أخبار عاجلة
الخدمات البيطرية توقع مع الثروة الحيوانية ... -

بين الرواية التاريخية والذاكرة النضالية .. من يملك حق تأويل "مقتل إزم"؟

بين الرواية التاريخية والذاكرة النضالية .. من يملك حق تأويل "مقتل إزم"؟
بين الرواية التاريخية والذاكرة النضالية .. من يملك حق تأويل "مقتل إزم"؟

أثارت تدوينة نشرها عبد الخالق كلاب، الباحث في التاريخ، والتي نقل فيها عن شهادة شخص قال إنه صديق للطالب الجامعي الراحل عمر خالق، المعروف في أوساط النشطاء الأمازيغ بـ”إزم”، يفيد من خلالها بأن مقتل الأخير داخل الحرم الجامعي بمراكش في سنة 2016 كان بسبب “نزاع حول مصلحة شخصية ولا علاقة لها بالنضال الأمازيغي”، موجة استياء كبيرة في صفوف عدد من الفعاليات الأمازيغية التي اعتبرت أن ما جاء في منشور كلاب إساءة صريحة إلى الراحل و”محاولة مكشوفة”، حسبهم، لإفراغ اغتياله من أبعاده السياسية والنضالية.

وعلى الرغم من أن الباحث عبد الخالق كلاب حذف لاحقا المنشور، فإنه قوبل برفض واسع من لدن عدد من مكونات الحركة الأمازيغية بالمغرب التي رأت فيه تشويشا مقصودا على مسار نضالي محفور في الذاكرة والوجدان الجمعيين لـ”إيمازيغين”، معتبرين أن كلاب له سجل طويل في التهجم على رموز القضية الأمازيغية والتشكيك المتكرر في عدد من الحقائق التاريخية المرتبطة بها، في وقت انتقد فيه الباحث في التاريخ كل هذا “اللغط”، مؤكدا أن من ورائه أصوات راديكالية معزولة تدّعي تمثيل الحركة الأمازيغية وتسعى فقط إلى الظهور عبر تصيد التدوينات وتحريف مضامينها لخدمة أجندات “استرزاقية”، حسبه.

“دوافع مجهولة”

عبد الله بوشطارت، عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، قال إن “منشور كلاب، الذي اضطر إلى حذفه لاحقا، يُعد تصرفا دنيئا ومحاولة سيئة للتشهير برموز النضال الأمازيغي وبالشهيد عمر خالق، الذي ضحّى بحياته وريعان شبابه من أجل القضية الأمازيغية. فالراحل هو شهيد الوحدة الترابية أيضا، لأنه اغتالته عصابات “البوليساريو” الانفصالية التي تنشط داخل الجامعات المغربية، وقد صدرت أحكام قضائية ضد الذين ارتكبوا جريمة الاغتيال”.

وزاد: “لكن هذا النبش الدنيء في قضية اغتيال إزم جاء في وقت غريب وغير مفهوم، حيث يكاد العالم يُجمع، وخاصة أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، على كون “البوليساريو” “حركة إرهابية”، فجاء هذا التصريح الذي ينفي جريمة الاغتيال؛ وهو ما يُفهم منه تبرئة الانفصاليين من الجريمة، بالرغم من الأحكام القضائية الصادرة في حقهم”.

وتابع بوشطارت، في تصريح لهسبريس، أن “هذا التصريح المشين ضد الشهيد إزم جاء بعد أسابيع قليلة من تصريح الشخص نفسه بأن المؤرخ صدقي علي أزايكو ليس هو من كتب المقالة التي سُجن بسببها سنة 1981، وقضى عاما كاملا في سجن لعلو بالرباط. كما شكّك الشخص نفسه، الذي يقتات من أموال اليوتيوب، في حقيقة وجود السنة الأمازيغية. لذلك، فهذا الشخص الذي يقدّم نفسه كمؤرخ، له مخطط ينفذه بإحكام، يستهدف رموز الحركة الأمازيغية وشهداءها، قصد قتلهم معنويا وتشويه سمعتهم”.

وتابع الفاعل الأمازيغي قائلا: “لا ندري حقيقة دوافع هذا المخطط، الذي يسعى إلى تفجير الحركة الأمازيغية وتفكيك خطابها من الداخل، بعد أن فشلت كل المواجهات المباشرة في إضعاف القضية الأمازيغية من قِبل خصومها السياسيين والإيديولوجيين. وبالتالي، فهذا أسلوب مفضوح لن ينجح صاحبه، لأنه ظاهرة صوتية وافتراضية؛ فلا يمكن صناعة هوية جديدة على منصات التواصل الاجتماعي. وعلى الشخص نفسه أن يعلم جيدا أن الأمازيغية صمدت قرونا طويلة، ولها تراكم صلب في تاريخ المقاومة والصمود، ولن تتأثر كقضية وحركة بأهواء أشخاص لا فكر لهم ولا تأثير ولا رصيد معرفي ولا تراكم تاريخي”.

وأضاف المتحدث عينه: “على كل من شعر باهتزاز شهرته وانخفاض عدد مشاهداته على “اليوتيوب” أن يتوقف عن الترويج للأكاذيب حول الأمازيغية، وتشويه رموزها وشهدائها لغرض الاستفزاز واستعادة البريق”، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة “الانتباه إلى أن هذا الخطاب المتشظي يُسهم في نشر الكراهية والتمييز، وإشاعة ثقافة الاستعلاء على الثقافة الأمازيغية التي ستكون لها نتائج وخيمة وعكسية”.

“تناقض مع الوقائع”

اعتبر رشيد بوهدوز، المنسق الوطني لـ”أكراو من أجل الأمازيغية”، أنه “في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من المثقفين والباحثين أن يُسهموا في ترسيخ الذاكرة النضالية، فوجئنا بتدوينة عبد الخالق كلاب بكثير من الاستغراب والاستنكار؛ لأنها تمثل انزلاقا خطيرا لا يقف عند حدود التعبير عن الرأي، بل يتجاوزها إلى التشكيك السافر في مصداقية مؤسسات الدولة، بما فيها الضابطة القضائية والنيابة العامة، والقضاء المغربي الذي أصدر حكما نهائيا في قضية اغتيال الشهيد عمر خالق، بعد محاكمة علنية وموثقة”.

وأوضح بوهدوز، متحدثا لهسبريس، أن “تقديم هذه الجريمة السياسية الواضحة على أنها مجرد “خلاف شخصي” لا يمكن اعتباره رأيا بحثيا أو قراءة نقدية؛ بل هو تجاهل متعمد لما أظهره التحقيق الرسمي وما أكدته وسائل الإعلام الوطنية، ويُعد في جوهره طعنا في مسار قضائي مكتمل، وإهانة لكرامة الشهيد ونضاله؛ بل أكثر من ذلك، فإن ما ورد في التدوينة يعكس انحرافا عن الموضوعية الأكاديمية نحو خطاب يُقزّم حقيقة الاغتيال السياسي، ويحاول تبرئة الإيديولوجيات المتطرفة التي صنعت القتلة، عبر رواية بديلة تفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية، وتتناقض كليا مع الوقائع الثابتة”.

ولفت الناشط الأمازيغي إلى أن “ربط استشهاد عمر خالق بما سُمّي “خلافا شخصيا” لا يمكن أن يُفهم إلا كنوع من التلاعب بالذاكرة الجماعية، ومحاولة ممنهجة لتجريد التضحية من معناها. فحين يُسحب البُعد النضالي من جريمة اغتيال سياسي، ويتم تصويرها كحادث عرضي أو نزاع شخصي، فنحن أمام محاولة خطيرة لإعادة كتابة التاريخ من منظور مُفرغ من القيم والرمزية”، مبرزا أن “الشهيد عمر خالق ليس مجرد اسم في لائحة ضحايا العنف؛ بل هو رمز من رموز النضال الأمازيغي السلمي”.

وشدّد المتحدث عينه على أن “تحويل قضية الشهيد الراحل إلى نزاع شخصي يُفقد نضاله مشروعيته، ويُضعف الرابط المعنوي بين الحركة وقاعدتها الشعبية، خاصة بين الشباب الذين يتغذّى وعيهم السياسي على رموز من هذا الحجم”، لافتا إلى أن “الأخطر من ذلك هو أن هذا النوع من الخطاب يفتح المجال لتبرئة الفكر الإقصائي الذي أنتج الجريمة، ويمنحه فرصة للتسلل مجددا إلى المشهد كطرف غير مسؤول عما حدث. وهذا يهدد ليس فقط مصداقية الحركة؛ بل حتى سلامة مناضليها اليوم، حين يصبح العنف ضدهم قابلا للتأويل والتبرير”.

وأكد بوهدوز أن “تشويه رموز النضال الأمازيغي ليس أمرا جديدا؛ بل هو امتداد لتاريخ طويل من التهميش والتزوير مارسته الدولة سابقا عبر سرديات رسمية أقصت الهوية الوطنية ورموزها، وهمّشت تضحياتهم”.
وسجل المنسق الوطني لـ”أكراو من أجل الأمازيغية” أن “حماية رموزنا من الإساءات تتطلب أكثر من ردود فعل؛ إذ نحتاج إلى استراتيجية شاملة تشمل التوثيق الأكاديمي، والحضور الإعلامي الفعّال، وسنّ قوانين تُجرّم العنصرية والإساءة إلى رموز النضال. وقد سبق أن طالبنا، من داخل حزب الأصالة والمعاصرة، بإصدار قانون بهذا المعنى”.

“أصوات وأجندات”

في رده على كل هذه الاتهامات، نفى عبد الخالق كلاب، الباحث في التاريخ، هجومه الشخصي على الطالب القتيل “إزم”، قائلا إن “أصحاب هذه الخطابات الراديكالية معروفة أجنداتهم وأهدافهم، وهم لا يمثلون الحركة الأمازيغية؛ بل هم طيف صغير منها، غير مؤثر ومنبوذون من لدن الحركة الأمازيغية ذاتها. وبالتالي، فمن أجل الظهور، يتصيدون التدوينات والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويفسرون ويحللون على هواهم بما يخدم أهدافهم الاسترزاقية؛ ذلك أن العديد من الجمعيات والتنظيمات التي تحسب نفسها على الحركة الأمازيغية إنما تتخذ القضية الأمازيغية كأصل تجاري لتحقيق مكاسب معينة لا غير، ولا تهمهم القضية في أصلها”.

وأضاف كلاب، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “بعض المكونات المجهرية داخل الحركة الأمازيغية تريد أن تحتكر الخطاب الأمازيغي، وترفض؛ بل وتهجم على كل من يتحدث أو يجتهد في تفكيك هذا الخطاب، مثلما يحدث معي اليوم، وسبق أن حدث في عديد من المرات”.

وأبرز الباحث في التاريخ: “أنا لست من ذلك النوع الذي يحاول استغلال الأمازيغية لأهداف ما، فأنا أشتغل كباحث، وأكتب عن الأمازيغية بوسائل ومن منطلقات علمية، باعتبارها هوية جامعة لكل المغاربة، سواء الناطقين بها أو غير الناطقين”.

وذكر المتحدث ذاته أن “هذا اللغط الذي أثاره بعض النشطاء بسبب تدوينتي عن المرحوم والمناضل عمر خالق، والتي، بالمناسبة، لا تنطوي على أي موقف شخصي تجاه الراحل، وإنما يتعلق الأمر فقط بشهادة لأحد معارفه، من باب أن ناقل الكفر ليس بكافر، لشيء مأسوف عليه، لأنه فيه إساءة إلى الراحل وإلى عائلته من أشخاص يقدمون أنفسهم على أنهم رفقاؤه في النضال”، مشيرا إلى أنه حذف التدوينة بطلب من صديق “إزم” بسبب تحميل الموضوع أبعادا أخرى.

وسجّل كلاب أن “بعض مكونات الحركة الأمازيغية، التي لا تحظى بأية مصداقية، تتصيد تدويناتي لاستعراض عضلاتها النضالية ولفت الانتباه”، مبرزا أن “هذه المكونات عاجزة عن مقارعة الأفكار بالأفكار، وإعادة قراءة تاريخ بلادهم قراءات علمية؛ وهو ما يدفعها إلى أسلوب الهجوم والاستهداف وكيل الاتهامات المجانية وغير المؤسسة”.

وحول ما وُصف بـ”هجوم” سابق له على المؤرخ علي صدقي أزايكو، قال الباحث ذاته إن “هؤلاء الذين يكيلون هذه الاتهامات إنما يستغلون اسم الرجل، ويحاولون خلق رموز للاختباء وراءها.. ولا أتحدث هنا عن المرحوم عمر خالق حتى لا يتم استغلال هذا الكلام من جديد؛ ولكن عن رموز أخرى، كالمؤرخ علي صدقي أزايكو، الذي ليست لدي مؤاخذات عليه.. ولكن لدي مؤاخذات على توظيف الرجل في أمور خارج سياقها من أجل استهدافي.. فمن غير المقبول ومن غير الأخلاقي أن يجد أشخاص لم يقرؤوا قط كتابات أزايكو، ويستمرون في استغلاله لتصريف مواقفهم الراديكالية”.

وحول طبيعة “الخطاب الموري” الذي يتبناه، ويثير هو الآخر انتقادات بعض النشطاء الأمازيغ، أكد كلاب أن “الخطاب الموري هو خطاب أمازيغي الأصل؛ فالإنسان الموري هو أمازيغي بحكم التاريخ والجغرافيا.. غير أن الموري، بالنسبة لي، هو ذلك الأمازيغي الذي ينتمي إلى هذا المجال الجغرافي الذي يسمى بالمغرب. وأنا لا أؤمن بشيء اسمه “تامازغا”، فأنا أنتمي إلى أرض المغرب، التي هي أرض الأمازيغ، وأؤمن أيضا بأن أصل جميع المغاربة أمازيغي؛ ولكن بعض الظواهر الصوتية، وكعادتها، ترفض اللجوء إلى منطق النقاش الجدي العلمي والمسؤول، وتستبدله بمنطق هجومي يخفي من ورائه عجزا وخوفا من النقاش الذي يمكن أن يحطم بعض أوهامهم”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الاتحاد الأوروبي يعلن التوصل إلى تفاهم مع إسرائيل لتحسين الأوضاع في غزة
التالى إلهام شرشر تكتب: رسائل السيسى فى ذكرى الثلاثين من يونيو