لا تزال سهرة الفنان المغربي طه فحصي، المعروف فنيا بلقب “طوطو”، التي بثتها القناة الثانية ضمن فعاليات مهرجان “موازين”، تثير موجة من الجدل بعد توصل الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا) بشكاية تتهم القناة العمومية بخرق مضامين دفتر التحملات، وذلك بسبب ما وصفه المشتكي بـ”محتوى غير لائق” تم عرضه خلال السهرة.
تضمنت الشكاية التي نشرها الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، اتهامات للقناة ببث مشاهد لفنان يظهر بـ”هيئة غريبة” وهو يرتدي قميصا كتب عليه عبارة “سلكوط” تتوسطه نجمة العلم الوطني، إضافة إلى ترديده عبارات وصفت بـ”النابية” وتحريضه الجمهور على تكرارها، ما اعتبره المشتكي إخلالا بالكرامة الإنسانية وتهديدا للسلامة النفسية للأطفال والمراهقين.
ورغم هذه الانتقادات، فقد عرفت سهرة طوطو حضورا جماهيريا ضخما قدر بأزيد من 400 ألف متفرج، ما يعد رقما قياسيا في الدورة العشرين من المهرجان، كما حقق بثها التلفزي نسبة مشاهدة عالية سواء عبر شاشة القناة الثانية أو على منصات التواصل الاجتماعي.
ضجة مفتعلة ومحاولة للتشويش
مصادر مقربة من الفنان طه فحصي عبرت عن اندهاشها من حجم الجدل المثار، معتبرة أن ما يحدث لا يعدو كونه “ضجة مفتعلة” تقف خلفها جهات اعتادت مهاجمة الأسماء الفنية الشابة، وخصوصا تلك التي تعبر بأسلوب مختلف.
وأشارت المصادر ذاتها، في حديث مع هسبريس، إلى أن الفقرة الفنية لطوطو مرت في أجواء حماسية دون تسجيل أي تجاوز أو تصرف خارج عن السياق الفني المتعارف عليه، مشددة على أن طوطو لطالما قدم نفسه كفنان يتحدث بلغة الشارع ويعبر عن قضايا وهموم جيله بطريقة مباشرة وجريئة، وهو ما جعله يحظى بشعبية واسعة داخل وخارج المغرب، خصوصا في أوساط الشباب.
وأضافت: “من المؤسف أن يختزل حفل ناجح بكل المقاييس، حطم جميع أرقام التظاهرة خلال عشرين دورة من عمرها، في تفاصيل شكلية، ويتم التغاضي عن البعد الفني والجماهيري والرسالة التي يحملها، في مقابل تصيد انتقائي لأمور لا تعدو أن تكون جزءا من هوية الفنان وأسلوبه الخاص”.
انتقادات انتقائية وازدواجية في المعايير
الناقد الفني عبد الرحيم الشافعي قال إن تقديم شكاية ضد بث سهرة لفنان مغربي أمر “يثير الاستغراب”، خاصة أن منصات الإعلام العمومي استقبلت في دورات سابقة فنانين عالميين ظهروا بملابس أكثر جرأة دون أن تثير مشاركاتهم أي ردود فعل مماثلة.
وأضاف الشافعي في تصريح لهسبريس: “لم نسمع مثل هذه الأصوات عندما عرضت القنوات مسلسلات أجنبية بمضامين غير ملائمة، أو حين تم تمرير مشاهد عبر الشاشات أخطر بكثير من كلمات مغن يؤدي عمله بأسلوبه الخاص”، معتبرا أن الهجوم على طوطو يعكس نوعا من ازدواجية المعايير في التعاطي مع المحتوى الفني.
وتابع: “كثير من هؤلاء المنتقدين يجهلون سياق فن الراب ولا يدركون عمقه الثقافي والاجتماعي. الراب ليس فنا تقليديا، بل هو صوت احتجاجي يعبر عن الشارع ويصطدم بالمسكوت عنه، وهذا ما يزعج البعض”.
بين حرية الإبداع وضرورة الرقابة
من جانبه، اعتبر مفيد السباعي، منتج فني مدير أعمال عدد من الفنانين، أن النقاش الدائر يجب أن ينظر إليه من زاويتين؛ الأولى تتعلق بحرية التعبير، والثانية بواجب الرقابة في الإعلام العمومي.
وأوضح السباعي، في تصريح لهسبريس، أن “ما يطبق على الأعمال السينمائية والمسلسلات من حيث التصنيف العمري والمحتوى يجب أن يطبق أيضا على السهرات الفنية، حماية لفئة القاصرين”، مضيفا: “إذا كان غير مسموح دخول الأطفال إلى قاعات السينما عند عرض أفلام معينة، فمن باب أولى ألا تعرض النوعية نفسها من المضامين في البيوت عبر شاشات التلفزيون العمومي”.
وأكد أن هناك فرقا كبيرا بين حضور شخص طواعية لحفل فني في فضاء عام، وبين مشاهدة الحدث في بيته ضمن باقة قنوات عمومية ينبغي أن تراعي الذوق العام والضوابط القانونية والأخلاقية.