في شيكاغو النابضة بالحيوية، حيث تتردد أصوات الضحك في مسارح مثل المسرح الثاني ومسرح آي أو، تظل الكوميديا أكثر من مجرد وسيلة للترفيه؛ إنها بالأحرى أداة سياسية وثقافية.
وتجمع مهرجانات مثل مهرجان آي أو للكوميديا بين نجوم الكوميديا المخضرمين والمواهب الصاعدة، لتشكل مختبرا لاختبار النكات واستكشاف حدود حرية التعبير. في هذا السياق، أثار خبر إلغاء برنامج العرض المتأخر مع ستيفن كولبير، الذي نشرته صحيفة شيكاغو صن تايمز نقاشات حامية بين الكوميديين. بدلا من توقع تراجع النكات عن الرئيس دونالد ترامب، يرى الكوميديون أن هذا الإلغاء سيفتح الباب أمام موجة جديدة من السخرية الحادة.
إلغاء برنامج كولبير: شرارة للسخرية المتجددة بدلا من الصمت
في قلب مهرجان آي أو للكوميديا الارتجالية، حيث تتلاقى الأفكار الإبداعية مع التعليقات السياسية، عبّر الكوميديون عن تفاؤلهم المفاجئ بإلغاء برنامج العرض المتأخر مع ستيفن كولبير. ويرى الكوميدي مارك بازر، وجه بارز في المشهد الكوميدي في شيكاغو، أن إلغاء البرنامج لن يقلل من السخرية من ترامب، بل سيحرر الكوميديين من قيود البرامج التلفزيونية التقليدية، مضيفا:"عندما تكون على شاشة شبكة مثل سي بي إس، هناك حدود لما يمكنك قوله. الآن، يمكننا أن نكون أكثر جرأة ونذهب إلى أبعد الحدود،" وأضاف مارك بازر في تصريح لصحيفة شيكاغو صن تايمز، أن ترامب، بتصريحاته المثيرة للجدل وسلوكه اللافت، يظل مصدرا لا نهائيا للنكات، سواء على خشبة المسرح أو في مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي.
الكوميدي جيمس دوجان، الذي شارك في نقاشات المهرجان، يؤكد هذا الرأي، مشيرا إلى أن حوالي ثلاثة أرباع المواد الكوميدية في عروضهم مستمدة من أخبار ترامب. وتابع: "كل يوم يقدم لنا مادة جديدة. تصريح غريب، منشور مثير للجدل، أو حتى نظرة معينة في مؤتمر صحفي – كل هذا يتحول إلى نكتة في غضون ساعات،" ويبدو أن هذا الاعتماد الكبير على ترامب يعكس قدرته على البقاء في صدارة اهتمامات الإعلام، حتى بعد سنوات من تركه الرئاسة الأولى وبدء فترته الثانية.
ويعزز تقرير نشره موقع كراكد هذا الرأي، مشيرا إلى أن إلغاء برنامج كولبير لن يوقف السخرية، بل قد يكثفها. أحد الكوميديين المشاركين في المهرجان، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، يقول: "إذا أخبرت كوميديا بعدم قول شيء، فإنه سيقوله بقوة أكبر. هذه طبيعتنا." هذا التحدي يعكس روح الكوميديا الارتجالية التي تزدهر في شيكاغو، حيث تُنظر إلى القيود على أنها فرص للإبداع.
ترامب: نبع كوميدي لا ينضب
أبرز تقرير لشبكة فوكس نيوز السبب الرئيسي وراء استمرار ترامب كمصدر لا نهائي للنكات: حضوره الإعلامي القوي. منذ دخوله عالم السياسة عام 2015، أصبح ترامب رمزا للجدل، حيث تغطي تصريحاته وسياساته وأسلوبه الشخصي عناوين الأخبار يوميا. الكوميديانية إيونجي كيم، التي شاركت في نقاشات مهرجان آي أو، تؤكد أن ترامب يمثل الهدف المثالي للكوميديين لأنه "يوفر مادة خام لا تحتاج إلى مبالغة." وتضيف: "نحن لا نسخر منه فقط لأنه مثير للجدل، بل لأنه يمثل السلطة، موضحة أن السخرية من الأقوياء هي جوهر الكوميديا."
في سياق إلغاء برنامج كولبير، تثير كيم تساؤلات حول تأثير هذا القرار على حرية التعبير، فتعلق بالقول: "إذا بدأوا بإلغاء البرامج التي تنتقد ترامب، فماذا يعني ذلك بالنسبة لنا ككوميديين؟ هل سنضطر للعودة إلى النوادي الصغيرة فقط؟"
تتساءل كيم، ولكنها تظل متفائلة، مشيرة إلى أن الكوميديين سيجدون دائما منصات بديلة، سواء كانت عروضا حية في مسارح شيكاغو مثل مسرح أنويانس أو مقاطع فيديو ساخرة على منصات مثل إكس ويوتيوب. هذه المنصات، التي تتيح حرية أكبر بعيدا عن رقابة الشبكات التلفزيونية، قد تصبح الساحة الجديدة للسخرية من ترامب.
هل برامج كيميل وفالون هي التالية؟
طرحت صحيفة شيكاغو صن تايمز وموقع كراكد تساؤلات حول ما إذا كان إلغاء برنامج كولبير قد يكون مقدمة لاستهداف برامج ليلية أخرى مثل العرض الحي مع جيمي كيميل وبرنامج الليلة مع جيمي فالون. على الرغم من عدم وجود دلائل ملموسة على خطط لإلغاء هذه البرامج، فإن تعليقات الكوميديين تعكس قلقا متزايدا من أن الضغوط السياسية أو التجارية قد تهدد البرامج التي تنتقد ترامب بشكل مباشر.
وحذر مارك بازر في تصريح لصحيفة شيكاغو صن تايمز: "إذا ألغوا كولبير، فمن سيكون التالي؟ كيميل؟ فالون؟ البرامج الليلية هي صوت النقد في أمريكا، وهناك من لا يريدون سماع هذا الصوت." في المقابل، يشير تقرير كراكد إلى أن شعبية برامج كيميل وفالون قد تجعل إلغاءها أقل احتمالا في الوقت الحالي. فبرنامج العرض الحي مع جيمي كيميل يجذب ملايين المشاهدين بفضل تعليقات كيميل الساخرة، بينما يحافظ فالون على نهج أكثر حيادية، مما يجعله أقل عرضة للانتقادات السياسية المباشرة. ومع ذلك، يظل القلق قائما بين الكوميديين من أن أي برنامج ينتقد ترامب بشكل مباشر قد يواجه ضغوطا مماثلة في المستقبل.
ووصف جون ستيوارت، الذي علّق على إلغاء برنامج كولبير في منشور على منصة إكس، قرار إلغاء البنامج الساخر بأنه "هجوم على حرية التعبير." وأضاف: "إذا كان ترامب يريد إسكاتنا، فعليه أن يلغي الإنترنت بأكمله." تعليق ستيوارت يعكس شعورا عاما بين الكوميديين بأن محاولات الحد من النقد السياسي لن توقف الكوميديا، بل ستدفعها إلى منصات أكثر حرية وإبداعا.
حرية التعبير عند مفترق طرق
تتجاوز تداعيات إلغاء برنامج كولبير حدود الترفيه، لتطرح تساؤلات جوهرية حول حرية التعبير في الإعلام الأمريكي. تقرير فوكس نيوز يشير إلى أن الكوميديين يرون في هذا القرار محاولة للحد من النقد السياسي، خاصة في سياق الاستقطاب السياسي المتزايد. الكوميديانية إيونجي كيم تؤكد: "الكوميديا ليست مجرد نكات، إنها طريقة لتحدي السلطة. إذا بدأوا بإسكات البرامج الليلية، فإنهم يحاولون إسكات جزء من ثقافتنا."
أما تقرير كراكد يضيف بعدًا آخر، مشيرًا إلى أن إلغاء برنامج كولبير قد يدفع الكوميديين إلى استهداف ترامب بشكل أكثر حدة على منصات بديلة، ولفتت إلى أن مسارح شيكاغو، التي تُعتبر مهد الكوميديا الارتجالية، مستعدة لاستيعاب هذه الموجة الجديدة من السخرية. عروض مثل الأخبار المضحكة والعروض الليلية في مسرح آي أو، التي تعتمد على الأحداث اليومية لخلق محتوى كوميدي، من المتوقع أن تشهد زيادة في النكات التي تستهدف ترامب. هذه العروض، التي تُقدم في أجواء حميمية بعيدا عن أعين الرقابة التلفزيونية، تتيح للكوميديين حرية أكبر للتعبير عن آرائهم دون قيود.
علاوة على ذلك، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة منصة إكس، ساحة رئيسية للكوميديين لنشر نكاتهم. وتتيح مقاطع الفيديو القصيرة، التي تتراوح بين السخرية المباشرة والمحاكاة الفكاهية، للكوميديين الوصول إلى جمهور عالمي دون الحاجة إلى موافقة الشبكات التلفزيونية.
هذا التحول قد يعزز من قوة الكوميديا كأداة للنقد السياسي، حتى في ظل القيود المفروضة على البرامج التلفزيونية. الكوميدي جيمس دوجان يعلق: "في السابق، كنا بحاجة إلى شاشة التلفزيون للوصول إلى الجمهور. الآن، يمكن لمقطع مدته ثلاثين ثانية على إكس أن يصل إلى ملايين الأشخاص في ساعات."
الكوميديا في عصر الاستقطاب
في سياق الاستقطاب السياسي المتزايد في أمريكا، أصبحت الكوميديا السياسية ساحة معركة بحد ذاتها. إلغاء برنامج كولبير، الذي كان صوتا بارزا في النقد السياسي، يثير مخاوف من أن الضغوط السياسية أو التجارية قد تستهدف المزيد من البرامج التي تتجرأ على السخرية من الأقوياء. لكن الكوميديين في شيكاغو يرون في هذا التحدي فرصة لإعادة صياغة قواعد اللعبة. الكوميديانية إيونجي كيم تقول: "كلما حاولوا إسكاتنا، كلما أصبحنا أكثر إبداعا. الكوميديا لا تموت، إنها تتكيف."
وهذا التكيف يتجلى بوضوح في المشهد الكوميدي في شيكاغو، حيث تُعد المسارح مثل المسرح الثاني ومسرح أنويانس مراكز للتجريب والإبداع. هذه المسارح، التي أنتجت أسماء كبيرة مثل تينا فاي وستيف كاريل، تظل ملاذا للكوميديين الذين يسعون لدفع حدود السخرية. في مهرجان آي أو، على سبيل المثال، يتم اختبار النكات مباشرة أمام الجمهور، مما يسمح للكوميديين بقياس ردود الفعل فورا وتطوير مادتهم بناء على ذلك. هذه العملية الديناميكية تجعل الكوميديا الارتجالية في شيكاغو مرنة وقادرة على مواجهة أي تحديات، بما في ذلك إلغاء البرامج التلفزيونية.
علاوة على ذلك، فإن التحول نحو المنصات الرقمية يفتح آفاقا جديدة للكوميديين. في حين أن البرامج الليلية مثل تلك التي يقدمها كيميل وفالون تعتمد على هياكل إنتاجية معقدة وخاضعة للرقابة، فإن منصات مثل إكس وتيك توك تتيح للكوميديين التواصل المباشر مع الجمهور. هذا التواصل المباشر لا يعزز فقط من وصول النكات، بل يسمح أيضا بتفاعل فوري مع الجمهور، مما يجعل الكوميديا أكثر ديناميكية وحيوية. الكوميدي مارك بازر يعلق: "في الماضي، كان عليك أن تكون في برنامج تلفزيوني لتصبح معروفا. الآن، يمكنك أن تصبح نجما من غرفة نومك إذا كانت نكاتك جيدة بما فيه الكفاية."
ترامب كرمز كوميدي: لماذا يظل الهدف الأول؟
لا يمكن الحديث عن الكوميديا السياسية دون التطرق إلى الدور المحوري الذي يلعبه دونالد ترامب كمصدر إلهام لا نهائي. تصريحاته المثيرة للجدل، وأسلوبه اللافت، وحضوره الإعلامي المستمر يجعلونه هدفا مثاليا للكوميديين. تقرير كراكد يشير إلى أن ترامب ليس مجرد شخصية سياسية، بل أصبح رمزا ثقافيا يجسد التناقضات والصراعات في المجتمع الأمريكي. هذا الرمز يوفر للكوميديين مادة غنية يمكن أن تُستخدم في سياقات مختلفة، من السخرية الخفيفة إلى النقد اللاذع.
على سبيل المثال، خلال مهرجان آي أو، قدم أحد الكوميديين نكتة حول إحدى تصريحات ترامب الأخيرة، قائلا: "قال ترامب إنه سيجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى... لكن يبدو أنه يعني جعل النكات عنه عظيمة مرة أخرى!" هذه النكتة، التي استقبلت بضحكات صاخبة، تعكس قدرة الكوميديين على تحويل أي حدث يتعلق بترامب إلى مادة كوميدية. الكوميدي جيمس دوجان يوضح: "ترامب مثل هدية لا تتوقف عن العطاء. كلما ظننت أنك استنفدت كل النكات عنه، يقول شيئا جديدا يجعلك تعود إلى لوحة الرسم لابتكار الجديد من التندر والنكات."
هذا الاعتماد على ترامب لا يقتصر على الكوميديين في شيكاغو. فكوميديون بارزون مثل جون ستيوارت وجيمي كيميل عبّروا عن قلقهم من أن إلغاء برامج مثل برنامج كولبير قد يكون جزءا من محاولة أوسع للحد من النقد السياسي. ستيوارت، في منشور آخر على إكس، كتب: "إذا ألغوا كل البرامج الليلية، فسيظل لدينا ترامب، وهذا يكفي لإبقاء الكوميديا حية." هذا التفاؤل يعكس الإيمان العميق بأن الكوميديا، بطبيعتها، قادرة على التغلب على أي قيود.
وفي شيكاغو، حيث تُعد الكوميديا جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية، يرى الكوميديون في إلغاء برنامج العرض المتأخر مع ستيفن كولبير فرصة وليس عقبة. أما دونالد ترامب، بصفته رمزا للجدل السياسي، سيظل مادة كوميدية لا تُضاهى، سواء على خشبة المسرح، أو في المنتديات الصغيرة، أو على منصات التواصل الاجتماعي. بينما تستمر التساؤلات حول مصير برامج مثل العرض الحي مع جيمي كيميل وبرنامج الليلة مع جيمي فالون، يبقى المشهد الكوميدي في شيكاغو مرنا وقادرا على التكيف.
وأشارت صحيفة شيكاغو تربيون إلى أن إلغاء برنامج كولبير قد يكون إشارة إلى تحديات تواجه حرية التعبير في الإعلام الأمريكي، لكنه أيضا تذكير بقوة الكوميديا كصوت للمقاومة. في نهاية المطاف، الكوميديون في شيكاغو لن يتوقفوا عن السخرية من الأقوياء، وسيظل ترامب هدفا رئيسيا لنكاتهم، سواء على شاشات التلفزيون أو في أروقة المسارح الحية، ففن الكوميديا، كما يقول مارك بازر، "هو فن البقاء، ونحن نعرف كيف نستمر."