أخبار عاجلة

معتضد: مقاربة المغرب تجاه إفريقيا تعيد التموقع الدولي حول قضية الصحراء

معتضد: مقاربة المغرب تجاه إفريقيا تعيد التموقع الدولي حول قضية الصحراء
معتضد: مقاربة المغرب تجاه إفريقيا تعيد التموقع الدولي حول قضية الصحراء

في ظل التحولات المتسارعة في المشهد الدولي، يطرح حضور المغرب في محيطه العربي والإفريقي، كما في علاقاته الأوروبية والأمريكية، تساؤلات متزايدة حول موقعه ودوره المستقبلي. هل يراهن المغرب على تنويع الشركاء للحفاظ على استقلالية قراره السيادي؟ وكيف يوازن بين الانخراط في الدينامية الدولية وتفادي التبعية لأي محور عالمي؟

في هذا السياق، تستضيف هسبريس من مدينة مونتريال الخبير الاستراتيجي في التحليل السياسي والعلاقات الدولية المغربي هشام معتضد، مدير المكتب الاستشاري “Group MetaPolicy” في بريتيش كولومبيا الكندية ورئيس منظمة “For Change Africans” الدولية، في حوار خاص حول توجهات السياسة الخارجية للمغرب، ورهاناته الجيو-سياسية في المنطقة العربية والقارة الإفريقية والفضاء الأوروبي والأمريكي.

كيف يوازن المغرب بين مواقفه المستقلة والضغوط القادمة من محيطه العربي؟

إن المقاربة المغربية في تعاطيها مع المنظومة العربية لا تنطلق من منطق الانخراط التبعي في تحالفات ظرفية، بل ترتكز على فلسفة استراتيجية تقوم على توطين السيادة “القراروية” في صلب الفعل الدبلوماسي. فالمغرب لطالما تموقع كفاعل مستقل، يؤطر علاقاته الإقليمية ضمن ثنائية المصلحة الوطنية والبراغماتية القيمية، مجسدًا بذلك نموذجًا خاصًا للدولة الوسيطة ذات الاستقلالية “القراروية” داخل نسق عربي يرزح غالبًا تحت ضغط الاستقطاب المحوري.

إن المملكة، من خلال قراءتها النقدية لمآل الأزمات العربية، اختارت الانخراط الحذر والفاعل، عبر أدوات ناعمة تتجنب الاصطفاف العقيم، وتعلي من شأن مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة الترابية للدول.

ما حدود تأثير المغرب في الملفات الإقليمية مثل ليبيا، فلسطين، السودان واليمن؟

المغرب لا ينخرط في الأزمات الإقليمية من موقع الهيمنة أو الوساطة النفعية، بل يعتمد مقاربة تقوم على الشرعية التاريخية والدبلوماسية التراكمية التي راكمها في فضاءاته الحضارية المتعددة. فحضوره في ملفات معقدة كالأزمة الليبية أو المسألة الفلسطينية ينبني على ما يمكن تسميته “الحياد النشط”، أي الانخراط المتوازن في تقريب وجهات النظر دون الانزلاق إلى فرض حلول جاهزة. المغرب يوظف أدوات الدبلوماسية الهادئة، مستندًا إلى شبكة علاقات رمزية ومؤسساتية تمكنه من لعب دور الميسر دون استثارة حساسيات السيادة أو المخاوف الجيو-سياسية.

هل يسعى المغرب إلى لعب دور قيادي داخل الجامعة العربية أم إنه يراهن على شراكات ثنائية مرنة أكثر فاعلية؟

المغرب يعي تمامًا حدود الفعالية السياسية للمؤسسات العربية الجماعية، وعلى رأسها الجامعة العربية، التي أثبتت محدودية أدائها في تفعيل قرارات نوعية أو التأثير في خرائط النزاعات. ولهذا، فقد انزاح نحو هندسة شراكات ثنائية وتكتلية تتيح تفاعلاً مباشرًا ونتائج ملموسة، في مقابل البنية العتيقة للجامعة. غير أن هذا لا يعني انسحابًا كليًا من المؤسسة، بل دعوة واضحة لإعادة بنائها وظيفيًا، عبر تحويلها من هيئة بيانات أدبية إلى منصة للوساطة الدبلوماسية الفاعلة وإنتاج الحلول السياسية الواقعية. المغرب لا يبحث عن زعامة شكلية، بل عن نجاعة استراتيجية.

كيف نجح المغرب في تحويل الحضور الاقتصادي إلى ورقة تأثير جيو-سياسي في إفريقيا؟

اختار المغرب تفعيل ما يمكن تسميته “الدبلوماسية الاقتصادية المتداخلة”، عبر تحويل الفعل التنموي إلى أداة اختراق ناعم للنسق الإفريقي، بشكل يعيد تموقعه في هندسة السلطة داخل القارة. فالمقاربة المغربية لم تكتف بتمويل مشاريع أو استثمارات، بل جعلت من التنمية المشتركة مدخلاً لبناء نفوذ جيو-سياسي طويل المدى، يقوم على منطق الربح المتبادل، وليس المساعدة المشروطة. وهكذا، تحول الحضور المغربي إلى بنية تحتية للثقة، حيث بات يُنظر إلى الرباط كفاعل استراتيجي يمتلك سرديته الخاصة حول إفريقيا ما بعد الاستعمار.

ما هي حدود هذا النفوذ في ظل التنافس مع الجزائر، وعودة روسيا والصين، والتقلبات في دول الساحل؟

يدرك المغرب تمامًا أن الساحة الإفريقية لم تعد حكرًا على الفاعلين التقليديين، بل تحولت إلى ميدان مفتوح لتقاطع مصالح القوى الصاعدة والرجوع الطاقي والعسكري لفاعلين مثل روسيا والصين. غير أن المغرب لا يسعى إلى منافسة مباشرة، بل إلى تثبيت نموذج استقرار متدرج يرتكز على الاستمرارية المؤسسية والمصداقية الدبلوماسية، ونجاحه في تغيير تموضع العديد من العواصم الإفريقية حيال قضية الصحراء يعكس فعالية هذا النهج، حيث أصبحت الرباط قادرة على تحويل التراكم التنموي إلى رأس مال دبلوماسي، كما ظهر جليًا في موجة افتتاح القنصليات في الأقاليم الجنوبية.

هل الرهان على إفريقيا جنوب الصحراء يمكن أن يخلق توازنًا استراتيجيًا في قضية الصحراء المغربية؟

المقاربة المغربية تجاه إفريقيا جنوب الصحراء تتجاوز البعد الجغرافي لتتحول إلى ركيزة استراتيجية لإعادة التموقع الدولي حول قضية الصحراء. من خلال نسج شبكة علاقات متعددة المستويات، سيادية، مؤسساتية واقتصادية، أصبحت الرباط تؤسس لتحالفات هيكلية قادرة على كسر الجمود الدبلوماسي الذي كان يطبع هذا الملف داخل المؤسسات متعددة الأطراف. كما أن المغرب يتقاطع مع القوى الدولية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين) عبر هذه البوابة الإفريقية، مما يحوله إلى وسيط استراتيجي في الوصول إلى عمق القارة، ويمنحه أوراق ضغط ناعمة داخل المحافل الدولية، حيث أصبحت الصحراء نقطة تقاطع مصالح لا مجرد ملف إقليمي.

كيف يدير المغرب علاقاته المعقدة مع أوروبا في ظل التحولات السياسية التي تعرفها المنطقة؟

المغرب لا يتموقع كفاعل تابع ضمن الهيكل الأوروبي المتوسطي، بل كحليف براغماتي يمتلك وعيًا عميقًا بتقلبات السياسات الداخلية للعواصم الأوروبية، وما يستتبعه من انعكاسات على السياسات الخارجية. لذلك، فإن الرباط تبنت في السنوات الأخيرة ما يمكن تسميته “استراتيجية فك الارتباط التدريجي”، من خلال تنويع الشراكات داخل الاتحاد الأوروبي، وتحويل العلاقة مع مدريد وباريس من مركزية إلى شراكة موزعة. وبهذا، أعاد المغرب تموضعه كرقم استراتيجي مستقل في المعادلة الأمنية و”الهجراتية” الأوروبية، مرتكزًا على الوظيفة الجيو-سياسية التي يقدمها كشريك أمني ووسيط حضاري في الحوض المتوسطي.

ما ملامح التحالف الجيو-استراتيجي الجديد بين المغرب والولايات المتحدة؟ وهل هو بديل عن أوروبا؟

التحالف المغربي الأمريكي لا يُقصد به فك الارتباط مع أوروبا، بل يمثل تموقًعا استراتيجيًا ضمن هندسة “التوازن المرن للشراكات”، حيث يشكل بعدًا مكملًا وليس بديلاً. فالرباط وواشنطن تربطهما ثلاثة مرتكزات: شراكة أمنية، عسكرية عميقة ومستمرة (كما يظهر في مناورات الأسد الإفريقي)، اعتراف أمريكي سيادي بمغربية الصحراء، وتقاطعات اقتصادية متقدمة ترسخت من خلال مشاريع استراتيجية كالميناء الأطلسي بالداخلة. هذا التحالف يمثل بوابة عبر-أطلسية للولايات المتحدة نحو إفريقيا، ويجعل من المغرب منصة لوجستية وسياسية حيوية، دون أن يمس جوهر استقلالية القرار السياسي المغربي.

إلى أي مدى يمكن للمغرب الحفاظ على سيادته في ظل الانخراط في اتفاقيات كبرى مع قوى غربية (الدفاع، الاقتصاد، الاستخبارات)؟

السيادة بالنسبة للمغرب ليست شعارًا سياسيًا، بل إطارًا مرجعيًا يؤطر كل قراراته الدولية. والانخراط في شبكات التعاون العسكري أو الاستخباراتي مع القوى الغربية يُفهم من زاوية “التفاعل السيادي”، لا التبعية. فالمغرب يدير اتفاقياته من خلال حسابات استراتيجية دقيقة، توازن بين المصالح الوطنية والإكراهات الجيو-سياسية. التجربة التاريخية للمغرب، خاصة في إدارة الأزمات الدولية، أبانت عن قدرة المملكة على فرض معاييرها السيادية، ورفضها لأي وصاية مباشرة أو مقنّعة. إن الانفتاح المغربي على القوى الكبرى يتم في ظل وضوح استراتيجي يعتبر استقلال القرار السياسي خطًا أحمرًا لا يُمس.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أهلي جدة السعودي ينتصر على إلتشي الإيطالي بثنائية نظيفة ودياً
التالى عاجل.. الإعلام العبري يروج لوثيقة بـ ”توقيع مصر والسعودية” حول استبعاد حماس من حكم غزة