رسائل هامة أبعثها إلى كل من يقتصر مفهوم الدفاع عن مصلحة الوطن في الدفاع عن السلطة، وكأن كل من ينتقد السلطة أو يعارضها في كل دول العالم خونة لا يدافعون عن مصالح أوطانهم.
رسائل هامة أبعثها لكل من يحتكر حب الوطن والوطنية، وينفيهم عن غيره، ممن هم أكثر منه وطنية وأكثر حبا للوطن، وخوفاً على مصلحته العليا، خوفاً حقيقياً صادقاً ربما يدفع صاحبه ثمناً باهظاً لمجرد التعبير عنه بصدق، وليس خوفاً مزيفا مشوها، تارة بأفكار مغلوطة، وتارة أخرى بمصالح شخصية، وتارة ثالثة لا يعدو فيها سوى نوع من أنواع التملق والنفاق تقرباً من سُلطة أو بحثاً عن منصب أو غطاء لأعمال غير مشروعة.
رسالتي الأولى إلى هؤلاء، جددوا مفاهيمكم، عودوا إلى التعريفات والمفاهيم الحقيقية للوطن، والوطنية، ومصلحة الوطن.
وقتها ستدركون معنى الوطن الذي يحتضن مواطنيه ويساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وطن يطبق مفهوم المواطنة الحقيقي الذي لا يفرق بين مواطنيه بسبب الجنس، أو الدين، أو الطبقة الاجتماعية، أو المكانة الوظيفية، أو النفوذ، أو المال، أو القرب والبعد عن السلطة، وطن يحترم حقوق المواطنة وأولها حق المواطن في مشاركة سياسية حقيقية، تكفل مشاركته في تقرير مصيره السياسي والتشريعي والاقتصادي، من خلال ممثلين يختارهم بشفافية ونزاهة في المجالس المحلية والنيابية، وطن يتساوى فيه الجميع أمام القانون، يتساوى فيه ابن البواب وعامل النظافة مع ابن الوزير، وطن لا يتهم من يطالبون بالعدالة والمساواة وتطبيق القانون على الجميع بالخيانة والعمالة.
لو عدتم للمفاهيم.. وقتها ستدركون أن حب الوطن ليس حكراً عليكم، وأن من يختلف معكم ومع السلطة، أي سلطة، يعشق تراب هذا الوطن أكثر منكم، ويبحث عن استقراره وتقدمه بصدق لا يعرفه أصحاب المصالح الضيقة، وستعلمون أن حب الوطن يقتضي الجمع بين مساندة السلطة إن أصابت، وتقويمها إذا أخطأت، ستدركون أن هناك فرق بين الوطن والسلطة أو الحكومة أو الحاكم، الوطن ليس وزيراً ولا رئيساً للوزراء ولا رئيساً للجمهورية، الوطن باق وكل هؤلاء زائلون، وستعلمون أن حب الوطن يقتضي نقد بنّاء يعري السلبيات ويطالب بمواجهتها أولا بأول، ولا يعني أبدا تزيين الخطأ وتبريره بحجة الحفاظ على استقرار هش لا ولن يستقيم أبداً بلا تصحيح للأخطاء ومحاسبة المقصرين في كل مجال ومكان، وفي أي مؤسسة أو قطاع، بلا تمييز بين مؤسسات أو جهات أو أشخاص.
ستدركون أن مصلحة الوطن تتحقق بتوحد جبهته الداخلية، وتوحد الجبهة الداخلية يتحقق بتحقق العدالة وتطبيق القانون على الجميع، و نبذ التعصب و الإقصاء ونغمة التخوين والتشكيك، يتحقق بتقبل الأخر والسماح بالنقد، يتحقق بالشفافية وحرية تداول المعلومات وسماع صوت الشعب وقراءة اتجاهات الرأي العام والاستجابة لها، يتحقق بعدم احتكار السلطة والمعرفة والقرار، يتحقق بالفصل بين السلطات والتزام كل سلطة بدورها وفقاً للقانون والدستور، يتحقق بوقف سياسات الجباية والضغط على المواطنين ومحاصرة زيادة أسعار السلع والخدمات، ويتحقق أولا وأخيرا باحترام حق المواطن في المعرفة وحقه في الحصول على المعلومات من خلال صحافة حرة تنقل إليه جهود الحكومة وتدافع عن حقوقه في نفس الوقت.
باختصار مصلحة الوطن وتوحد جبهته الداخلية تتحقق إذا شعر الشعب أن له دور حقيقي، وأنه غير مهمش، وأن صوته مسموع، وأن من يخطئ يحاسب ولا أحد فوق المحاسبة، وأن هناك خطة مستقبلية من حقه أن يطّلع عليها، وأن هناك مجالس نيابية حقيقية تعبر عنه، وأن هناك مؤسسات رقابية تسمع لشكواه، وأن هناك صحافة حقيقية تنقل معاناته إلى السلطة، وتكشف له جهودها الحقيقية لتخفيف تلك المعاناة، وقتها سيتحمل هذا الشعب ما لا يتخيله أحد، في سبيل خروج الوطن من أزماته الاقتصادية مهما استغرق ذلك من مدد زمنية، لأنه ببساطة سيشعر وقتها أنه شريك في المسئولية وشريك في اتخاذ القرار، لا غائبا ولا مغيباً.