“هذه المرحلة لا يوجد من يؤرخها بوعي، ومن يحاول يفقد الوعي”.
لعلي قرأت العبارة في كتاب للدكتور محمود إسماعيل في مستهل ثمانينيات القرن الماضي.
وقتها-كما دائما-لم يكن العالم العربي الحديث بخير؛ لكن ضرره لم يكن يتجاوز المشية العرجاء، في اتجاه الهاوية.
اليوم وقد وقع كالبعير الملدوغ، وسرى السم في كامل الجسد، حد الكُساح الشامل، ما عسانا نقول لمن خطط ودبر؟
نقول ما قاله الشاعر العربي للقُبرة السعيدة:
يا لكِ من قبرة بِمعمَرٍ..خلا لك الجوُّ فبيضي واصفري
قد رُفع الفخُّ فماذا تحذري..فنقِّري ما شئت أن تُنقري
وعمِّري ما شئت أن تُعمري
خلا الجو لتُنظم الحماقاتُ أناشيد للإنسانية، التي جُبِلت على التغني بالسلام وممارسة الحرب.
مرة أخرى نستعيد ما قاله الفرزدق للحسين بن علي؛ إذ سأله عن حال الناس في الكوفة:
القلوب معك، والسيوف مع بني أمية.
يتكرر هذا اليوم؛ إذ تهفوا قلوب العرب إلى غزة، لكن مال أثراهم–والمال عصب الحرب كما قال نابوليون، يذهب “تريليونات” إلى من يخطط لجنة سياحية غزية بعد أن تكمل إسرائيل هدم كل المعمار وقتل أغلب “الأشرار” .
نتانياهو يرشح ترامب لجائزة نوبل للسلام:
هو ترشيح وقح طبعا، وإذا لم تنتبه لجنة الجائزة للدم الذي يلطخ ورقته، كاشفا عن بصمات صاحبه، فقد حِيز لها ما تقدم وما تأخر من الغباء البشري، أو التواطؤ الخبيث.
مجرم حرب، ولغ في الدم الفلسطيني حد الرواء، وما ارتوى، يرشح رئيس الولايات المتحدة السابع والأربعين لجائزة السلام العالمي.
وإليكم توثيق الخبر:
قال نتنياهو أمام الكاميرات وهو يسلم ورقة لترامب:
“إنها ترشيحك لجائزة نوبل للسلام، وهي مستحقة تماما، ويجب أن تنالها”. ووصف ترامب بأنه زعيم “يصنع السلام في هذه اللحظة، من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى”.
ورد ترامب قائلا: “شكرا جزيلا. أن يأتي هذا منك تحديدا يعني لي الكثير”. (عن: هسبريس).
معروف عن ترامب أنه يلقي الكلام على عواهنه، ويترك لسامعيه أن يفهموه. ومن خلال تعليقاتهم، وشروحهم، يفهم ما قال ويقدر متأخرا وطأته، وغالبا ما يعيد فيه النظر، لا غيا أو مصححا.
“شكون يقول للسبع فمك خانز؟”
هي الأبلغ في التعليق على أغلب ما يصدر عن الرجل من تصريحات تخالها من كلام العامة في الشوارع؛ فتشهق حينما تنتبه الى كونها كلام البيت الأبيض، المالك لأزرار الدمار النووي للمجرة كلها وليس الأرض فقط.
ورغم هذا أرى في جوابه لنتانياهو دلالات عميقة:
هو يعرف أن أصابع نتانياهو تكاد تصرخ فاضحة إجرامه في حق الشعب الفلسطيني، وفي حق مواطنيه، جنودا ورهائن ومواطنين…
وهو يعرف كل ما دُبر، بنهار وليل، للهجوم على إيران، في حرب العلماء.
ويعرف ما يحاك لسوريا، وعدا ووعيدا، لتصبح إسرائيلية بالجوار؛ وهذه درجة متقدمة على مجرد التطبيع.
ويعرف أن إسرائيل التي تسعى لاستكمال التطبيع، هي غير إسرائيل التي بدأته مع الدول المطبعة.
إسرائيل أخرى، شاكية السلاح ومنتصرة، على أهبة استبدال مصطلح التطبيع الفضفاض بـ”التركيع” الذي يتضمن: لقد غلبتك فكيف أطبع مع منهزم؟
ويعرف أن كل ما ينسب إعلاميا لإسرائيل، أمريكي المنبع والمجرى.
ويعرف أن القضاء الاسرائيلي – والحالة مفارقة – يقاضي محاربا منتصرا يخفي مفسدا ومرتشيا.
ولهذا رد بـ: ترشيحك أنت بالضبط يعني لي الكثير.
لم يبق إلا أن يعلن، من جهته، أنه يتقاسم ترشيحه مع نتانياهو لينالا الجائزة سويا.
وهل تقوى جائزة أصلها أموال الديناميت على حرمان أفضل التلاميذ من استنشاق رائحة البارود؟
وعلى أي فقد خلا الجو فعلا للقبرة.
وفي رواية حديثة، سئل البرق: من ترشح لما تشاء؟
فأجاب: الرعد، لجائزة السكينة.