزة لقسم هندسة القوى والآلات الكهربائية في كلية الهندسة بجامعة عين شمس، وحصلت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وأُنجزت الرسالة -التي حملت عنوان "التدفق الأمثل للقدرة الكهربية مع مراعاة عدم اليقين لمصادر الطاقة المتجددة والحمل المتغير مع الزمن"- بإشراف الأستاذ في قسم هندسة القوى والآلات الكهربية بجامعة عين شمس الدكتور المعتز يوسف عبدالعزيز، والأستاذ في كلية الهندسة بجامعة أسوان الدكتور صلاح محمد كامل.
تحوُّل جوهري
تأتي هذه الرسالة في وقت يشهد فيه قطاع الطاقة في مصر تحولًا جوهريًا، تَمثّل في عملية فصل الشركة المصرية لنقل الكهرباء عن الشركة القابضة لكهرباء مصر، بما يتوافق مع قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015.
ويهدف هذا الفصل إلى ضمان الحياد في إدارة الشبكة القومية، وتعزيز الشفافية والحياد التنافسي بين المنتجين والمستهلكين، خاصة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة.
ويُعدّ هذا الإجراء إحدى الركائز الأساسية في خطة الدولة لإنشاء سوق كهرباء تنافسية، تسمح بتعدُّد المنتجين والمشترين، وتمنح المستثمرين فرصًا أكبر لبيع الطاقة مباشرة للمستهلكين، أو من خلال منصات تداول منظّم.
وفي هذا السياق، تُوفّر النماذج المتقدمة التي طوّرتها الرسالة أدوات عملية لدعم هذا التحول، من خلال تحسين آليات تشغيل الشبكة الوطنية، وتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات الإنتاج المتجدد والأسعار.
استيعاب نسب الطاقة المتجددة
أشار المشرف الرئيس على الرسالة الدكتور المعتز يوسف -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن مخرجات هذه الرسالة تتّسق مع أهداف إستراتيجية الطاقة المستدامة والمتكاملة 2035، التي تستهدف رفع مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء إلى 42% بحلول عام 2030، و65% بحلول عام 2040.
كما لفت إلى أن الوصول لهذه النسب يتطلب دراسات تشغيل متقدمة وخوارزميات ذكية لضمان دمج آمن لمصادر الطاقة المتجددة بالشبكة، مع الحفاظ على جودة التغذية الكهربائية واستقرار الجهد والتردد.
وأوضح يوسف أن الباحث قدَّم نموذجًا رياضيًا متقدّمًا لحلّ "مشكلة التدفق الأمثل للطاقة (OPF)، مع مراعاة عدم موثوقية طاقتَي الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية، وكذلك التغيرات الزمنية للأحمال.
وأجرى الباحث هذه الدراسة عبر نماذج إحصائية دقيقة هي: توزيع Weibull لطاقة الرياح وتوزيع Lognormal للطاقة الشمسية، وتوزيع Gumbel للطاقة الكهرومائية، إلى جانب توزيع طبيعي للأحمال.
حلول واقعية
تميزت الدراسة بتوظيف باقة من الخوارزميات الذكية والمعدّلة حديثًا في مجال البحث الأمثل، أبرزها خوارزمية البحث عن قنديل البحر (JS) وخوارزمية قوالب الوحل المُحسَّنة (ESMA) وخوارزمية المفترسات البحرية (MPA) و خوارزمية أمثَلة التدرج (GBO).
واختبر الباحث هذه الخوارزميات على شبكات اختبارات قياسية (IEEE 30 و57 IEEE)، بعد تعديلها لتُمثّل الظروف الواقعية في وجود محطات طاقتي الشمس والرياح والطاقة الكهرومائية.
وأظهرت النتائج أن الخوارزميات المطوّرة تفوقت بوضوح في تقليل التكلفة الكلية لتوليد الكهرباء، وخفض الانبعاثات، وتحسين الجهد، وتقليل الفقد.
نتائج علمية
قال الدكتور المعتز يوسف -خلال تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة-، إن التجارب الحاسوبية التي أُجريت باستعمال برنامج MATLAB قد أظهرت نتائج أبرزها خفض تكلفة التوليد الكلية بنسبة تجاوزت 7% في بعض الحالات مقارنة بالخوارزميات التقليدية.
وأسهمت التقنية الجديدة في تحسين مستويات الجهد الكهربي وتقليل الفقد في الشبكة وخفض الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى تحقيق موثوقية عالية للشبكة في ظل ظروف التشغيل المتغيرة.
وكشفت النتائج تفوّقًا ملحوظًا للخوارزميات المطورة على الخوارزميات التقليدية من حيث السرعة والدقة.
كما أظهرت الدراسة أهمية إضافة التكلفة الاحتياطية وتكلفة العقوبة المرتبطة بالتوليد من مصادر الطاقة المتجددة إلى التكلفة الإجمالية لتوليد الكهرباء، وكذلك ضريبة الكربون لتشجيع المستثمرين على الاعتماد على التوليد من مصادر الطاقة المتجددة.
رؤية مستقبلية
أوصت نتائج الدراسة بدمج النماذج والخوارزميات المطورة في: التحكم الذكي بالشبكة القومية، وأنظمة إدارة الأحمال والطاقة في ظل سوق تنافسية.
كما توسعت الدراسة -التي طبّقت النماذج على شبكة الكهرباء المصرية بدلًا من شبكات IEEE القياسية- لتشمل السيارات الكهربائية والتخزين الهجين.
وأثمرت الرسالة نشر 7 أبحاث محكّمة في مجلات دولية بدور نشر عالمية مثل IEEE ، Springer) ، وMDPI، في حين كُرِّم الباحث من قبل قيادات وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة على المجهود المبذول في الرسالة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
