فتحت التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش المملكة، بخصوص الإعداد للانتخابات التشريعية المقبلة وفتح المشاورات السياسية بشأنها، الباب واسعا أمام التعديلات المنتظر إدخالها على المنظومة.
وقال الملك محمد السادس: “ونحن على بُعد سنة تقريبا من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني العادي، نؤكد على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية”.
وأضاف الملك في خطاب الذكرى 26 لعيد العرش: “أعطينا توجيهاتنا السامية لوزير الداخلية من أجل الإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين”.
بعد التوجيهات الملكية الواضحة والصريحة بشأن موضوع الانتخابات، تتجه الأنظار صوب التغييرات والتعديلات المنتظر إدخالها على المنظومة الانتخابية الحالية، خاصة موضوع القاسم الانتخابي وما خلف من تأثيرات سياسية كبيرة بعد انتخابات 2021 والنتائج التي أفرزتها.
ويتوقع أن تعيد الأحزاب السياسية، خاصة في المعارضة التي ظلت تشتكي من هيمنة أحزاب التحالف الثلاثي الذي يسيطر على الحكومة والبرلمان ومختلف المجالس المنتخبة محليا وجهويا، النقاش حول مجموعة من المقترحات التي يمكن أن تحد من الهيمنة التي أفرزتها التغييرات الأخيرة.
هاجس الضبط
عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الحسن الأول بسطات، قال إن التعديلات التي عرفها النظام القانوني والتنظيمي للانتخابات سنة 2021 سجلت “مجموعة من التراجعات مقارنة بالإطار القانوني الذي استقر عليه المغرب منذ انتخابات 1997، لا سيما المرتبطة بالعتبة وطريقة احتساب الأصوات على أساس المصوتين وليس المسجلين؛ إضافة إلى تدبير العملية الانتخابية بدءا من تقسيم الدوائر واللوائح ومرورا بالحملة الانتخابية والتصويت وانتهاء بالإعلان عن النتائج”.
وأضاف اليونسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الهاجس بالنسبة للدولة كان دائما “ضبط مخرجات العملية الانتخابية؛ وبالتالي رسم المشهد المؤسساتي حكومة وجماعات ترابية، فضلا عن توفير نسبة مهمة من المشاركة الانتخابية لما لذلك من علاقة قوية بشرعية المؤسسات وتأثير ذلك على الشرعية العقلانية النظام السياسي ككل”.
وأفاد الأستاذ الجامعي سالف الذكر بأن وزارة الداخلية باعتبارها المكلفة ملكيا بإجراء هذه المشاورات “تستحضر كل هذه المعطيات، وخصوصا أن النظام القانوني الجديد أفرز خريطة انتخابية متحكما فيها عموديا من حيث حضور الأحزاب الثلاثة الأولى في التحالفات؛ حكومة وجماعات ترابية، مما قلص من هامش تشكيل تحالفات تحضر فيها نخب أفضل بكثير من النخب الحالية التي أبانت عن مشاكل تدبيرية وأخلاقية أدت إلى متابعات جنائية كثيرة وساهمت في تأخير التنمية في المدن والقرى”.
وأكد المتحدث عينه أن هناك مؤشرات توضح أن هاجس الضبط للعملية الانتخابية سيبقى “حاضرا وبقوة حتى لا تكون مفاجئات كبيرة تربك التوازنات المؤسساتية وإكراهات الدولة في التفاعل مع تحولات المحيط والتزاماتها الدولية”.
وتوقع أن يظل سقف التغييرات المنتظرة مرتبطا بمدى قوة الأحزاب الوطنية في التفاوض مع وزارة الداخلية لإقرار “معايير أكثر ديمقراطية لضمان شفافية العملية الانتخابية ككل وهامش تفاعل وزارة الداخلية مع هذه المطالب”.
وختم عبد الحفيظ اليونسي قائلا: “أعتقد أن الدعوة الملكية الأخيرة فرصة مناسبة لتجاوز التدبير السيء لانتخابات 2021 لكسب رهانين؛ الأول هو تحفيز المشاركة الانتخابية، والثاني هو دعم الثقة في المؤسسات”، وفق تعبيره.
التدبير السيء
اعتبر عبد الله أبو عوض، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، أن المغرب اعتمد في الانتخابات البرلمانية الماضية نظام الاقتراع باللائحة، حيث قدم كل حزب مرشحيه في لائحة واحدة، يتم التصويت عليها في دائرة معينة.
وأوضح أبو عوض، في تصريح لهسبريس، أن اعتماد الاقتراع الفردي يتمثل في “تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل متساو، إذ تتوفر كل دائرة على ممثل وحيد في البرلمان”، مبرزا أن هذا الأمر كانت بعض الأحزاب السياسية “تدعو بالعودة إليه، باعتبار أن القاسم الانتخابي غالبا ما يدفع بالأحزاب الأولى إلى أخذ المقاعد الانتخابية بحسب مجموع الأصوات”.
وذهب الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية إلى أن التوجيهات الملكية بشأن الإعداد للانتخابات البرلمانية ستحدث “مفاجأة سياسية بعد التشاور مع قادة الأحزاب تحت إشراف وتوجيه وزارة الداخلية؛ لأن هذه التوجيهات تعتبر صمام أمان لحماية العملية الانتخابية من التغول الانتخابي والسياسي لبعض الأحزاب”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن إعادة التوازن للمنظومة وتفادي تسهيل عملية وصول نخب ضعيفة وغير مؤهلة للقبة التشريعية أمر في غاية الأهمية، مؤكدا أن التوازن يفرض تدخل “السلطة السيادية في تقويم السلطة السياسية ومراقبتها، وقد يرى البعض أن هذه الفكرة مخالفة للعملية الديمقراطية؛ ولكن باسم الديمقراطية تدرعت أحزاب التسول الانتخابي باستقطاب مجموعة من السياسيين الذين لا يعلمون من السياسة سوى الاحتماء من المشاكل الشخصية الناتجة عن ممارساتهم، ولا يتواصلون مع الناخب إلا في مرحلة الانتخابات، ولا يوجدون في القبة التشريعية، إلا في افتتاح السنوي للقبة التشريعية”.
ودعا أبو عوض إلى إعادة هيكلة العملية الانتخابية واختيار النخبة، حتى لو اقتضى الأمر “تدخل السلطة السيادية في اختيار هذه النخب وإلزامها بالمشاركة؛ لأن الحكومة المقبلة هي حكومة النهوض بالمشاريع الملكية التي سترعاها مؤسسة مغرب 2030، ليكون الخط متوازيا بين المؤسسة الإدارية وبين المؤسسة السياسية”، حسب تعبيره.