رمسيس , في أول أمس وبينما بدا اليوم كغيره من الأيام العادية، فوجئ ملايين المصريين برسالة مبهمة عند محاولتهم استخدام خدمات الاتصالات: “عذرًا، نحن خارج الخدمة”. لم يكن أحد ليتوقع أن تلك الكلمات ستكون بداية واحدة من أسوأ الكوارث التكنولوجية التي عرفتها مصر في العصر الحديث.
بدأت الأزمة مع اندلاع حريق هائل في سنترال رمسيس، أحد أهم المراكز الحيوية لشبكات الاتصالات على مستوى الجمهورية. تسارعت الأحداث، ومع وصول رجال الإطفاء، اتضح أن النيران التهمت أجزاء من البنية التحتية الحساسة، وأن السيطرة على الوضع لم تكن سهلة، إذ اشتعلت النيران مجددًا بعد كل محاولة للإخماد. وسرعان ما غابت الشبكات، وتوقفت خدمات الإنترنت والبنوك والتطبيقات الرقمية، فعاشت مصر لساعات طويلة وكأنها عادت إلى زمن ما قبل الهواتف الذكية والاتصال الفوري.

شلل رقمي.. وانقطاع الخدمات المصرفية بعد حريق رمسيس
لم يكن الحريق مجرد خلل فني عابر، بل تسبب في توقف شامل للخدمات الرقمية، حيث تعطلت شبكات الاتصال والإنترنت بشكل كامل في مناطق واسعة، مما أثّر بشكل مباشر على الخدمات البنكية والدفع الإلكتروني. أصبحت الحياة اليومية مشلولة، فالتحويلات المالية توقفت، وماكينات الصراف الآلي أصبحت خارج الخدمة، بينما واجه المواطنون صعوبة في شراء احتياجاتهم أو التواصل مع ذويهم.
ربات منازل، طلاب، عمال، وأصحاب مهن حرة، جميعهم عانوا من آثار الانقطاع. إنجي دعبس، ربة منزل، عبّرت عن قلقها قائلة: “مكانش فيه جنيه في البيت، وابني محتاج فلوس ضروري، بس كل الماكينات كانت واقفة”. كما أضافت أن القلق تضاعف لعدم قدرتها على الاتصال بابنتها، التي لم تكن الشبكة تعمل على هاتفها إلا بصعوبة. “اتعلمت الدرس.. لازم يبقى في كاش في البيت دايمًا”، هكذا أنهت حديثها بنبرة اختلط فيها الغضب بالحذر.

مواقف إنسانية وسط الأزمة وغضب ساخر على مواقع التواصل
الأزمة طالت كذلك العاملين في قطاع الخدمات. ياسين الجمل، عامل توصيل، قال: “اشتغلت يومها على سبع طلبات بس. محدش كان قادر يتواصل مع المطعم، وكان في انتظار طويل بسبب فشل الشبكات”.
في المقابل، ورغم التوتر، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سيلًا من التعليقات الساخرة، كعادة المصريين في التعامل مع الشدائد. أحدهم كتب: “وقفت في البنزينة وطلعت كوين علشان مش معايا كاش”، في إشارة ساخرة إلى العودة لأساليب “البارتر”.
لكن وسط هذا الغضب، ظهرت مشاهد إنسانية. الصحفي أحمد شعراني كتب منشورًا عن مدير مطعم سمح للزبائن بالمغادرة دون دفع، ووعدهم بالتحصيل لاحقًا. كما روى موقفًا آخر مع سائق تابع لتطبيق نقل ذكي أصر على توصيله مجانًا قائلًا: “في عز الأزمة.. لسه في خير”.

أزمة حريق سنترال رمسيس كشفت الخطر وأظهرت معدن المصريين
حريق السنترال لم يكن مجرد خلل فني، بل ناقوس خطر على مدى اعتمادنا الكامل على التكنولوجيا دون بنية احتياطية قوية. ومع ذلك، أظهرت الأزمة الوجه الحقيقي للمصريين، حيث تجلّى التضامن، والرحمة، وروح الدعابة في أحلك الظروف. أزمة كهذه يجب أن تكون دافعًا لتطوير نظم الأمان الرقمية، ووضع خطط طوارئ فعّالة، تضمن عدم انهيار الحياة اليومية في لحظة واحدة.