توصلت دراسة ميدانية لمركز منصات للدراسات الاستراتيجية والبحوث همّت عشرات المراكز البحثية المدنية المغربية إلى أن 50 في المائة منها تعتمد على مصادر تمويل “خاصة أو مستقلة”، سواء “دعم مؤسسات مانحة أم من خلال شراكات مع فاعلين غير حكوميين”، عادة أن هذا “ما يمنحها هامشا نسبيا من حرية المبادرة والتفكير النقدي”.
واستدرك الإسهام العلمي، الذي نشر ضمن تقرير “المجتمع المدني العلمي.. ما يقوله فاعلو ومديرو مراكز بحثية مغربية.. دراسة ميدانية، مقالات تحليلية وحوارات”، بأن “هذا الاستقلال المالي يرافقه، في المقابل، تحدّ دائم يرتبط باستمرارية الموارد وشفافية التدبير، خاصة في ظل غياب آليات مستدامة للتمويل الهيكلي وضعف ثقافة التبرع البحثي أو الاستثمار المجتمعي في المعرفة”.
في غضون ذلك، تحظى 20 في المائة من أربعين مركزا بحثيا مدنيا يمثلون عينة البحث الاستكشافي، “بدعم عمومي مباشر، ما قد يُمكنها من الاستقرار المالي”، وفق “منصات”، مستدركة بأنه “يطرح في بعض الحالات سؤال الاستقلالية في المواضيع والأجندات البحثية، خصوصا عندما يكون التمويل مشروطا أو خاضعا للرقابة المؤسساتية”.
وأظهرت الدراسة الميدانية أن “30 في المائة من المراكز لم تُصرّح بمصادر تمويلها”، معتبرة أن الأمر “يطرح إشكالية على مستوى الحوكمة والمساءلة، ويضعف من مصداقية هذه الفاعلين داخل الحقل المدني”.
وتابع المصدر نفسه: “غموض مصادر التمويل قد يُفسّر، من جهة، باعتباره استراتيجية لحماية استقلالية المراكز أو تفادي التسييس؛ لكنه يُمكن أن يكون من جهة أخرى، دالا على غياب قواعد الشفافية وتدني المعايير الأخلاقية في العمل البحثي المدني”.
تعقّب التقرير، توصلت هسبريس بنسخة منه، كذلك “الانتماء المؤسساتي لمراكز البحث المدنية المغربية”، فتوقفت دراسته الميدانية عند اشتغال 60 في المائة من المراكز المشمولة بها “بشكل مستقل عن المؤسسات الرسمية أو الأكاديمية، مقابل 25 في المائة فقط تابعة لجهات مؤسساتية كمعاهد رسمية أو جامعات، في حين أن 15 في المائة لم تحدد وضعها القانوني أو التنظيمي”.
ويكشف هذا التوزيع، من منظور “منصات”، عن “هيمنة الشكل المستقل في ممارسة الفعل البحثي”. وفسّرت الأمر، “من جهة، برغبة الفاعلين المعرفيين في تفادي القيود البيروقراطية والإدارية المرتبطة بالمؤسسات العمومية، التي تحد من هامش التصرف المالي والأدبي والتنظيمي. ومن جهة أخرى برغبة عدد من الباحثين في امتلاك أدواتهم الإنتاجية والتنظيمية، خارج الوصاية الرسمية”.
وسجّل التقرير أن نسبة استعمال الأمازيغية داخل المراكز البحثية المغربية المبحوثة “ضعيفة لا تتجاوز 5 في المائة، وغالبا ما يقتصر ذلك على مراكز متخصصة في قضايا التراث المحلي والثقافة اللامادية والهوية الأمازيغية”.
وقالت إن “هذا المستوى المحدود من التوظيف اللغوي يظهر استمرار الفجوة بين الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية وبين إدماجها الفعلي في البنيات المعرفية والمؤسساتية”.
وفي هذا الصدد، كشفت الدراسة عن هيمنة “للغة الضاد”، حيث “تبيّن أن 70 في المائة من هذه المراكز تعتمد اللغة العربية كلغة رئيسية في أنشطتها ومخرجاتها البحثية”، وعدّت أن هذا “يعكس وظيفتها المزدوجة كلغة رسمية للبلاد ووسيلة تواصل مع الجمهور الواسع وصناع القرار”، وأيضا “استيعاب المراكز لطبيعة المجال العمومي المغربي، الذي لا يزال معربا في بنيته الثقافية والإعلامية والإدارية، رغم تعدد التأثيرات اللغوية”.
“في المقابل، تستخدم 55 في المائة من المراكز اللغة الفرنسية، سواء بشكل رئيسي أو ثانوي”، أفادت الدراسة، التي فسّرت ذلك “بالاستمرارية التاريخية للاستعمار اللغوي الفرنسي، وبكون الفرنسية لا تزال لغة الإدارة والتمويل وعدد من الشراكات الدولية”، كما تُعد لغة موليير “أداة للانفتاح على بعض الشبكات البحثية الفرنكوفونية”.
وتستعمل اللغة الإنجليزية 25 في المائة من المراكز المذكورة، “خاصة في منشوراتها الأكاديمية ذات الطابع الدولي أو ضمن شراكاتها العابرة للحدود”. وقالت “منصات” إن “هذا التوجه يعكس وعيا متزايدا بأهمية إدماج المراكز المغربية في الحقل البحثي العالمي”.