مع تزايد الضغوط العالمية للحدّ من الانبعاثات الكربونية، يبرز وقود الطائرات المستدام (SAF) بصفته أحد الحلول الواعدة لتحقيق مستقبل أكثر نظافة لقطاع الطيران، الذي يُعدّ من أكثر القطاعات صعوبة في إزالة الكربون.
ويُنتج "SAF" من مصادر متجددة، مثل الزيوت النباتية المستعملة، والمخلّفات الزراعية، والدهون الحيوانية، ويتميز بانخفاض الانبعاثات الكربونية الصادرة عنه بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بوقود الطائرات التقليدي.
وبدأ العديد من شركات الطيران والمطارات حول العالم باعتماد هذا النوع من الوقود جزئيًا، في إطار الالتزامات بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
ورغم التحديات المرتبطة بتكاليف الإنتاج والبنية التحتية، فإن التوسع باستعمال وقود الطائرات المستدام يُعدّ خطوة ضرورية نحو طيران أكثر استدامة في المستقبل.
وفي هذا الإطار، نظّمت جمعية المهندسين المصرية ندوة بعنوان "إنتاج الوقود الحيوي مصدرًا للطاقة البديلة والمستدامة"، حضرَتها منصة الطاقة المتخصصة.
زيادة التحديات البيئية
شارك في الندوة -التي قدّمها وزير البترول المصري الأسبق المهندس أسامة كمال- نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الطاقة والبيئة، وألقى المحاضرة الرئيسة رئيس مجلس إدارة شركة إنتاج وقود الطائرات المستدام الدكتور تامر هيكل.
استهلّ "هيكل" حديثه بتسليط الضوء على التحديات البيئية التي تواجه العالم، وعلى رأسها ظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن ارتفاع تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء.
وأضاف أن زيادة هذه الغازات تؤدي إلى اختلال التوازن الحراري على سطح الأرض، ما يسبّب تغيرات مناخية حادّة، لها انعكاسات سلبية على صحة الإنسان والبيئة.
وأوضح أن مكونات الغلاف الجوي تشمل النيتروجين (بنسبة 78%)، والأكسجين (21%)، وغازات خاملة (0.9%)، إلى جانب غازات الندرة التي تؤثّر مباشرةً في المناخ عند تزايد نِسبها.
تجارب ناجحة
تناولت الندوة أسباب انبعاث الملوثات، سواء الطبيعية مثل البراكين وحرائق الغابات، أو الناتجة عن الأنشطة البشرية، وعلى رأسها حرق النفط والفحم والغاز الطبيعي، وهي أنشطة مسؤولة عن انبعاثات ضخمة من غازات الدفيئة.
ودعا المشاركون إلى تطبيق حلول عاجلة لتقليل هذه الانبعاثات، من خلال التوسع في الغطاء النباتي، والاعتماد على وسائل نقل عامة، والرقابة على المصانع، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح.

من جانبه، ركّز الدكتور تامر هيكل على أهمية الوقود الحيوي بصفته بديلًا نظيفًا للوقود الأحفوري، ووسيلة فعّالة لخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تتراوح بين 50% و90%.
واستعرض "هيكل" تجارب ناجحة على مستوى العالم، مثل تجربة البرازيل التي استطاعت تقليص اعتمادها على النفط بنسبة 40% بفضل الإيثانول الحيوي، ما وفّر لها أكثر من 50 مليار دولار منذ عام 1975، بينما خفضت أوروبا انبعاثات قطاع النقل بنسبة 7% باستعمال الديزل الحيوي.
وأشار إلى رصد الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار للاستثمار في هذا القطاع، بينما يهدف الاتحاد الأوروبي للوصول بنسبة الطاقة المتجددة في النقل إلى 14% بحلول عام 2030.
سوق الوقود الحيوي
يعتمد إنتاج الوقود الحيوي على مصادر متجددة مثل النباتات، والطحالب، والمخلّفات الزراعية والحيوانية، ويشمل 3 أنواع رئيسة: الإيثانول (المستخرج من الذرة وقصب السكر)، والديزل الحيوي المشتق من زيت النخيل وفول الصويا، والغاز الحيوي الناتج عن المخلّفات العضوية وروث الحيوانات.
وبلغت نسبة الوقود الحيوي في مزيج الطاقة العالمي 3.5%، مقابل 80% للوقود الأحفوري، و2.5% للغاز، وفقًا لبيانات عام 2023.
وبلغ الإنتاج العالمي للوقود الحيوي في 2023 نحو 165 مليار لتر، مقارنة بـ50 مليار لتر فقط في عام 2010، ومن المتوقع أن يصل إلى 250 مليار لتر بحلول 2030.
وقُدِّرت قيمة السوق العالمية للوقود الحيوي بنحو 150 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعها إلى 200 مليار دولار خلال 5 أعوام.
وتتصدر الولايات المتحدة الإنتاج بنسبة 57%، تليها البرازيل بنسبة 35%، وألمانيا والصين وفرنسا بنِسب متقاربة بين 3 و4%.
مشروعات قيد التنفيذ
سلّطت الندوة الضوء على وقود الطائرات المستدام، بصفته أحد أبرز تطبيقات الوقود الحيوي.
وأوضح الدكتور هيكل أن إنتاج هذا الوقود تجاوز 300 مليون لتر في عام 2022، وفقًا لبيانات الاتحاد الدولي للنقل الجوي IATA، بزيادة ملحوظة على الأعوام الماضية.

كما افتُتِحَت خلال عام 2023 عدّة مصافٍ جديدة لإنتاج SAF حول العالم، مع إعلان أكثر من 130 مشروعًا بحثيًا وصناعيًا قيد التنفيذ، يُتوقع أن يدخل أكثر من 85 منها حيز التشغيل بحلول 2030، لتلبية ما بين 5% و10% من الطلب العالمي على وقود الطائرات.
وأكد المشاركون في الندوة أن الوقود الحيوي يشكّل جزءًا حيويًا من الحلول المناخية العالمية، خاصة مع تزايد الحاجة إلى تقنيات طاقة نظيفة ومستدامة، داعين إلى دعم الأبحاث والاستثمارات في هذا المجال، وسنّ تشريعات محفّزة لتوسيع إنتاجه محليًا وعالميًا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..