أخبار عاجلة
التصحر في الوطن العربي |الكارثة الصامتة -

ذكرى غزو الكويت .. الحمية والسبع وصوت الحسن الثاني الذي لم يُسمع

ذكرى غزو الكويت .. الحمية والسبع وصوت الحسن الثاني الذي لم يُسمع
ذكرى غزو الكويت .. الحمية والسبع وصوت الحسن الثاني الذي لم يُسمع

في مثل هذا اليوم من غشت 1990؛ ارتكب النظام العراقي برئاسة صدام حسين – رحمه الله – خطأً استراتيجيًا قاتلًا حين قرر غزو دولة الكويت وضمّها بالقوة. لم تكن تلك مجرّد مغامرة عسكرية؛ بل لحظة سوداء في التاريخ العربي؛ كشفت عمق الخلل في بنية النظام الإقليمي، ودشّنت مسارًا دمويًا انتهى بتفكك الدولة وسقوط العاصمة بغداد تحت جنازير الاحتلال بعد أقل من ثلاثة عشر عامًا.

كان اجتياح الكويت تجاوزًا سافرًا للشرعية الدولية، وانهيارًا مروعًا لفكرة الدولة العربية الحديثة. تحرك نظام صدام حسين بدافع: حسابات خاطئة، واندفاع مفرط، إلى احتلال جارٍ عربي شقيق؛ مدفوعًا بتقديرات أمنية واقتصادية قاصرة، وأُحيط حينها بمستشارين من الحاشية والقبيلة – لا برجال دولة. لحظة اتخاذ القرار؛ كان العراق منهكًا بعد حربه الطويلة مع إيران، محاصرًا بالطموح الإقليمي، ومعزولًا داخليًا.

وبعيدًا عن الشعارات؛ يستحيل تبرير: غزو بلد شقيق، والسيطرة على أراضيه وموارده، وإلغاء كيانه القانوني. العراق آنذاك كان غارقًا في الديون، مثقلًا بالمظالم، ومعرّضًا لضغط اجتماعي واقتصادي خانق؛ لكنه – بدلاً من التهدئة والمراجعة – اختار التصعيد وافتعل خصومة مع الكويت؛ ما أدى إلى عزله ثم تجريده من أوراق قوته، فمضى إلى الحصار ثم إلى الانهيار.

في تلك اللحظة الحرجة، وبين أصوات التهييج والانقسام؛ برز صوت نادر من بين زعماء العرب. المغفور له الملك الحسن الثاني خاطب الأزمة بعقلانية لا تعني الحياد؛ وأدان الغزو من غير تردّد، لكنه – في الوقت ذاته – رفض تحويل الخليج إلى ساحة حرب بالوكالة. دعا إلى قمة عربية استثنائية، واقترح انسحابًا عراقيًا فوريًا؛ يعقبه حوار عربي–عربي يحفظ ماء الوجه ويصون الاستقرار.

لم يكن يخاطب العاطفة؛ بل يحذر من زلزال طويل، قائلاً بعبارته الشهيرة: “إذا كانت هناك حرب؛ فستخرج منها الجيوش، ولكن سيبقى الرماد لعشرين أو ثلاثين سنة”. وقد كان.

فقد انتهت “عاصفة الصحراء” بتحرير الكويت؛ لكنها فتحت بوابة الجحيم على العراق. فُرض عليه حصار خانق: دمّر اقتصاده، وأذلّ مجتمعه، وقوّض مؤسساته. جاع الأطفال؛ انهارت المدارس والمستشفيات؛ وهاجر العلماء؛ وتفككت الروح الوطنية تحت وطأة العزل الدولي.

وعندما جاء العام 2003؛ لم يصمد العراق: سقط صدام، وسقطت بغداد، وولد عراق جديد، ظل لسنوات دولة بلا جيش، وطن بلا سيادة، ومجتمع بلا مرجعية تنخره الطائفية.

لقد دفع العراق ثمناً باهظًا لغزوه للكويت؛ لا من اقتصاده وجيشه فقط؛ بل من وجوده كدولة فاعلة ومركزية في العالمين العربي والإسلامي. وما كان لهذا الانهيار أن يقع لولا الخطيئة الأولى: تجاهل القانون الدولي، والغرق في خطاب القوة بدل العقل.

أما الحسن الثاني؛ فكان أكثر من زعيم عقلاني. كان رجل رؤية؛ أدرك مبكرًا أن هذه الحرب – حتى إن رُبحت عسكريًا – ستُخسر سياسيًا، وأن العالم العربي سيدفع ثمنها من حاضره ومستقبله. خاطب صدام بنداء أخوي مؤثّر: “الحمية تغلب السبع… أخرج من هذه الورطة من باب الشرف”.

لكنه لم يُسمع.

ومضت الأمة إلى حرب أحرقت الأخضر واليابس؛ ثم إلى عقد من التآكل والانقسامات؛ ثم إلى احتلال جديد زعزع استقرار المنطقة كلها.

وفي الذكرى الخامسة والثلاثين لهذا الحدث الجلل؛ لا يكفي أن نعيد سرد الوقائع. بل يجب أن نعيد طرح السؤال الجوهري:

لو أُصغي لصوت الحسن الثاني؛ هل كان بالإمكان تفادي كل هذا الخراب السياسي والدمار الإقليمي؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عاجل.. سبب مفاجئ وراء استبعاد وسام أبو علي من قائمة كولمبوس الأمريكي
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة