شهد الجنيه المصري قفزة ملحوظة أمام الدولار الأمريكي، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ أكتوبر 2024، مما أثار اهتمام المواطنين والمستثمرين على حد سواء، وسجل الدولار انخفاضا كبيرا أمام الجنيه.
وهذا التحسن لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية مترابطة، كشف عنها خبراء اقتصاديون في تصريحات خاصة، مؤكدين أن الجنيه المصري يسير على مسار تعافٍ مستدام.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الأسباب الحقيقية وراء هذا الصعود، ونناقش ما إذا كان هذا التحسن مؤقتًا أم بداية لاستقرار طويل الأمد.
تحولات اقتصادية تدعم الجنيه المصري
وأحد أبرز العوامل التي ساهمت في صعود الجنيه المصري هو التدفقات الدولارية القوية التي شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة، ووفقًا للبنك المركزي المصري، سجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قفزة تاريخية بنسبة 69.6% خلال الفترة من يوليو 2024 إلى مايو 2025، لتصل إلى 32.8 مليار دولار، مقارنةً بـ19.4 مليار دولار في الفترة نفسها من العام المالي السابق.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد البهواشي أن هذه الزيادة ليست مجرد رقم، بل تعكس ثقة متزايدة من المغتربين في الاقتصاد المصري، نتيجة حزم استثمارية وادخارية مشجعة قدمتها الدولة.
وأضاف البهواشي لـ "بانكير": "انخفاض الطلب المضارب على الدولار، إلى جانب زيادة التدفقات الدولارية، خلق توازنًا نقديًا في السوق، مما سمح للجنيه باستعادة جزء من قيمته السوقية"، وهذه التدفقات، التي شملت أيضًا استثمارات أجنبية مباشرة مثل صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات، عززت احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، التي بلغت 48.7 مليار دولار في يونيو 2025.

نمو الصادرات وتقليص الفاتورة الاستيرادية
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، لـ "بانكير"، إلى أن إعادة ضبط ميزان الصادرات والواردات كان له دور حاسم في دعم الجنيه.
وقد سجلت صادرات مصر خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024/2025 حوالي 29.75 مليار دولار، بزيادة ملحوظة عن 24.12 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق، وهذا النمو، خاصة في الحاصلات الزراعية، قلص الفجوة بين الصادرات والواردات، مما خفف الضغط على الطلب على الدولار.
وأكد خطاب أن تعزيز الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي من السلع الوسيطة والنهائية يقلل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي يحد من الحاجة إلى العملة الأجنبية، مضيفًا: "عندما يثق المواطن بالمنتج المحلي، تتراجع الحاجة للاستيراد، وهذا يعني ضغطًا أقل على الدولار"، مشددًا على أن هذا التحول ليس رفاهية، بل ضرورة اقتصادية.
استقرار جيوسياسي وتراجع الدولار عالميًا
وعلى الصعيد الدولي، لعبت الأوضاع الجيوسياسية دورًا كبيرًا في تقلبات الدولار، حيث أوضح البهواشي أن ارتفاعات الدولار السابقة كانت مرتبطة بأزمات عالمية، مثل التوترات التجارية الناتجة عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والصراعات في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب في غزة والتوترات الإسرائيلية-الإيرانية.
وأشار إلى أن هذه العوامل أدت إلى تباطؤ الاستثمار الأجنبي في الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر.
ومع عودة الهدوء النسبي إلى المنطقة، وتراجع الدولار عالميًا بنحو 11% خلال النصف الأول من 2025، استفاد الجنيه المصري من هذا المناخ الإيجابي، حيث أشار البهواشي إلى أن الدولار يعاني من ضغوط داخلية في الولايات المتحدة، حيث تجاوز الدين السيادي الأمريكي 37 تريليون دولار، مما أثر على مكانته كعملة مرجعية عالمية.

دور الإصلاحات الاقتصادية وثقة المستثمرين
وأثار تقرير بنك جولدمان ساكس الأمريكي ضجة في الأوساط الاقتصادية، حيث أكد أن الجنيه المصري مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 30%، وهو ما يمنحه مجالًا كبيرًا للتعافي.
كما أن التوصية بشراء الجنيه وبيع الدولار عززت ثقة المستثمرين، حيث رأى البنك أن استقرار التدفقات الاستثمارية وتحسن المؤشرات النقدية يدعمان هذا الاتجاه.
ويتوقع البنك أن يظل الجنيه مقومًا بأقل من قيمته بنسبة 25% خلال الـ12 شهرًا القادمة، مع احتمالية استمرار صعوده إذا استقرت الأوضاع الدولية.
إصلاحات هيكلية ودعم صندوق النقد الدولي
وأكد الخبير أحمد خطاب أن استقرار سعر الصرف يتطلب إصلاحات هيكلية مستدامة، تشمل تعزيز الصادرات، وتقليص الواردات، وزيادة الغطاء الذهبي للجنيه داخل البنك المركزي.
وهذه الإصلاحات، إلى جانب دعم صندوق النقد الدولي الذي وصل إلى 8 مليارات دولار بعد توسعة القرض في مارس 2024، ساهمت في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي واستقرار السوق.
ومن المتوقع أن تحصل مصر على شرائح تمويل إضافية في سبتمبر وأكتوبر 2025، مما يعزز الثقة في الاقتصاد.
تعزيز المنتج المحلي والاكتفاء الذاتي
وشدد خطاب على أهمية المنتج المحلي كعامل أساسي لتقليل الضغط على الدولار، مشيرًا إلى أن توجه الدولة لدعم الصناعات المحلية وتقليص الاعتماد على السلع المستوردة غير الضرورية يعزز التوازن النقدي.
وهذا التوجه يعكس استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، مما يقلل من الفاتورة الاستيرادية ويدعم قيمة الجنيه.

هل سيستمر صعود الجنيه؟
ويتفق الخبراء على أن استدامة هذا التحسن مرهونة بعدة عوامل، أبرزها استمرار التدفقات الدولارية، واستقرار الأوضاع الجيوسياسية، ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية، مع توقعات بأن يتراوح سعر الدولار بين 47 و49 جنيهًا حتى نهاية 2025، مدعومًا بالتدفقات الأجنبية وتراجع المخاطر الجيوسياسية.
ومن جانبه، يرى البهواشي أن أي تصعيد في الصراعات الدولية أو تغيرات مفاجئة في السياسات الأمريكية قد تؤثر سلبًا على هذا الاتجاه.
على الجانب الآخر، يحذر خطاب من أن استقرار سعر الصرف لن يتحقق دون خطط استثمارية بعيدة المدى تركز على المشروعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة، مؤكدًا أن تعزيز موارد النقد الأجنبي المستدامة، مثل قناة السويس وتحويلات المغتربين، يبقى مفتاحًا لتثبيت الجنيه عند مستويات لا تشكل عبئًا على المواطن.
تأثير الصعود على المواطن والاقتصاد
وكان قد أشاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بتراجع سعر الدولار، داعيًا رجال الأعمال إلى خفض أسعار السلع لتخفيف العبء عن المواطنين، وهذا التحسن يعزز القدرة الشرائية للأسر المصرية ويدعم القطاعات الإنتاجية من خلال تسهيل استيراد المواد الخام، مما ينعكس على نمو الناتج القومي.
ومع ذلك، ينصح الخبراء المواطنين بالتريث في عمليات البيع والشراء للعملات الأجنبية، مع متابعة الأسعار في البنوك لتجنب التقلبات المفاجئة.
ويتضح أن قفزة الجنيه المصري أمام الدولار ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل نتيجة جهود منسقة تشمل زيادة التدفقات الدولارية، وتحسين ميزان الصادرات، وإصلاحات اقتصادية هيكلية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.