شارك ثلاثة مسؤولين في المديرية العامة لإدارة السجون في دولة السنغال، إلى جانب نظرائهم من كل من بنين ونيجيريا وغانا ولبنان، في دورة تدريبية احتضنتها مدينة تيفلت بالمملكة المغربية قبل أيام، همّت إدارة ملف المعتقلين على خلفية قضايا التطرف، حسب ما أفاد به بيان نشرته إدارة السجون السنغالية مطلع الأسبوع الجاري.
وحسب البيان ذاته، فإن هذه الدورة التدريبية، التي نُظّمت تحت إشراف مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون (INL)، بشراكة مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب، تأتي في إطار تعزيز التعاون بين دول الجنوب في مجال إدارة السجون، ومكّنت المشاركين فيها من تعميق الفهم لعمليات التطرف وأساليب محاربته داخل المؤسسات السجنية، وإبراز دور موظفي إدارات السجون في الوقاية من التطرف، إلى جانب استكشاف أساليب فعّالة لتصنيف السجناء وتقييم المخاطر وإعادة الإدماج.
وذكر المصدر ذاته أن هذه الدورة التدريبية الإقليمية تأتي في إطار الرغبة المشتركة للدول المشاركة في مواجهة التهديدات الأمنية العابرة للحدود؛ من خلال اعتماد مقاربات إنسانية ومنسقة وفعّالة لإدارة ملف السجناء والمعتقلين على خلفية قضايا التطرف العنيف.
قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، إن “مثل هذه المبادرات تُشكّل ركيزة ناعمة ضمن الدبلوماسية الأمنية المغربية، حيث توظّف الرباط خبرتها المتراكمة في إدارة ملفات السجون المتصلة بالتطرف كأداة لبناء الثقة وتوسيع مجال التعاون جنوب–جنوب”، مضيفا أن “هذه الدورات تتيح للدول المشاركة دخول ما يشبه «المنتدى العملي»، حيث يتم الانتقال من التنسيق الخطابي إلى تقاسم المعرفة التقنية عبر حالات واقعية وتمارين تطبيقية”.
وأوضح معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “الدول الإفريقية التي تواجه تصاعد التهديدات الإرهابية — سواء في الساحل أو خليج غينيا — تجد في التجربة المغربية مثالا عمليا قابلا للتكييف، دون الخضوع للهيمنة أو الوصاية كما يحدث أحيانا مع الشراكات الغربية”.
وأبرز الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية أن “التموقع المغربي كمقدّم للتدريب لا ينفصل عن طموح أوسع لتحويل المملكة إلى محور إقليمي لتأهيل الكوادر في المجالات السيادية، من الأمن إلى العدالة. هذا الدور يمنح الرباط هامش تأثير أوسع في السياسات الوطنية للدول الشريكة، ويؤسس لعلاقات تراكمية مبنية على تبادل المنافع بدل منطق الهبات أو الدعم المشروط”.
وشدّد المتحدث ذاته على أن “القيمة المضافة تكمن في أن المغرب لا يكتفي بتصدير «تقنيات أمنية»، بل يقدّم أيضا رؤية إصلاحية موازية تشمل التأهيل الديني، والرعاية النفسية، وإعادة الإدماج، وهي أبعاد تساعد الدول الإفريقية على تطوير مقاربات هجينة تتجاوز الحل الأمني الصرف وتُفضي إلى نتائج أكثر استدامة في مكافحة التطرف داخل المؤسسات العقابية”.
وأشار إلى أن “المقاربة المغربية على هذا المستوى، تستند إلى دمج البعد الأمني مع مشروع مجتمعي أوسع يقوم على الوقاية وإعادة البناء الرمزي للمفاهيم لدى السجناء المتورطين في قضايا الإرهاب. هذه الرؤية لا تعزل السجين عن محيطه، بل تُعيد توصيله بمكونات الهوية الوطنية، من خلال برامج المراجعة الفكرية، والمواكبة النفسية، وإعادة التأهيل المهني”.
وذكر أن “برنامج «مصالحة» المغربي يُعدّ من بين النماذج القليلة التي مزجت بين المبادرة الفردية للسجين والهيكلة المؤسسية لمراحل التأهيل، فالبرنامج لا يقتصر على تأطير فكري سطحي؛ بل يسعى إلى ترميم العلاقة بين الفرد والمجتمع، وإعادة تهيئة الظروف الذاتية التي تعيق إعادة الاندماج. هذه الدينامية تعكس نضجا في فهم أن التطرف ليس فقط انحرافا فكريا بل أيضا مأزقا وجوديا”.
ويرى معتضد أن “المغرب استثمر أيضا في تأهيل العنصر البشري داخل الإدارة السجنية، إذ يدرك أن نجاح أية سياسة إصلاحية رهين بجودة ووعي العاملين في الميدان، فتكوين الموظفين في القيم الحقوقية، وآليات تقييم السلوكيات الخطرة، والتعامل الإنساني مع النزلاء، أصبح جزءا من البنية الأساسية للمنظومة العقابية؛ ما يجعل هذه المقاربة مرنة من حيث قابليتها للتكيّف مع النظم الأخرى، إذ إنها ليست حكرا على النموذج المغربي، بل يمكن أن تُستلهم مبادئها لتُدمج في استراتيجيات وطنية أخرى بإشراف محلي”.
ولفت الباحث ذاته الانتباه إلى أن “اعتماد مقاربات إصلاحية من هذا القبيل يُحدث تحوّلا نوعيا في الاستراتيجيات الإفريقية، إذ ينتقل من التركيز على «احتواء التهديد» إلى محاولة «تفكيكه من الداخل»، ذلك أن التطرّف لا يُهزم بالسلاح فقط، بل يحتاج إلى مواجهة شاملة تطال البنية الذهنية للسجين، وهي مقاربة لا تزال نادرة في عدد من البلدان الإفريقية”.
وأكد أن “الاعتماد على مثل هذه النماذج يمنح الدول هامشا أكبر في تجنّب الانتقادات الحقوقية، خصوصا في ظل ازدياد الضغوط الدولية بشأن ظروف الاعتقال والتعامل مع المتهمين في قضايا الإرهاب؛ فالمنظور الإصلاحي يمنح شرعية سياسية وإنسانية لإجراءات كانت توصف سابقا بالقمعية أو الانتقامية، ويعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمعتقلين ضمن منطق القانون والكرامة”.
وخلص إلى أن “استنساخ بعض عناصر التجربة المغربية، حتى بشكل جزئي، سيساعد الدول الإفريقية على تأطير عناصر الخطر داخل السجون بدل تركها تتحوّل إلى مصانع للتطرف أو مساحات للانتقام.
كما أن إشراك العاملين في السجون في هذا النوع من التكوين يؤسّس لجيل جديد من الفاعلين الأمنيين أكثر وعيا بمسؤولياته الأخلاقية والاستراتيجية”.