في خطوة استراتيجية تؤشر على تحول نوعي في قدرات سلاح الجو المغربي، أطلقت القوات المسلحة الملكية المغربية، الأربعاء الماضي بالرباط، برنامجا لتحديث أسطول النقل الجوي المخصص للشحن والدعم اللوجستي، بحضور وفود رفيعة المستوى من المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، حسب ما أفاد به بيان للقوات المسلحة الملكية على حسابها الرسمي على موقع “فيسبوك”.
وحسب البيان سالف الذكر، فإن هذا المشروع يهم بالأساس تحديث طائرات النقل من طراز C-130H التي يحوزها المغرب، في إطار شراكة تقنية مع شركة L3-Harris Technologies الأمريكية.
وأبرز المصدر ذاته أن هذه الخطوة تعد لبنة جديدة في مسار تطوير منظومة النقل الجوي العسكري وتجسد رؤية المغرب نحو تعزيز فعالية تدخلاته الميدانية داخل الوطن وخارجه، سواء في المهام العملياتية أو في الاستجابات الإنسانية.
ويعد هذا التحديث، حسب مهتمين بالشؤون الدفاعية، نقلة نوعية في منظومة النقل الجوي العسكري المغربي وخيارا استراتيجيا يعكس رؤية دفاعية شاملة للمغرب في مواجهة التهديدات المتعددة، ويُكرّس تموقعه كشريك موثوق في منظومات الأمن الإقليمي والدولي.
واعتبر المهتمون أنفسهم أن تطوير هذا النوع من الطائرات ينسجم مع توجه الرباط لبناء قوة جوية متعددة المهام قادرة على فرض حضورها في مسارح العمليات الأمنية والإنسانية، ومواكبة التحولات الجيوسياسية والتكنولوجية المتسارعة في محيطها الإقليمي وفي العالم.
قدرات عملياتية وكفاءة مغربية
قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “عملية تحديث أسطول النقل الجوي للقوات المسلحة الملكية المغربية، خاصة طائرات النقل C-130H، تكتسي أهمية استراتيجية وعسكرية بالغة؛ بالنظر إلى الدور المهم الذي تلعبه هذه الطائرات في دعم القدرات العملياتية للجيش المغربي، سواء في حالات الأزمات الإنسانية أم أثناء تنفيذ المهام اللوجستية والعسكرية داخل الوطن وخارجه، كإجلاء قوات المظليين وعمليات الإسقاط الجوي”.
وأبرز مكاوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “امتلاك أسطول نقل جوي حديث يعزز القدرات العملياتية للقوات الجوية الملكية المغربية، كما يُعد أيضا خيارا استراتيجيا ذا أولوية قصوى ضمن منظومة الدفاع المغربية”.
وسجل الخبير في الشؤون العسكرية أن “طائرات النقل C-130H أمريكية الصنع تُعدّ ركيزة لوجستية أساسية بالنسبة للعديد من الجيوش في تأمين الإمداد السريع للوحدات المنتشرة في مسارح العمليات، ونقل العتاد والجنود في البيئات الصعبة والمعقدة”.
وشدد المتحدث عينه على أن “الرفع من القدرات التكتيكية لهذه الطائرات، من خلال تحديث أنظمة الملاحة والاتصالات وأنظمة التحكم بالطيران، يضمن تعزيز المرونة العملياتية لسلاح الجو المغربي ويُكرّس تفوقه إقليميا، خاصة أن القوات الجوية المغربية أصبحت تتوفر على أسلحة متطورة وارتفعت كفاءتها بشكل كبير لتضاهي سلاح الجو التابع للعديد من الدول الغربية؛ بما في ذلك الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، خصوصا بعد إدماج مقاتلات من الأجيال الجديدة إلى جانب الطيران المُسيّر”.
وذكر الخبير العسكري ذاته أن “تحديث قدرات وأسلحة القوات الجوية المغربية يعكس إرادة القيادة في الرباط في مواكبة التحولات الجيوسياسية والتكنولوجية التي تعرفها المنطقة والعالم، وفي دمج جيش البلاد بشكل أعمق في منظومات العمل العملياتي المشترك مع الشركاء الدوليين؛ من ضمنهم الولايات المتحدة وباقي حلفاء المملكة”.
وأشار مكاوي إلى أن “العديد من التقارير تحدثت عن اهتمام المغرب أيضا بطائرات النقل العسكري من طراز Embraer C-390 Millennium البرازيلية الصنع، القادرة على تنفيذ مهام متعددة؛ ما يجعلها منصة متعددة الاستخدامات وخيارا مناسبا للمغرب لدعم العمليات ذات البعد الاستراتيجي”.
استثمار استراتيجي وضرورة حتمية
من جهته، اعتبر هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، أن “تحديث طائرات النقل C-130H لا يمكن اعتباره مجرد ترقية تقنية لأسطول الطيران العسكري؛ بل هو استثمار استراتيجي في قدرات الدولة المغربية على التحرك المستقل والفعّال في زمن الأزمات”.
وأوضح معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الطائرة، المعروفة بقدرتها العالية على الهبوط والإقلاع في مدارج غير مهيأة وبأحمال ثقيلة، تشكل العمود الفقري لأية عمليات نقل لوجستي تكتيكي أو استراتيجي، سواء على مستوى الجبهات أم في عمليات الإسعاف الجوي والإغاثة الإنسانية”.
وأضاف الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن “تحديث هذا الأسطول يعكس بوضوح اختيارا سياسيا بالاعتماد على التقنية الغربية عالية الدقة؛ ما يُكرّس خيار المغرب الاستراتيجي في التموقع داخل محور الأطلسي”.
وسجل المتحدث عينه أن “قدرة المغرب على التدخل السريع في مناطق التوتر الإقليمي ستتعزز بشكل نوعي بفضل هذا التحديث، خصوصا في ظل توسع الأدوار المغربية في إفريقيا غربا وجنوبا؛ ذلك أن طائرة C-130H، بعد تحديثها بأنظمة ملاحة واتصال متقدمة، ستكون قادرة على تنفيذ مهام معقدة في بيئات جغرافية قاسية وظروف جوية صعبة”، لافتا إلى أن هذا “ما يمنح الرباط أداة حاسمة لتفعيل دبلوماسيتها العسكرية، سواء في مهام الإجلاء أم نقل القوات أم تقديم المساعدة الطبية في بؤر النزاع، دون انتظار المساعدات الخارجية”.
وأبرز معتضد أن “المغرب يعيد، من خلال هذا المشروع، بناء مفهوم “الجاهزية الجوية” بما يتجاوز الأبعاد التقليدية؛ فالجاهزية هنا لم تعد مرادفة فقط لقدرة الطيران القتالي على الرد السريع، بل تشمل أيضا تموقعا لوجستيا يسمح بنقل الموارد والعتاد والمساعدات بسرعة وكفاءة. وبذلك، تصبح القوات الجوية ركيزة في إدارة الكوارث وحفظ السلام والتدخل الطبي في الداخل والخارج؛ وهو ما يتقاطع مع تصور الدولة المغربية لدورها كفاعل إقليمي مسؤول”.
وأكد أن “تحديث أسطول النقل الجوي هو ضرورة حتمية في سياق التحولات الجيوستراتيجية التي تعرفها منطقة الساحل والصحراء، والتي تشهد فراغات أمنية متزايدة. فمع تنامي التحديات العابرة للحدود، من الإرهاب إلى الهجرة غير النظامية، تصبح القدرة على نشر وحدات الدعم أو التدخل السريع عاملا حاسما في حماية المصالح الوطنية؛ بل وفرض توازن ردعي على من يراهن على هشاشة المجال الجوي في الجنوب”.
وخلص معتضد إلى أن “هذا المشروع، على محدودية حجمه مقارنة بصفقات التسليح الكبرى، يعكس عقلانية استراتيجية في بناء القوة: أي التركيز على “القدرات الممكنة” أكثر من “الاستعراضات الردعية”. ففي عالم تتراجع فيه أهمية التهديد الكلاسيكي لصالح التهديدات الهجينة والطارئة، يصبح الاستثمار في النقل الجوي واللوجستيات قرارا سياديا يرفع من قيمة الجيش في عمليات الإسناد، ويعزز من صورة المغرب كدولة ذات قدرة على تقديم المساعدة لا على طلبها فقط”.هسبريس- توفيق بوفرتيح