أخبار عاجلة

هكذا صار "الشّرف" مصدرا للسلطة السياسية والاجتماعية عبر تاريخ المغرب

هكذا صار "الشّرف" مصدرا للسلطة السياسية والاجتماعية عبر تاريخ المغرب
هكذا صار "الشّرف" مصدرا للسلطة السياسية والاجتماعية عبر تاريخ المغرب

مفهوم طبع جزءا مهما من التاريخ المغربي هو “الشرف” يشرح تاريخه المؤرخ امحمد جبرون، والأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية التي أخذها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر دور مركزي في تكوين دولٍ، وتعاقبها.

جاء هذا في أحدث حلقات برنامج “مذاكرات في الفكر والتاريخ” الذي كان موضوعه ما يسمى “الشرفاء”، حيث ذكر جبرون أن “الشريف” في الاصطلاح والتداول التاريخي المغربي هو “المنتسب إلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيا كان فرعه، و’الشرفاء’ هم الفئة الاجتماعية المنحدرة من هذا النسب الشريف”، ووصلت المغاربةَ هذه الفئةُ في فترات تاريخية متعددة، لكن أبرز مرحلة لوصولهم هي مرحلة “الأدارسة” في القرن الثاني الهجري، مع وصول إدريس الأول، ممثل “الفرع العلوي”، وهكذا انسل من أسرته “العديد ممن يطلق عليهم اليوم الشرفاء الأدارسة، وانقسموا إلى أسر وأخذوا تسميات متعددة منهم الرحمونيون والعمرانيون والعلميون والكتانيون…”.

وتابع جبرون: “هؤلاء الشرفاء اندمجوا في المغرب، وكانت لهم مكانة خاصة، ولما دخل المغاربة الإسلام، وحسن إسلامهم كما تقول المصادر التاريخية، كان ‘الشريف’ بالنسبة لهم ‘البركة’، ويمتاز بميزات ثقافية باعتبار ارتباطه بالإسلام وآل بيت النبي، وكان يعوَّل على ‘الشرفاء’ في نشر التدين وصونه والعناية به، والمغاربة من القبائل المختلفة احترموهم وأولهم مكانة خاصة، فتولوا السلطة، ونصبوهم ولاة؛ باعتبار أن من مقتضيات الإسلام السياسية في العصر الوسيط، أن يكون على رأس السلطة قرشيّ عربي، فكان الشريف مؤهلا دائما للواجهة والصدارة وممارسة السلطة”.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هذا المقتضى قد جمع مذاهب سنية وشيعية، لكنه لم يكن محط إجماع من مذاهب مسلمة مثل المذهب الإباضي.

ومن بين ما ذكره المؤرخ امحمد جبرون أن فئة “الشرفاء” قد تعرضت في فترات من تاريخ المغرب إلى “اضطهاد، من أبرز حملاته اضطهاد الشيعة العبيديين لهم بالمغرب؛ وكانوا ربما السبب الرئيس لانهيار دولة الأدارسة بالمغرب، ولو أن الصراع كان سياسيا فإنه اتخذ طابعا مذهبيا بين الشيعة العبيديين والأمويين السنة بالأندلس على أرض المغرب”.

ثم سجل أنه “قبل الأدارسة لا نعرف وجودا معتبرا وذا قيمة لـ’الشرفاء’، باستثناء إمارة نكور، التي يشكك البعض في نسبها العربي. والأدارسة من الأوائل الذين عززوا الوجود العربي، واستدعوا عربا من القيروان والأندلس التفوا حولهم، وشكلوا بطانتهم”.

لكن، بعد العهد الإدريسي سيخفت صوت وإشعاع ‘الشرفاء’ في المغرب، “خاصة في عهد المرابطين والموحدين؛ لأن هاته القبائل الأمازيغية التي امتلكت السلطة وسيطرت على المجال المغربي، لم يعرف عنها اهتمام بالشرفاء، خاصة فرعهم الإدريسي. لكن، نجد أن المرابطين لكي يملؤوا فراغ الشرعية السياسية فيما يتعلق بالنسب العربي، لجؤوا إلى مبايعة العباسيين والاعتراف بالخلافة العباسية، وتسمى، مثلا، يوسف ابن تاشفين بأمير المسلمين، وليس أمير المؤمنين، وكذلك المهدي بن تومرت للالتفاف على هذا الشرط ابتدع لنفسه نسبا عربيا مبتدعا، ولو أنه ليس عربيا، ليكون له الحق في امتلاك السلطة والخلافة”.

واستمر هذا مع “المرينيين الزناتيين الأمازيغيين، الذين كانت لهم الشوكة؛ أي القدرة على التغلب بدليل استطاعتهم القضاء على الدولة الموحدية، وملؤوا فراغ الشرعية بإعادة الاعتبار للشرفاء من جهة، وبابتداع نسب لأسرتهم الحاكمة”.

ومع ظهور السعديين باعتبارهم “شرفاء علويين”، تغير الأمر، وحظوا باعتبار هذا المعطى بـ”شبه إجماع القبائل الأمازيغية، ولو أنه ربما كان هناك من هو أولى، في مرحلة الغزو الإيبيري، لكن حُمّلوا المسؤولية السياسية باعتبارهم شرفاء أولا، أي باعتبارهم مصدر البركة، ونجحوا إلى حد ما في مواجهة الإيبيريين، لكن الأمر لم يستمر مع العثمانيين والقوة التي صار عليها الإيبيريون”.

ثم بعد سقوط السعديين، جاء العلويون إلى السلطة بهذه الصفة، و”من التفوا عليهم في سجلماسة اعتبروا أنهم مصدر للبركة، ولهم مكانة أخلاقية معتبرة في سجلماسة، قبل أن يلتفوا عليهم ويعطوهم قيادة المنطقة، وبعد ذلك المغرب بعد نجاحهم في توحيده”.

ووضح جبرون أنه “حتى في أحلك الظروف، في فترات الصراع السياسي بين المخزن والقبائل، خاصة في العهد العلوي، لم يكن الصراع يطال مكانة الشرفاء؛ فعلى سبيل المثال، المولى سليمان في صراعه مع قبائل الأطلس وقع أسيرا بيد خصومه، ولم يجرؤوا على مسه، بل عندما اكتشفوا أنه السلطان تبركوا به، ولم يمسوه بأذى، وبلغوه مأمنه، وكل من طمح لمنافسة السلطة السياسية بالمغرب في الفترة العلوية ركز على النسب الشريف أو ادعى النسب مثل بوحمارة”، وهو ما استمر في بدايات القرن العشرين مع “من نصبوا أنفسهم سلاطين في فترة المقاومة المسلحة وادعوا النسب الشريف، حقيقة أو باطلا، مما يؤكد أن علاقة المغاربة بـ’الشرفاء’ متميزة، ولم يكن الانتساب لهم سندا أخلاقيا ومصدرا للرمزية والتبرك فقط، بل مصدرا من مصادر السلطة السياسية بالمغرب”.

" frameborder="0">

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق ‏ترامب: سأفرض عقوبات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حرب أوكرانيا
التالى نقابة الصحفيين المصريين تجدد إدانتها للجرائم الوحشية للعدوان الصهيوني في غزة