برجوعنا إلى التاريخ، نلاحظ أن بعض الأنظمة الفاشية تقحم عنوة السياسة في المجال الرياضي؛ فقد أدرك هتلر وموسوليني، مثلا، أهمية قيمة الرياضة في تأجيج المشاعر من أجل كسب مشروعية زائفة.
لقد عزز موسوليني موقفه من خلال الهيبة التي اكتسبها بعد حصول بلاده على كأس العالم مرتين في عامي 1934 و1938، بينما أصبحت ألمانيا بطل الأولمبياد عام 1936 كرمز لقوة النظام الحاكم، وفي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1934 في إيطاليا شارك موسوليني شخصيا في اختيار الحكام، وحضر جميع المباريات التي خاضها منتخب بلاده، ولقد قال جوبلز، مسؤول الدعاية في النظام النازي، إن “الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما”.
ونجد أن إقحام السياسة في ميدان الرياضة، وعلى الخصوص كرة القدم، مازال معمولا به حتى اليوم من طرف الأنظمة الشمولية العسكرية؛ إذ نجد أن النظام العسكري الجزائري حاول من خلال مشاركة منتخب بلاده هذه الأيام في كأس إفريقيا للسيدات أن يوظف كرة القدم في استغلال سياسوي مقيت، رغم أنه طوال التاريخ، ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا، ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب، لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة. إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق. والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى؛ لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية.
ثمة انهيار قيمي وأخلاقي ومجتمعي يسود في بلاد الجزائر الشقيقة، ناهيك عن عدم الاستقرار السياسي واستمرار تدهور الاقتصاد الوطني… إنها عوامل تشكل نقطة البداية في حلقة الفشل والإفلاس، حيث ينبري للترويج عن التفاهات محتالون ونصابون يدعون تمثيل الرياضة وهي منهم براء.
كلنا يتذكر انخراط وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية في نشر هذه التفاهات؛ إذ ادعت إبان فشل فريقهم الكروي أنه تعرض للسحر والعين والتنويم الميغناطيسي، في محاولة استبلاد الشعب الشقيق الذي يتوق إلى لحظة فرح تنسيه مرارة الأزمة والطوابير. كما انخرط الجميع في خطاب تضليلي يوهم بأن أسباب تردي أرضية الملاعب الجزائرية مردها إلى الجار الذي تحالف مع قوى طبيعية وأخرى لا مرئية من أجل النيل من دولة القوة الضاربة!
قمة العبث تجلى في فضيحة كأس إفريقيا للسيدات؛ إذ شهدت البطولة حدثا غريبا أثار موجة من السخرية في كل بقاع العالم، بعد أن طالب مدرب حراس مرمى المنتخب الجزائري النسوي قياس ارتفاع عارضة المرمى في ملعب العربي الزاولي، معبرا عن شكوكه في مطابقتها للمواصفات الرسمية. لقد شكك كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي في السلامة العقلية لهذا المدرب، معتبرين أن التركيز يجب أن يكون على تحسين أداء الفريق بدلا من الانشغال بتفاصيل أقرب إلى الحمق، مثل طول العارضة!
في الإطار نفس، يواجه الاتحاد الجزائري سلسلة من الاتهامات من طرف” الكاف” تتعلق بإخفاء رموز البطولة، والتلاعب بالهوية البصرية في وسائل الإعلام في المنصات الرسمية.
لقد أصرت بعثة المنتخب الجزائري النسوي المشارك في كأس إفريقيا للأمم 2025 المقامة بالمغرب، على القيام بالعديد من السلوكيات التي لا تمت بصلة إلى الأخلاق الرياضية، بل شكلت خرقا لأنظمة البطولة ولوائحها التنظيمية.
من بين الحالات الغريبة والشاذة، رصد خلال مؤتمر صحافي للمنتخب الجزائري أن قناة “كنال ألجيري” قامت باستبدال شعار شركة الخطوط الملكية المغربية، أحد أبرز رعاة البطولة، بشعار شركة “توتال إنيرجي” في البث الموجه للجمهور الجزائري، كما لاحظ متابعون اختفاء عبارة “Morocco 2025” من بعض الصور الرسمية للمنتخب الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت تظهر فيه العبارة بشكل موحد على باقي المنشورات المعتمدة، في محاولة لمسح هوية البلد المنظم.
ومن بين الممارسات الصبيانية، إخفاء اسم المغرب في بطاقة اعتماد المدرب، كما أن قائدة الفريق استخدمت في تصريحاتها عبارة “بلد آخر” بدلا من الإشارة الصريحة إلى المغرب كمضيف رسمي للبطولة، وهو ما اعتبر خروجا عن الأعراف الرياضية.
إن مثل هاته التصرفات اللامسؤولة وغير المبررة في سياق رياضي صرف تعكس “عقدة مغربية” تتجاوز الرياضة إلى ما هو أعمق، ولا يستبعد أن يطال هذا التصرف الصبياني مستقبلا حتى شعار كأس العالم 2030 الذي سينظمه كل من المغرب وإسبانيا والبرتغال، حيث سيقدمون على سحب اسم المغرب من الشعارات الترويجية الخاصة بالمونديال… وهي عقدة دفينة أصابت الجزائر في كل ما هو مغربي.
إن طمس الشعارات ينتهك عقود الرعاية مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، مع ما يترتب على ذلك من تبعات قانونية.
في هذا الإطار، أعلن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم فتح تحقيق رسمي بشأن المنتخب الجزائري النسوي، على خلفية ما وصفه بـ”خروقات محتملة” للوائح التنظيمية خلال مشاركة منتخب الجزائر في نهائيات كأس أمم إفريقيا للسيدات المقامة في المملكة المغربية.
لقد جاء في بلاغ رسمي أصدره “الكاف” أن الأخير قرر فتح مسطرة تأديبية، دون الكشف عن طبيعة المخالفات التي تم رصدها إلى حين انتهاء المسطرة القانونية المتبعة، وإصدار القرار النهائي بشأن الملف.
في محاولة لتبرير هذا التصرف المثير للشبهات، انبرى موقع “أوراس” الجزائري للرد دون حياء أو خجل قائلا بالحرف: “لم تكن الأمور واضحة بالشكل الكافي بشأن الطرف الذي أخفى الشعار، لأن الوفد الجزائري وجد كل شيء مثلما هو عليه حين دخل أرضية الميدان، واتضح في النهاية أن الأمر يتعلق بـ”بروتوكول” تنظيمي، لأن الاتحاد الإفريقي لكرة القدم هو الذي طلب إخفاء ذلك الشعار” (أوراس عدد 11 يوليوز 2025).
لقد سبق للموقع نفسه (أوراس 15 يونيو 2025) أن أشار إلى أن مدرب سيدات الجزائر في إطار التحضير للمشاركة في البطولة قد أكد أن الإشراف على “الخضر” يمثل وعدا قطعه على والده، “إنه ليس وظيفة، بل هو وعد قطعته على والدي، وطريقة لأكرمه على كل ما قدمه لي”….
لقد انخرط الجميع في خطاب تضليلي حين اتخذوا من نتائج المنتخب الجزائري الشقيق وسيلة للتخدير وإلهاء الشعب.
إن المنتخب الجزائري الشقيق، الذي نكن له كل الحب والاحترام والتقدير، حيث يختلط الدم والعرق والتاريخ المشترك، لا نريده أن يكون مسخرة للعالمين جراء الضغط النفسي الرهيب الذي يسلط عليه من سدنة النظام العسكري الجزائري، الذي مازال إلى الآن يروج بين بسطاء الناس حتمية إعادة مباراة الكاميرون ضمن تصفيات كأس العالم “FIFA قطر 2022″، ومازال إلى الآن محترفو الطوابير يمنون النفس بأن “الفيفا” ستفتح تحقيقا في أداء الحكم الغامبي بكاري غاساما حين هزموا في الثواني الأخيرة!
للأسف، كنا نمني النفس بأن ينتصر الخضر، وأن يعيدوا البسمة إلى الشعب المغلوب على أمره، ففي فوزهم فوزنا وفرحنا المغاربي الكبير، لكن النظام العسكري الجزائري أفسد فرحتنا جميعا، ولعل التاريخ من الشاهدين.
ونحن أيها الأشقاء: حدودنا مفتوحة ونرحب بالجميع، نتحلى بأخلاق الكبار لأننا لسنا طارئين ولا يرعبنا التاريخ وهوس الذاكرة والجماجم… إننا أبناء حضارة ذات امتداد طويل، لن ترهبنا أفعال صبيانية طائشة… نحن التاريخ والمستقبل، نحن أسياد المستطيل الأخضر، نحن ملحمة قطر، نحن من تغنى وهتف العالم باسمنا رغم أنف الحاقدين والحاسدين، نحن صناع الفرجة والمستحيل… وشتان ما بين الثرى والثريا؛ لعلكم تستفيقون.