تشهد العاصمة السودانية الخرطوم حالة من القلق المتزايد مع اقتراب موسم الأمطار، حيث أثارت تقارير عن خلل فني في سد النهضة الإثيوبي الكبير مخاوف من فيضانات مدمرة قد تعرض حياة الملايين للخطر.
وفقًا لصحيفة يو إس توداي، أشار خبراء جيولوجيون مصريون إلى أن عطلًا في إحدى توربينات السد أدى إلى اضطرابات في تنظيم تدفق مياه النيل الأزرق، مما يهدد بارتفاع مفاجئ في منسوب المياه في السودان.
كما أكد تقرير لصحيفة أفريكا ريبورت أن هذا الخلل قد يؤدي إلى فيضانات كارثية في الخرطوم خلال أغسطس المقبل، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد.
في الوقت ذاته، يتزامن هذا التطور مع تصعيد دبلوماسي وقانوني من مصر ضد إثيوبيا، حيث أعلنت القاهرة نيتها رفع قضية السد إلى مجلس الأمن الدولي، وفقًا لصحيفة ذا ناشيونال، متهمة إثيوبيا بعدم الشفافية في إدارة المشروع.
يُسلط هذا الحدث الضوء على التحديات المعقدة لإدارة الموارد المائية عبر الحدود، ويبرز الحاجة الملحة إلى تعاون إقليمي لتجنب الكوارث الإنسانية والبيئية.
الخلل الفني وتأثيره على السودان
أوضحت صحيفة يو إس توداي أن عطلًا في إحدى توربينات سد النهضة أدى إلى تعطيل قدرة السد على تنظيم تدفق مياه النيل الأزرق، الذي يُشكل حوالي 60% من إجمالي تدفق مياه النيل في السودان خلال موسم الأمطار.
هذا الخلل يهدد بتدفقات مياه غير منضبطة، مما قد يتسبب في فيضانات مدمرة في الخرطوم والمناطق المحيطة، خاصة مع اقتراب ذروة موسم الأمطار في أغسطس.
وأكد تقرير الصحيفة الأمريكية أن هذه الفيضانات قد تشكل خطرًا كبيرًا على الأحياء المنخفضة في الخرطوم، التي تضم ملايين السكان، بما في ذلك اللاجئين والنازحين داخليًا. تاريخيًا، عانت الخرطوم من فيضانات كارثية في عامي 2020 و2021، حيث أدت إلى تشريد أكثر من 150 ألف نسمة وتدمير حوالي 30 ألف منزل، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
كانت هذه الفيضانات مدفوعة جزئيًا بالأمطار الغزيرة في مرتفعات إثيوبيا، لكن سد النهضة كان يُنظر إليه كأداة محتملة لتخفيف هذه المخاطر من خلال تخزين المياه وتنظيم تدفقها.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن التوقف المفاجئ في عمليات السد قد يؤدي إلى عكس هذه الفائدة، حيث يصبح النيل الأزرق عرضة لتدفقات غير متوقعة.
في المقابل، هناك آراء متضاربة، حيث يرى بعض الخبراء أن السد ساهم في تقليل الفيضانات في السنوات الأخيرة من خلال تخزين المياه خلال مواسم الأمطار الغزيرة.
على سبيل المثال، أشارت دراسات أجرتها منظمات دولية إلى أن السد خفف من حدة الفيضانات في السودان في عام 2023، مما يجعل الادعاءات حول دوره في زيادة المخاطر مثيرة للجدل.
يُعزى هذا الجدل إلى غياب الشفافية في إدارة السد، حيث لم توفر إثيوبيا بيانات واضحة حول حالة التوربينات أو خطط الطوارئ، مما يزيد من مخاوف السودان ومصر.
التوترات الإقليمية والتحركات الدبلوماسية
تتزامن أزمة الفيضانات المحتملة في الخرطوم مع تصعيد دبلوماسي وقانوني من مصر ضد إثيوبيا، كما أوردت صحيفة ذا ناشيونال.
أعلنت مصر نيتها رفع قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي، متهمة إثيوبيا بعدم الالتزام بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بإدارة الأنهار عبر الحدود.
وتطالب مصر بضمانات ملزمة لتنظيم تدفق المياه، خاصة في ظل مخاوف من أن ملء السد وتشغيله قد يقلل من حصتها المائية، التي تعتمد عليها بنسبة تزيد عن 90% لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة.
كما أعربت السودان عن قلقها من التأثيرات المزدوجة للسد، حيث يهدد بتقليل تدفق المياه خلال الجفاف وزيادة الفيضانات خلال الأمطار الغزيرة.
منذ إطلاق مشروع السد في عام 2011، فشلت المفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان، برعاية الاتحاد الإفريقي، في التوصل إلى اتفاق شامل. تُصر إثيوبيا على حقها السيادي في إدارة السد وفقًا لاحتياجاتها التنموية، بينما تؤكد مصر والسودان على ضرورة وضع آليات واضحة لإدارة المياه خلال الجفاف والفيضانات.
يبرز الحادث الأخير الحاجة إلى بروتوكولات طوارئ مشتركة، خاصة في ظل الأعطال الفنية التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. وفقًا لصحيفة يو إس توداي، دعت مصر إلى إنشاء لجنة دولية لمراقبة عمليات السد، بينما رفضت إثيوبيا هذا الاقتراح، زاعمة أنه يمثل تدخلًا في شؤونها الداخلية.
التأثيرات الإنسانية والاقتصادية
تواجه الخرطوم، التي يقطنها أكثر من 5 ملايين نسمة، تحديات إنسانية هائلة بسبب الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي أدى إلى نزوح أكثر من 7 ملايين نسمة داخليًا، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
إذا تحققت توقعات الفيضانات، فإن الأوضاع الإنسانية ستتفاقم بشكل كبير، حيث ستعاني الأحياء الفقيرة والمناطق المنخفضة على ضفاف النيل من أضرار جسيمة.
تشير صحيفة يو إس توداي إلى أن الفيضانات قد تؤدي إلى تدمير آلاف المنازل، وتعطيل إمدادات المياه النظيفة، وزيادة مخاطر الأمراض المرتبطة بالمياه مثل الكوليرا والملاريا.
واقتصاديًا، يتوقع أن تكون الخسائر كارثية على السودان، الذي يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية حادة، بما في ذلك تضخم يتجاوز 200% ونقص حاد في المواد الأساسية.
الفيضانات قد تدمر الأراضي الزراعية في المناطق المحيطة بالخرطوم، التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للغذاء والدخل للأسر الريفية.
كما أن إصلاح البنية التحتية المتضررة، مثل الجسور والطرق، سيتطلب تمويلًا يصعب توفيره في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.
تواجه السودان تحديات كبيرة في الاستعداد لمواجهة الفيضانات المحتملة، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية وانخفاض قدرات الاستجابة للطوارئ. تشمل التحديات الرئيسية:
- نقص الموارد: تعاني الحكومة السودانية من شح الموارد المالية لتطوير أنظمة إنذار مبكر أو تعزيز الحواجز المائية.
- الصراع الداخلي: النزاع المستمر يعيق التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية، مما يقلل من فعالية خطط الطوارئ.
- غياب التنسيق الإقليمي: عدم وجود اتفاق ملزم بين إثيوبيا ومصر والسودان حول إدارة السد يزيد من المخاطر.
يمثل توقف عمليات سد النهضة ومخاطر الفيضانات في الخرطوم تحديًا مزدوجًا للسودان، حيث يجمع بين المخاطر البيئية والتوترات الإقليمية.
من خلال تعزيز الإنذار المبكر ودعم المجتمعات المحلية، يمكن للسودان التخفيف من آثار الفيضانات المحتملة. في الوقت ذاته، يتطلب الحل الشامل تعاونًا إقليميًا يضمن إدارة مستدامة لمياه النيل.
يُبرز هذا الحدث أهمية الشفافية والتنسيق بين دول الحوض لتجنب الكوارث وتعزيز الاستقرار في المنطقة.