بكثير من “التوجس” والتساؤل عن “جدوى الإعلان” استقبل وتابَع خبراء مغاربة في الشأن الطاقي خبر “بدء اختبارات إنتاج الغاز الطبيعي بمنطقة جرسيف”، حسب المعلَن عنه مؤخرا، نهاية يوليوز الجاري.
وكانت معطيات رائجة نقلت إطلاق المغرب “مرحلة جديدة ضمن مسار سيادته الطاقية”، من خلال الشروع في اختبارات استخراج الغاز الطبيعي بمنطقة جرسيف، عادّةً ذلك “خطوة إستراتيجية تعكس رغبة المملكة في تنويع مصادر الطاقة وتعزيز مكانتها في السوق الطاقية العالمية”.
وفي السنوات الأخيرة أثار توالي إعلانات الاستكشاف أو التنقيب أو حتى بدايات الاختبار التجريبي، خاصة تلك التي تقف وراءها شركات طاقية أجنبية، سؤال “الجدوى” و”فِعليّة الإنجاز الميداني”؛ فيما يرى البعض في الأمر مجرد “فقاعات تجارية يتم تضخيمها أحيانا لأغراض استثمارية– ترويجية بحتة”.
وفي حالة بداية الاختبارات التي تسبق الإنتاج بجرسيف فالأمر يتعلق، وفق ما طالعته هسبريس وبسَطه خبراء طاقيون، بمبادرة تقودها شركة بريطانية متخصصة في الاستكشاف، تستهدف الخزان الرملي ‘A’ المشتهر بغِناه بالغاز “البيوجيني”، الذي يعد أحد أشكال الغاز الطبيعي المتجدد والصديق للبيئة، الناتج عن التحلل البيولوجي للمواد العضوية.
“اختبار الجدوى”
محمد جواد مالزي، أستاذ جامعي متخصص في اقتصاد الطاقة، أكد أن “إعلان المغرب عن بدء اختبارات إنتاج الغاز الطبيعي في جرسيف وإنْ كان يحمل رمزية، سياسية وإستراتيجية، فإنه اقتصادياً يمثل مرحلة ‘اختبار جدوى’ أكثر من كونه تحولاً بنيوياً في ميزان الطاقة الوطني”.
وتابع مالزي، شارحًا لجريدة هسبريس في تصريح حول الموضوع: “في اقتصاديات الطاق يُعتبر الانتقال من الاكتشاف إلى الإنتاج التجاري مساراً طويل الأمد، تَحكمه معايير واضحة: حجم الاحتياطات القابلة للاستخراج، تكلفة الإنتاج مقارنة بالأسعار المرجعية في الأسواق العالمية، واستدامة التدفق على المديين المتوسط والبعيد”.
وزاد المتحدث ذاته: “العامل الجغرافي للبئر ‘MOU-3’ بالقرب من خط أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي يوفّر ميزة لوجستية قد تُخفض كلفة البنية التحتية للنقل، ما ينعكس إيجاباً على صافي القيمة الحالية للمشروع. غيْر أن هذا الامتياز لا يضمن النجاح ما لم تُثبت البيانات النهائية أن معدل الإنتاج يغطي التكاليف الثابتة والمتغيرة ويحقق هامش ربح تنافسيا في ظل تقلبات الأسعار”.
ومن “منظور اقتصاد الاستثمار” أكد أستاذ اقتصاديات الطاقة أن “الإعلان يحمل أيضاً بعداً ترويجياً، إذ تميل الشركات المشغِّلة، خاصة المدرجة في البورصات، إلى استثمار الأخبار التقنية لجذب رؤوس الأموال وتحسين تقييماتها السوقية”، مردفا بأن “هذا النوع من الإعلان قد يرفع القيمة السوقية للشركة على المدى القصير، لكنه لا يعكس بالضرورة القيمة الاقتصادية الحقيقية للمشروع ما لم تتحقق الإيرادات الفعلية من البيع التجاري للغاز”.
أما اقتصادياً فإن “دخول المغرب مجال الغاز البيوجيني، وربما ‘الهيليوم’، يفتح فرصاً لتنويع مصادر الدخل وتقليص عجز الميزان الطاقي، لكن العائد الصافي من هذه الموارد لن يكون مؤثراً إلّا إذا ارتفع حجم الإنتاج المحلي ليغطي جزءاً ملموساً من الطلب الداخلي، ما يقلص فاتورة الواردات الطاقية ويعزز الأمن الطاقي”، بحسب المصرح ذاته.
وخلص المتحدث إلى أن “مشروع جرسيف في مرحلته الحالية يمكن اعتباره خياراً استثمارياً عالي الإمكانات لكنه مرتفع المخاطر”، موضحا أن “القرارات النهائية بشأنه يجب أن تبنى على نتائج كمية دقيقة وتحليلات تكلفة/عائد، لا على الانطباعات أو الإعلانات الترويجية، لضمان أن يتحول من مشروع واعد إلى أصلٍ إستراتيجي حقيقي في محفظة الطاقة الوطنية”.
“بحر احتياجات”
يرى أمين بنونة، خبير طاقي والأستاذ السابق لعلوم الطاقة بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن بلوغ “مرحلة الاختبارات التجريبية خطوة هامّة فعلا على درب الانتقال الطاقي المغربي”.
وقال بنونة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “ذلك يمكّن الفاعلين المنقِّبين من التعرف أكثر على جودة الغاز الطبيعي المنتَج عبر استخراجه ثم حرقه، ما يحدد مستويات جودته وقدراته؛ كما أنهم يُقدّرون مدى كفاءته الطاقية”.
وبحسب الخبير الطاقي ذاته “تمثل هذه الاختبارات مرحلة عادية ضمن مسار الاستكشاف، وليست معبرة عن المرور بالضرورة إلى الإنتاج والاستغلال”، مفسرا بأنها “اختبارات تسمح بملاحظة وتشخيص حجم ما سيتم ضخه في المشروع أو في الأنبوب الذي مازال التنفيذ الفعلي للعمل به لم يبدأ بعد”.
وأضاف المتحدث أنه “في ظل التحديات المرتبطة بالأمن الطاقي الوطني فإن المغرب مازال مستهلكاً لمعظم احتياجاته من الغاز الطبيعي المستوردة بأكثر من 90 في المائة من الخارج… والحديث -مثلا- عن إمكانية غازٍ منتَج محلياً في جرسيف لا يمكن أن يغطي إلا نسبة قليلة جدًا من حاجيات الاستهلاك”.
وختم المصرح ذاته: “هذا الواقع والارتباط الطاقي بالخارج يُحتّم علينا البحث عن حلول وطنية ومستدامة، إذ إن استهلاك البلاد يناهز مليار متر مكعب سنوياً، أي ما يعادل نحو مليون طن معادِل نفط (TOE وهو وحدة قياس للطاقة، تعادل كمية الطاقة الموجودة في طن واحد من النفط الخام)، وهو حجم كبير لا يمكن لأي جهة خارجية ضمان توفيره بشكل دائم أو مستقر، خاصة في ظل تقلبات سوق الطاقة الدولية”.