شعر الإنسان الصحراوي بـ”حظ كبير” حين استيقظ أول الأمر فوجد نفسه متاخما لرمال ذهبية استطاع استثمارها، لا كوسيلة عيش فقط؛ بل كفرصة لتحويل منطقة في الهامش إلى وجهة عالمية. جهد محلي خالص شيّد فنادق بمعايير عالمية أدهشت العابرين، وأغرت العاشقين، وكتبت قصة مرزوكة… كرقعة سحرية من الجنوب الشرقي المغربي.
تحولت الصحراء، منذ عقود، من “بلدة صامتة” إلى واحدة من أبهى الوجهات السياحية في المملكة والعالم. ففي قلب “أسامر”، تمتد الرمال بلا نهاية وتجد العين “محنة ممتعة” لرصد أين تنتهي. يقول أبناء المنطقة للزائر مرارا إن “مرزوكة ليست مجرد صحراء؛ بل هي تجربة متكاملة تنسج خيوطها من الطبيعة والثقافة والمغامرة والسكينة الروحية”.
رغم طبيعتها الصحراوية، فإنها ليست بعيدة عن متناول يد السائح. فبفضل شبكة طرق حديثة وتنظيم محكم لوسائل النقل، بما في ذلك الربط الجوي نحو أقرب نقطة: الرشيدية؛ يمكن الوصول إلى الصحراء بسهولة من فاس مراكش وغيرهما من المدن. وهذا ما يجعلها خيارا مثاليا، سواء للرحلات القصيرة أو الجولات الكبرى عبر جهة درعة تافيلالت.
الصوت والنكهة والروح
الإنسان في تلك الصحراء يمثل جزءا من العرض السياحي بحد ذاته. لاحظ الفاعلون أن أهل المنطقة لا يقدمون خدمات فقط؛ بل يمنحونك قطعة من حياتهم. ستأكل الطعام الذي يعدونه في بيوتهم، وتستمع إلى الموسيقى التي ورثوها عن أجدادهم، وربما تشاركهم في الرقص تحت ضوء القمر أو على إيقاعات “كناوة القرية” بالخملية.
يصرح كثير من المهنيين في المنطقة بأن “السائح ليس زبونا؛ بل ضيفا لا بد أن يُدمج في ثقافة الساكنة ليشعر بقوتها وأصالتها وتفردها”. وهذا يمنح العرض المحلي نقطة قوة أخرى تلتقي فيها “نية الساكنة” مع نشاطهم الاقتصادي، مع غلبة “سياحة النية”، كما قال المختار بوبا الزكزاو مرة، وهو أحد أبرز الباحثين من أبناء المنطقة.
ثقافة البلدة التي تحتضن مساحة رملية شاسعة تتنفس في كل تفاصيلها: من زخارف الفنادق والرياض والخيام، إلى طقوس تقديم الشاي والبندق والجوز والحلوى، وإلى الكرامات الكناوية وحكايات الجدات التي تُروى للأطفال ثم للسياح على لسان مرشدهم أو مرافقهم. تصبح زيارة الصحراء تجربة تذوق ثقافي بامتياز.
في البدء… سحرُ رمل
أول ملامح سحر بلدة مرزوكة يكمن في منظرها الطبيعي الفريد، وعلى رأسه كثبان “عرق الشبي”، التي ترتفع بشكل مهيب كأنها أمواج جامدة من الرمل. هذه الكثبان، التي تُعد من بين الأعلى في شمال إفريقيا، تأسر الزائر منذ النظرة الأولى، سواء عند شروق الشمس حيث تنعكس الألوان عليها أم عند الغروب حين تذوب الشمس ببطء.
عند الغروب أو الشروق تبدو لك الكثبان العالية مليئة بالناس، الكل يحمل آلته الفوتوغرافية أو هاتفه المحمول لالتقاط لحظة نادرة تلج فيها الشمس وراء الرمال؛ لكن الزائر يدرك أن الآلة لا تستطيع التقاط المشهد كما تراه العين، لأن الشعور يتسرب إلى دهاليز الروح فيحفر فيها أثرا لا يُمحى. مراقبة الأفق تترك أثرا داخليا يشبه لحظة تأمل نادرة، ويجعل من المكان مزارا روحيا.
لنعبر.. على ظهر الإبل
بالنسبة لمن حجز في المخيمات الرملية الساحرة الموجودة في قلب الكثبان، يستفسر المهنيون: كيف تفضل أن تذهب؟ عبر الجمل أو عبر السيارة رباعية الدفع؟ هسبريس تقترح تجربة رحلات الجمال لأنها ليست فقط وسيلة لاستكشاف الصحراء؛ بل عودة تقريبية إلى الماضي، إلى الزمن الذي كانت فيه القوافل تشق طريقها بين الصحاري.
بالنسبة لمن رافقتهم هسبريس في هذه الرحلة في وقت سابق، سواء من المغاربة أم من الأجانب، عبّر كثيرون منهم على نقطة يمكن إجمالها في الآتي: “أن تسير على ظهر جمل في صمت الرمال، وتراقب الشمس وهي تترك السماء ببطء، هو أشبه بحوار داخلي لا يسمعه إلا القلب”؛ لكن هذه الوسيلة تتعدى طابع “الفلكلور”، وهي تسجيل لحوار بين ماضي الصحراء وحاضرها المحلي.
رحلة السفاري بالجمال تدخل ضمن تسعيرة الإقامة، وغالبا ما تنتهي بمخيم صحراوي تنتظرك فيه خيمة تقليدية بكل المعايير العصرية، ونار مشتعلة، وموسيقى كناوية محلية أو فرق أمازيغية تقرع الطبول في ليل يطل عليه القمر والنجوم فقط، وتُحاكي وجدانك بصوت الطبل والقيثارة التي تستوحي صرخات الطوارق.
الصحراء تعدك بخيمة
تجربة المبيت في مرزوكة تتجاوز مفهوم الإقامة. في الصحراء، يصبح الإسمنت شيئا ثانويا ويسمح للمخيمات بأن تبرز في واجهة العرض السياحي. مخيمات بمعايير مختلفة منها منخفضة الثمن، وضمنها الأعلى ثمنا. تجمع معظم المخيمات بين أصالة الحياة البدوية الصحراوية وروحها وبين راحة العصر الحديث ومتطلباته.
عند اختيار الإقامة في المخيمات، يُغمر الزائر في جو تقليدي أصيل يعكس نمط حياة السكان المحليين، خيام مهيكلة ومؤهلة لاستقبال الناس بلا أي حرج، فضلا عن كونها محمية تماما من القوارض والزواحف. الأرض مغطاة بالسجاد المحلي أو الزرابي المصنوعة في مناطق أمازيغية قريبة في رغبة إلى “تقديم ثقافة في ثوب خدمة سياحية”.
الخيمة ليست مجرد تجربة عزل عن العالم، فهي مجهزة بكافة وسائل الراحة الضرورية التي يحتاجها السائح المعاصر، بما في ذلك مراحيض نظيفة، ومياه جارية، وكهرباء لضمان إنارة الخيام وشحن الأجهزة. هذه اللمسات العصرية تجعل من الإقامة في المخيم متعة متكاملة، تضمن راحة الضيف ويجد فيها مستوى نظافة يرقى إلى أعلى المعايير.
لا تريد خيمة؟
طوّرت، على مدى السنوات الأخيرة، بنية تحتية سياحية مرنة وشاملة تجعل منها وجهة قادرة على استقبال جميع أنواع الزوار، بمختلف طبقاتهم الاجتماعية. وإلى جانب المخيمات، تتوفر المنطقة على مجموعة واسعة من الفنادق والرياض وبيوت الضيافة. هذا العرض يمنح السائح حرية الاختيار بما يناسب ذوقه وقدرته الشرائية.
وعلى الرغم من أن المنطقة تقع في هامش البلد، فإنها تقدم فنادق عالمية مذهلة بعمران محلي تحضر فيه لمسة إفريقية، خصوصا بلدان الطوارق. وهناك نقاط مشتركة عديدة مع “الرجال الزرق”؛ بما في ذلك بعض تسميات المؤسسات الفندقية التي تحيل إلى أماكن وجود الطوارق في مالي والنيجر. يراهن المهنيون على سحر العمران. ولذلك، تختلف بنية الفنادق بشكل كبير عن فنادق الحواضر السياحية الكبرى.
التدرج في الخدمات والأسعار جعل من مرزوكة وجهة سياحية مرنة للغاية، قادرة على احتضان المسافر الفردي والعائلة والمجموعات المنظمة وأسفار الوكالات السياحية الوطنية والدولية. والنتيجة هي مزيج من التنوع البشري والثقافي، يثري التجربة، ويضفي على المكان روحا عالمية بنكهة صحراوية محلية.
أنشطة لا تنتهي
مرزوكة لا تكتفي بجمالها الساكن؛ بل تقدم تجارب مليئة بالحركة. يمكنك التزلج على الرمال، أو الانطلاق بجولات السيارات رباعية الدفع في طرق وعرة تحيط بها الكثبان، ويقود فيها أبناء المنطقة المركبة باحترافية كبيرة. كما يمكن للزائر ركوب الدراجات النارية أو الدراجات الرباعية وسط ممرات رملية وتموجات متواصلة.
تتوفر الصحراء، الآن، على دراجات هوائية بإطارات عريضة جدا لضمان ثبات أفضل على الأسطح الرخوة، خصوصا الكثبان. هذه الدراجات التي التحقت، مؤخرا، بالعرض المحلي تتيح للرياضيين التجول في مختلف مناطق البلدة من مرزوكة حتى الحاسي لبيض أو الاتجاه إلى “الضاية” لرؤيتها ممتلئة بالماء أو تستقبل طيورا مهاجرة.
الشفاء.. حتى الصيف
في فصل الصيف، تتحول مرزوكة إلى محطة استشفائية. يقصدها الزوار من داخل المغرب وخارجه للاستفادة من العلاج الطبيعي برمالها الساخنة؛ وهو تقليد عريق توارثه سكان المنطقة، منذ أجيال. يُعرف هذا العلاج بـ”الحمامات الرملية”، ويقوم على دفن الجسم، جزئيا أو كليا، في حفرة ساخنة لفترة محدودة تحت إشراف أبناء المنطقة.
تُستخدم هذه التقنية الطبيعية للتخفيف من آلام المفاصل، والروماتيزم، والاضطرابات العضلية، بالإضافة إلى تنشيط الدورة الدموية. وتقول الساكنة إنه “رغم بساطة الوسيلة، فإن فعاليتها جعلت منها واحدة من أشهر الممارسات العلاجية التقليدية المرتبطة بالسياحة في مرزوكة، خصوصا خلال شهري يوليوز وغشت، حيث تبلغ حرارة الرمال ذروتها وتصل إلى درجات مثالية لهذا النوع من العلاج”.
وفي النهاية.. لماذا يجب أن تزور مرزوكة؟
هسبريس تقترح هذه الوجهة، لأنه في زمن أصبحت فيه السياحة تُقاس بعدد الصور ومقاطع الفيديو، تذكر مرزوكة زوارها أن هناك أماكن تُعاش بكل الحواس، وتبقى في القلب حتى بعد الرحيل. إنها ليست فقط وجهة، بل حكاية شخصية لكل من وطأت قدماه الرمال.
وإذا كنت تُخطط لرحلتك المقبلة، فلتكن مرزوكة اختيارك. فيها ستجد الحياة تنبض بشكل آخر: أبطأ، أعمق، وأجمل.